ربما ان أكثر الناس سعادة هذه الأيام أولئك الذين تحدثوا ونظروا إلى مفهوم صراع الحضارات. فالمفكر الأميركي صاموئيل هانتينغتون كان أشار في كتاب الشهر «صراع الحضارات» إلى أنه وبعد انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي فإن الصراع المستقبلي سيكون بين الثقافات.
غالبية المنظرين في العالم الإسلامي وبعض المنظرين في أوروبا وأميركا وقفوا ضد هذ الفكرة وأكدوا أن الدين الإسلامي والثقافة الغربية الديمقراطية لديهما الكثير من المتشابهات بل وتتقاطع مفاهيم الثقافتين في عدد من المحاور الرئيسية بشأن الحياة الإنسانية.
في وسط هذا الحوار المحموم والنقاش المتصاعد كانت عدة طائرات مختطفة تتجه يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 إلى تفجير برجي مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع الأميركية، معلنة بذلك بداية عهد جديد في السياسة الدولية. وهكذا انتقل الحديث عن الصراع ضد تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان الأفغانية الى الحرب على العراق ومطاردة الطلاب والجاليات المسلمة في أميركا وعدد من الدول الأوروبية. وأصبح كل مسلم متهما حتى تثبت براءته، وأصبح كل طالب مسلم يدرس الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والهندسة المتطورة وعلوم الاتصالات والإلكترونيات، وغيرها من يدرس هذه العلوم مشتبها به وربما يأتي اليوم الذي لا يغفر لهذا المسلم أي شيء إلا انضمامه لواحدة من أجهزة المخابرات الأميركية أو الأوروبية ليعمل مخبرا ضد المسلمين والعرب، تماما كما كان الحال في جنوب إفريقيا عندما كان المواطن الأسود لا يسلم على حياته إلا إذا اثبت للحكومة العنصرية البيضاء انه يتجسس وأنه ضد مصالح شعبه الأسود.
وبينما يحاول البعض جر الحديث تجاه القواسم المشتركة، هناك من يطالب بمزيد من الموازنة العسكرية والمخابرات في أميركا وأوروبا لتنظيم أكبر عدد من المخبرين العرب والمسلمين والسماح لأجهزة المخابرات بالعودة للتعامل مع المجرمين والسفاحين ومهربي المخدرات وغيرهم الذين كانت الإدارة الأميركية قد منعت رسميا التعامل معهم قبل الثمانينات بعد سلسلة من الفضائح .
وهكذا تنشط التحالفات الحقيقية بين أجهزة الأمن والاستخبارات بين أميركا وحلفائها لمواجه كل «الإرهاب» ولا مانع لدى أحد لو كان الأمر كذلك، ولكن المشكلة هي أن كل مسلم يدرس أو يفهم في واحد من علوم وتقنيات القرن الحادي والعشرين فإنه متهم بالإرهاب ما لم يثبت العكس. وربما ان الوحيدين الذين سيسلمون مؤقتا من الاستهداف هم الذين يدرسون الفلسفة القديمة وعلوم التصوف والعرفان واليوغا.
هذا الأسلوب يذكر بالنهج الذي اتبعته عدد من الدول العربية والخليجية في مطلع الثمانينات عندما اعتبرت كل شخص يدرس العلوم الدينية في بلد، أو في بعض البلدان متهما وتقوم بمطاردته وقطع رزقه وتوجيه كل إمكانات الدولة لمحاربته.
واليوم هناك خوف حقيقي من ان المسلم اصبح محاربا بسبب اسمه او لونه او شكله، والمسلم لا يستطيع السفر الى الدول الأوروبية والأميركية من دون ان يتوقع تعرضه للإهانة والتفتيش على أساس انه متهم بالإرهاب.
والمسلم لن يستطيع دراسة المواد العلمية المتطورة، بل ان أحد مطالب الولايات المتحدة هي إخراج علماء الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والهندسة العراقيين والتحقيق معهم ثم نقلهم الى غير العراق لمنعهم من تصنيع «أسلحة الدمار الشامل» ولا يوجد دليل على أن الإجراءات المطروحة ستتوقف عند حد معين. فبعد احتلال العراق سيكون الهدف أكبر بكثير مما نتوقعه. فكل دولة عربية لا تفتح سافرة للكيان الصهيوني ستكون مساندة للإرهاب، وستنطلق عليها الطائرات الأميركية في بغداد والموصل والبصرة «بعد ان تعسكر هناك» ولن يفيد أي أحد هنا إثبات أنه ليس إرهابيا وأنه لم يؤيد طالبان أو بن لادن في يوم من الأيام. كل هذ الأمور تدفع باتجاه «صراع الحضارات» الذي تحدث عنه بعض المفكرين والسياسيين الغربيين. ولكن الواقع أيضاَ يقول لنا إن معارضة هذه السياسة الرعناء تتزايد في داخل أميركا وأوروبا وأن هناك حركات سياسية واجتماعية وإنسانية ودينية بدأت تعبر عن نفسها بقوة وتطرح رأيها علانية في الاتجاه المعاكس لصقور البيت الأبيض. فقريبا سيكتشفون ان جهودهم تذهب هدرا تماما كما ذهبت هدرا في الماضي. فهم الذين ساندوا العراق عندما كان في حرب ضد إيران ثم انقلب عليهم فانقلبوا ضده. وهم الذين ساندوا المجاهدين الأفغان ضد الاحتلال السوفياتي ثم ابتعدوا عن تلك القوى وإذا بالطالبان والقاعدة تلاحقهم، وهم اليوم أيضا الذين يحاولون فرض الأمور بالقوة لكي يكتشفوا بعد فترة أنه لا تنفعهم أساليبهم، لأنه «لا يصح إلا الصحيح»
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 154 - الخميس 06 فبراير 2003م الموافق 04 ذي الحجة 1423هـ