لا شك في أن هناك حلا لكل مشكلة مهما تكن صعوبتها. ويمكن حل مشكلة الشباب عشية رأس السنة التي هي نتيجة لانحلال وظيفي في الانظمة الاجتماعية في البحرين، التي هي في الأساس مشكلة ذات علاقة متبادلة، بواسطة اصلاح علاقة المجتمع فقط. وبالتالي تكون الحاجة الى دور جديد، وأساس جديد لدراسة علاقات الشرطة بالمجتمع غاية في الأهمية.
كان السلوك الجماعي للشباب البحريني، كما تم تعريفه بواسطة اجتماعيين، سلوكا اجتماعيا غير منظم نسبيا إذ لم يكن مضبوطا بواسطة المبادئ الثقافية مثل تلك التي تحدث في التجمهرات والتجمعات والاشاعات واشكال الهوس. لقد تمت ممارسته عمليا بواسطة انفعالات وعواطف شخصية غير متوقعة مع تغييرات في قيم، وانماط زي، وموضات، وقنوات فضائية تلفزيونية وامكان الدخول الى وسائل اعلامية شتى للشباب البحريني.
إن الشغب الذي حدث عشية رأس السنة كان نتاجا لآلاف وآلاف من الحوادث الطفيفة والتغيرات في المجتمع البحريني التي اثرت في سلوك وعادات وعواطف الشعب البحريني. ولذلك ربما يتشاجر الكثيرون في رؤية ما حدث على اساس انه عمل متحيز، له علاقة بجنس، ويعود إلى جماعات أو قيم على اساس عناصر عاطفية مثل الاجحاف الذي يعتقد به عموما لدى مجموعات عرقية ودينية واثنية. تم تصنيف الظاهرة التي حدثت عشية رأس السنة بواسطة كثير من الاجتماعيين وعلماء النفس على انها «سلوك جماعي» غير منظم يتضمن تجمهرات، وحشودا، وتجمعات.
سلوك جماعي في
مجموعات اجتماعية عرضية
تبدأ التجمهرات مثل التي حدثت عشية رأس السنة في احيان كثيرة باعتداءات، وتتطور خلال عملية تفاعلية تعرف بـ «التحفيز الدائري». وهذا يعني ان التحفيز المتبادل للانفعالات الفردية والذي سبب ردودا سلوكية هو غير مقصود، وغير مخطط له وعمل اقل حرجا من تلك المؤثرات التي تتوقع عادة من عمل التخريب المخطط بدقة تافهة.
ونتيجة لذلك، فإن تصرف الاعضاء الشباب في تجمع عشية رأس السنة كان تحت تأثير انفعالات محسوسة على نحو مشترك.
أنواع السلوك الجماعي للتجمع
هناك انواع كثيرة لسلوك المجموعة الذي يحتاج إلى تحليل مثل «التجمهر»، «المواجهة»، «عصابة اجرامية»، «حركة اجتماعية»، «حركة موضة»، «هواجس اجتماعية»، وذلك قبل أن تبدأ السلطات المختصة بإلقاء اللوم والعيب على جهة بعينها.
التجمهر: هو تجمع مؤقت من الناس مرتبطين ببعض انواع السلوك الجماعي يمتد من التسكع العرضي (تجمع السنة الجديدة بواسطة الشباب في شارع المعارض) إلى شغب يختلف عن عمل مخطط بل هو بالأحرى عمل تحت تأثير انفعالات محسوسة على نحو مشترك.
المقابلة: نوع من التجمهر باعتباره استجابة مبدئية إلى مصدر محفزات فردي بينما يرتبط بأدنى تفاعل اجتماعي. وبالتالي، في المقابلة هناك قليل من التحفيز الدائري أو الانفعالات المحسوس على نحو مشترك. يكون الاداء مفردا بدلا من سلوك حشد جماعي.
عصابة اجرامية: هي تجمع لغرض - في احيان كثيرة - مخالف للقانون، وهي عالية الانفعال في أحيان كثيرة، وتمنح شعور الغفلية لأعضائها (غير المسميين) وتتميز بأنها عمل مدفوع بحال عدوانية نحو هدف مشترك. وتميل إلى عدم الاجتماعات وتعمل فقط على اساس شعور مستيقظ واثارات جماعية كالاثارة الناشئة من خلال سلوك مقصود أقوى مما في التجمهر.
حركة اجتماعية: محاولة لاحداث تغيير في ممارسات مؤسسة، مثل حركة تحرير نساء البحرين، اتحاد العمال، والحركات السياسية البحرينية المتعددة. وتدل على عدم الرضا مع بعض اوجه منظمة اجتماعية موجودة.
موضة: حركة تنشأ من خلال نخبة معينة في الزي، والاساليب، والفن، والافكار، والانسجام وهذه أهم قوى دوافعها.
الهواجس الاجتماعية: وهي اكثر انحرافا من الموضة، وفي احيان كثيرة تتضمن روحا معنوية عالية، وتعتمد على الاعتقاد بالحق المطلق لغرضها ومدفوعة بمسئولية البلوغ الكلي لهدفها. سواء كانت مهمة مقدسة لحوادث ديمقراطية أو وظيفة أو مهمة مقدسة اخرى ذات علاقة. ويعتقد انصارها بالمثل القديم «اذا لم تكن معنا فإنك ضدنا».
الاعتبار النظري والاخلاقي
ما شهدناه من مظاهرات عشية رأس هذه السنة والسنوات الماضية، يجعل كثيرا من المراقبين والمفكرين يتساءلون عن علاقة الاعتبارات النظرية والاخلاقية اعلاه بالتمرد المدني. يبدو مثل هذا التحليل العلمي بعيد الاحتمال لضابط شرطة يواجه تجمهر شباب عنيف يتجه إلى اغلاق شارع إذ يميل الانسان إلى التعاطف مع موقف ضابط الشرطة. ولكن مع تحليل مواز للحوادث، فشل رجل الشرطة في التحقيق في اخلاقيات ما حدث وان يتعامل عقلانيا مع مثل هذا السلوك.
وبما ان هناك قيما اخلاقية رزينة في خطر وتتطلب اسئلة معنوية عميقة للتحليل، فإن الحكمة تستدعي تداولا هادئا مع القضية.
نظرية التنافر المعرفي
ما علاقة التنافر المعرفي بحادث عشية رأس السنة وعلاقة الشرطة بالشعب البحريني والشباب؟ للاجابة عن هذا السؤال يجب ان نوضح اولا نظرية التنافر المعرفي.
اقترحت نظرية التنافر المعرفي اولا في العام 1957 بواسطة «ليون فيستنجر» وترتكز على فكرة «ان الكائن الحي الانساني يحاول بناء انسجام، وتماسك أو تطابق داخلي وسط افكاره، ووضعه، ومعرفته وقيمه». وبالتالي، يشير التنافر إلى توتر يشهده الانسان بين مادتين من المعرفة، أو وضعين، افكار أو قيم. وفي هذا السياق، يمكن للمرء القول إن النزاع الثقافي هو نوع جماعي للتنافر المعرفي. مثلا التعرض المفروض أو العرضي للشباب البحريني لمعلومات جديدة من خلال وسائل الاعلام، والقنوات التلفزيونية الفضائية والانترنت، ربما خلق عناصر معرفية (عناصر مكتسبة) وهي متنافرة مع المعرفة الموجودة، والقيم الثقافية والتعاليم الموجودة أصلا، سواء كانت مبادئ تعليمية أو دينية. كذلك، يقود التعبير المفتوح لعدم الرضا المتعلق بالفقر والبطالة في مجموعة أو مجتمع إلى وجود تنافر معرفي بين اعضاء أو مواطني مثل هذا المجتمع.
إن الوضع الذي تواجهه مملكة البحرين والتنافر الذي يواجهه الشباب هو ارهاص لمشكلات رئيسية اكثر مثل الفقر، التفرقة، البطالة وعدم مقدرة المجتمع البحريني على التعامل مع مشكلات اجتماعية شرعية. من جانب آخر، فإن الشرطة قليلة التدريب، وقليلة التعليم، ومعظم رجالها غرباء عن المجتمع البحريني (غالبيتهم غير بحرينيين، وقد وقعوا بين ضغوط مجتمع متضاربة ما جعل من المستحيل اداء دورهم المتوقع. لا عجب اذا أن يحدث التنافر المعرفي نتيجة ذلك التوتر الموجود اصلا بين الشرطة والاوضاع والقيم الثنائية للشباب البحريني. تعتبر الشرطة ما قامت به واجبا عاديا كالتعامل مع جريمة أو قضية مخدرات أو رذيلة.
ولكن اعتبار الأمر سلوكا ثائرا من شباب لا يفهمونهم وبالتأكيد غير مدربين على التعامل معهم هو اكبر من ان يستطيع السماح به رجل شرطة عادي.
الشرطة والمجتمع
اذا افترضنا أن هناك علاقة مثالية معينة بين الشرطة والمجتمع البحريني، فإنها تعتمد بجلاء على التوقعات المتبادلة. ماذا يجب ان تتوقع الشرطة والمجتمع على حد سواء من بعضهما بعضا؟
بتعبير واسع، للشرطة وظيفتان أساسيتان هما:
1- تنفيد القانون.
2- حفظ النظام والخدمة الاجتماعية.
الدوران المطلوبان من الشرطة يعتبران متضاربين ويستحيل الوفاء بهما بالكامل لأنهما يتطلبان ردودا متضاربة. وفي المصطلحات الكلاسيكية لنظرية الدور الاجتماعي، فإن الامر مجرد قضية تضارب دور وغموض دور.
جوهر المشكلة هو غياب اتفاق عام بين الشرطة والمجتمع. وبالتالي، تعتبر حاجة المملكة إلى قسم علاقات الشرطة والمجتمع في هيكلها التنظيمي للتغلب على مثل هذه المشكلات كالعصيان المدني وتمرد الشباب ذات اهمية قصوى.
علاقات الشرطة والمجتمع
في مجتمعنا الديمقراطي الجديد، ينظر إلى سلوك الشرطة بمثالية باعتباره التعبير الموجود لحكم القانون. لذلك، القانون الديمقراطي هو قانون اخلاقي ويجب ان يطبق بطرق جديدة من التدريب وتنظيم المجتمع. وتعتبر الشرطة اليوم ذات شأن في الرأي العام، والتغييرات الديمقراطية والاجتماعية هي سبب الظاهرة الجديدة التي تجاوبت معها الشرطة ايجابا وسلبا. من بين التجاوب الايجابي، احترافيتها وتطويرها اثناء الأعوام الثلاثين الماضية لعلاقة الشرطة، ونضالها المستمر لتطوير برنامج علاقات الشرطة والمجتمع.
تم تعريف فكرة علاقات الشرطة والمجتمع بطرق شتى. التعريف والرأي الاكثر دقة هو توحد لعلاقات عامة، وخدمات مجتمع، ومشاركة مجتمع. وجه مشاركة المجتمع في هذا التوحد يستخدم طرق علاقات بين الاشخاص وفريق عمل موحد لحل مشكلات المجتمع. مثل السرقة، منع الجريمة، التخريب المتعمد من خلال جهود مشتركة بين الشرطة والمجتمع. والمبدأ الملائم في برامج علاقات الشرطة والمجتمع هو منع الجريمة والاضطراب المدني على حد سواء، البرنامج يعتبر جهازيا في تنظيم مشكلات علاقة المجتمع ومشكلات الانظمة الحكومية. ولذلك، مشكلات مجتمعنا يجب ان تدرس من منظور جهازي.
برامج علاقات
الشرطة والمجتمع
هل برامج علاقات الشرطة والمجتمع ذات أهمية؟ الاجابة عن هذا السؤال تعتمد كثيرا على كيفية وضع اهداف مثل هذه البرامج. يجب ان تضع اهداف البرامج بواقعية.
في البداية، يمكن فعليا معالجة توترات المجتمع والشرطة مثل الشغب الذي حدث عشية رأس السنة بواسطة أي توحد للآتي:
1- مراجعة القانون الجنائي.
2- خفض المبالغة في التجريم والتوجيه القانوني.
3- تطوير الشرطة ودوائر العدل الجنائي.
4- تناسق الرقابة الاجتماعية مع التغييرات الاجتماعية.
5- تحسين التجارب ودعم المجتمع.
6- ازالة التفرقة مهما كانت اثنية، لونية، دينية أو اخرى.
7- ازالة الفقر والفاقة.
ومن الواضح، ان هذه اهداف كبيرة لا يستطيع برنامج واحد ان ينجزها.
هذه البرامج طويلة المدى. ومع ذلك يمكن للشرطة ان تبدأ ببرامج علاقات مجتمع مثل:
1- برامج ارتباط بين الشرطة والمدرسة.
2- برامج علاقات ومعلومات عامة.
3- برامج تدريب شرطة.
4- برامج اغراض خاصة.
5- برامج علاقات اجتماعية متبادلة للمجتمع.
عندما نتحدث عن برامج تدريب الشرطة، يجب ان نقترب إلى مثل هذا الهدف، وأن نوجه رجال الشرطة في مجالات كالعلاقات الانسانية، وعلاقات مجموعة - اقلية - الشرطة، وعلاقات الجنس، وعلم النفس الاجتماعي لعمل الشرطة، وعلم الاجتماع لعمل الشرطة، وتدخل الازمات، وادارة الصراع الاجتماعي وقضايا مجتمعية أخرى.
يجب ان يدرس برنامج عمل قسم علاقات الشرطة والمجتمع هذا، وفكرته المركزية ونشاطاته، وحل مشكلات الاحياء وفهم احتياجات المجتمع، والتواصل مع المجتمع، والتعاون والرفق وتفسير القانون والنظام للمجتمع وتأكيد منع الجريمة.
نظرة مستقبلية
افضل علاقات عامة لشرطتنا وجهاز الأمن العام هي المتمثلة في جودة الخدمات التي تقدمها والمقدمة إلى المجتمع البحريني، كما في عشية رأس السنة، فقد اداروا الصراع احترافيا. ومع ذلك، يجب ان يوفروا شرطة تدخل ازمات افضل، وفريق تنظيم مجتمع افضل وتدخلات اخرى متعددة.
ومن الاجدر القول ان ادارات الشرطة البحرينية يجب أن تولي اهتماما اكثر بالعلاقات العامة والمعلومات العامة من خلال «الحصول على كلمة المرور إلى الجمهور»، وظيفة مراقبة ومعترف بها باعتبارها أولوية ومسئولية ادارية تعلن أن الشرطة في خدمة المجتمع.
إن افضل علاقات عامة للشرطة هي منع الاضطراب المدني بدلا من اعتقال اولئك الذين ارتكبوا الجريمة بعد وقوعها.
ومنع الجريمة والاضطراب المدني وعلاقات المجتمع هي إلى حد بعيد اسباب متكاملة، والبرامج التي نتحدث عنها تستطيع ان تحدث تحسينا في العلاقات بين الشرطة والمجتمع وازالة عدم الاحترام للقانون والنظام والشرطة البحرينية.
وباختصار، يمكننا القول،إنه في المجتمعات الديمقراطية (مملكة البحرين احداها) فإن وجود ورسالة وسلطة الشرطة تبقى في المجتمع. مثل جميع مؤسساتنا الاجتماعية الاخرى. الشرطة جزء من مجتمعنا وتكونت بواسطة مجتمعنا وتفي باحتياجاتنا الاجتماعية الاساسية. ولو أنهم يجتهدون لانجاز انسجام افضل في مجتمعنا المعقد بشدة الذي فيه عوامل العزل، والتغريب، والفقر والبطالة والاستقطاب منتشرة على نحو واسع. الشرطة البحرينية والمجتمع البحريني ليسا مجرد علاقة موجودة بجانب بعضهما بعضا فحسب ولكنهما اتحاد القيم نفسها والقدرة على مقابلة الانسجام الاجتماعي الاساسي من اجل مصلحة الجميع (المواطنين البحرينيين، ضيوفنا، اخواننا في مجلس التعاون الخليجي)
العدد 154 - الخميس 06 فبراير 2003م الموافق 04 ذي الحجة 1423هـ