إذا كانت الحرب الأميركية على العراق مرتبطة بجملة كبيرة ومعقدة من الأهداف يختلط فيها النفط بمحاولات تأكيد الهيمنة، بجهود مكافحة الإرهاب إلى العمل على إنشاء شرق أوسط جديد، فهل يمكن تفادي مثل هذه الحرب؟ الإجابة عن مثل هذا السؤال تبدو مزعجة، ولاسيما إذا كانت سلبية. لكن المشكلة التي يطرحها الاحتمال الآخر، هي أن الولايات المتحدة ربما لا تملك بديلا عن العمل العسكري، بعد أن ربطت أهدافها الإستراتيجية في المنطقة بالتغيير في العراق، وربطت معها صدقية وربما مصير إدارة الرئيس جورج بوش نفسها.
إن الكثيرين يودون طبعا أن يركزوا على رؤية المظاهرات ومظاهر التنديد الواسع بالحرب في العواصم العربية والدولية، والتحركات الدبلوماسية المكثفة لتفادي العمل العسكري. لكن هذه فقط الشجرة التي لا ينبغي أن تحجب الغابة. فعلى رغم مظاهرات التنديد يمكن أيضا رؤية الآلة العسكرية الأميركية وهي تواصل حشد عتادها في المنطقة وبصورة أوسع وأسرع بكثير مما يتصور البعض، في حين تتزايد حدة ودقة التصريحات الصادرة من واشنطن ولندن وعواصم أخرى مؤيدة للعمل العسكري. في هذا الوقت فإن ما يشغل الشارع العربي، هو كيف يمكن إجبار الإدارة الأميركية على صرف النظر طوعا أو كرها عن شن الحرب، هل تكفي المظاهرات والمسيرات والاجتماعات أم تشكيل دروع بشرية في المواقع العراقية المستهدفة، أم المشاركة في القتال! ويمكن طعبا الاستطراد في سرد هذه الاحتمالات، لكن بما أن السياسة، أي سياسة كي تنجح لا تستطيع أن تتفادى أسوء الاحتمالات، كما لا يمكن أن تخرج من طابعها البرغماتي، فان ما لا يجب أن يغفل عنه هو طرح سؤال من النوع الآتي: حسنا ما العمل إذا أصرت الولايات المتحدة على خوض الحرب في العراق ونجحت في تغيير النظام الحاكم وتنصيب حكومة بديلة؟ هل يمكن ضمان أن تتطابق حسابات البيدر العربي مع حسابات حقل التطورات اللاحقة.
ومن ثم هل ينبغي الاستمرار في الحديث عن منع الحرب وهي واقعة لا محالة، أم تحويل دفة الحديث باتجاه المشاركة في الحرب أو على الأقل تجنب تداعياتها! إن وضع الدول العربية بيضها كله في سلة محاولات تفادي الحرب، على رغم إيجابيته يحمل في طياته مخاطر حرمان هذه الدول من أي تأثير مستقبلي في شئون العراق.
وفي وقت تتحدث فيه التقارير الصحافية عن انهماك وزارة الخارجية الأميركية بعقد سلسلة من الاجتماعات وجلسات العمل وبمشاركة نخبة واسعة من الشخصيات والمتخصصين العراقيين وغير العراقيين لبحث مختلف جوانب الترتيبات التي ستعقب سقوط النظام، فانه ما من عاصمة عربية فعلت شيئا مماثلا على أي مستوى، ومن المشكوك فيه أنها تملك أي تصور عن وضع العراق في السنوات القليلة المقبلة.
إن مشكلة الغياب العربي (الإرادي) طوال 12 عاما عن ملف العراق، والغياب (القسري) المقبل عن هذا الملف، يبدو لي أجدى بالاهتمام وهو أخطر بكثير من البحث في ماذا كان يجب تفادي الحرب على العراق أم لا، لان هذا السؤال الأخير ربما يكون فات أوانه. والأمل هو أن لا يفوت سؤال المرحلة المقبلة
العدد 154 - الخميس 06 فبراير 2003م الموافق 04 ذي الحجة 1423هـ