العدد 153 - الأربعاء 05 فبراير 2003م الموافق 03 ذي الحجة 1423هـ

رسالة مفتوحة إلى جورج بوش الابن... وصدام حسين

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

قال تعالى: «فحشر فنادى، فقال أنا ربكم الأعلى»، (النازعات: 23 و24). ثمة من يلخص خطاب حال الاتحاد الأميركي بما توحي به الآية الكريمة أعلاه ويقول: لو قدِّر للقرآن الكريم أن ينزل على نبينا محمد (ص) في الوقت الراهن لكان شأن نزول الآية المذكورة هو جورج بوش الابن!

وقال تعالى أيضا: «أفرأيت من اتخذ إلهه هواه»، (الجاثية: 23). وهنا أيضا ثمة من يُلخص حال عراق اليوم الـمُبتلى بما توحي به الآية الكريمة أعلاه ويقول: لو قدِّر للقرآن الكريم أن ينزل على رسولنا الخاتم (ص) في الوقت الراهن لكان شأن نزول الآية هو صدام حسين!

هذه هي حال حقيقة العالم للأسف الشديد! استقطاب عنيف وحاد بين «طاغية» أطلق العنان لهواه حتى بات هو «الإله» الذي يعبد و«آخر» وريث لمن صنع وربى وحمى وساند ورعى الطاغية الأول على مدى أكثر من ثلاثة عقود، لكنه وعندما «تحدَّاه» في عقر داره كما يقول وباتت مصالح «ربوبيته» تتعرض للخطر! قرر أن يُعلن «فرعونيته» في «خطاب الاتحاد» ولسان حاله يقول: «آمنتم له قبل أن آذن لكم»، (طه: 71)؟!! كما قال فرعون لجنوده وعماله وحاشيته.

وحدها ألاعيب السياسة وحبائلها وتضاريسها المعقدة تريد تشويه الحقيقة من حولنا فيما يخص ملف العراق كما يقول غالبية الناس من عراقيين وعرب ومسلمين.

فالعراق الحالي بما هو عليه في هذه اللحظة التاريخية من محنة ومعاناة ومظالم وحصارات متعددة ومتداخلة إن ما حصل له ما حصل أولا وقبل كل شيء بسبب تدخل العامل الأجنبي في شئونه الداخلية ودعم القوى الدولية الظالمة لحكم الاستبداد والطغيان فيه على مدى العقود الثلاثة الماضية، كما يقول غالبية أهله. وأيضا كما يعرف ويتحدث في المجالس الخاصة غالبية صناع القرار العالمي إن لم يكن جميعهم في المنطقة والعالم على حد سواء.

ليس صحيحا على الإطلاق أن الطغيان الذي تشير إليه أصابع الاتهام اليوم باتجاه العراق والذي يبدو أن «حزما دوليا ما» يتبلور لإنهائه؛ هو أن سببه أو مرده «ثقافة» أو «فكر» شرقي! أو إسلامي! ولا حتى قومي عربي! بل إن السبب الأساسي له سيادة حكم معادلة الغلبة والهيمنة الاستعمارية على بلادنا.

منذ 34 عاما والعراقيون جميعا يعرفون بل ويلمسون وكل شعوب العالم تعرف ولاسيما تلك المجاورة للعراق أن الحامي الأكبر بل والصانع الأساسي لمعادلة الظلم «العراقية» هو المعادلة البريطانية ـ الأميركية المباشرة.

فما عدا مما بدا حتى قررت هذه المعادلة نفسها اليوم التخلص من «صناعتها»؟!

هل هي صحوة ضمير، ومن أجل «تحرير» شعب العراق!! وما إلى ذلك من شعارات رنانة ترفع اليوم على مدار الساعة كلما اقتربنا من ساعة الحرب المرتقبة؟!

إن كل عراقي وكل عربي وكل مسلم تعرض لظلم «الطاغية» الذي يحشد القوة العظمى الأميركية اليوم لإزاحته، يعرف تماما بل ويلمس بجلده ولحمه ومعاناته النفسية والروحية مذاق ونكهة المعادلة البريطانية ـ الأميركية فيما لاقاه من «طاغية» العراق وزبانيته.

فأنا شخصيا اغتالت المخابرات العراقية أخي وقتلت صواريخ طغيانه وحربه أختي، واعتقلت زبانيته خالي وابنه وأولاده الثلاثة وهم مدنيون ضيوف على العراق لا يتدخلون في السياسة أصلا لا لذنب اقترفوه إلا لأن «الطاغية» المدلل من جانب «فرعون» العصر كان يراد له «تأديب» إيران ومنعها من تحقيق مهمة التحرر من إرادة الأجنبي.

عقدان كاملان والإدارات الأميركية المتلاحقة ومعها كل الشركات المتعددة الجنسية ومنها الأوروبية المباشرة بما فيها التي تتخوف من الحرب على العراق اليوم دفاعا عن مصالحها كانت هي المخزون الاستراتيجي لما يسمونه اليوم بأسلحة الدمار الشامل المتدفق على حكومة «الطاغية» ليقتل شعبه وجيرانه «العجم» والعرب على حد سواء.

فلولا دعم شركاتهم ومخابراتهم وجيوشهم الأمنية لما كانت حال فلسطيننا ولا حال أمتنا ولا حال بغدادنا ولا حال عراقنا ولا حال أمتنا ولا حال أقطارنا كما هي عليه اليوم فقيرة معدمة عليلة فاقدة زمام المبادرة «تنتظر» المخلص القادم من وراء البحار لينعم عليها أو «يمن» عليها بالديمقراطية والحرية والرفاهية والتنمية! ومع ذلك فإنها الخديعة الكبرى، بل خديعة العصر العظمى، باعتراف كبار العلماء والمفكرين والمحللين السياسيين الأميركيين والأوروبيين قبل أن تكون من مزاعمنا أو ادعاءاتنا.

إنه قرار تلك الأقلية «المتفرعنة» وريثة إنجازات الحرب الباردة المتحالفة مع اللوبي الليكودي لتحويل بلادنا إلى ساحة رماية وحقول تجارب و«لعبة أمم» جديدة لطرد المنافسين الأوروبيين والروس والصين واليابانيين من مواردنا وخيراتنا والتحكم في قرار ومستقبل أنظمتنا ومرة أخرى باعتراف وإقرار علماء الغرب ومنهم الأميركيون قبل أن يكون ذلك من «عندنا».

كذلك ولغيره الأهم وهو حاجة بلداننا ومنطقتنا إلى السلم والاستقرار والحياة الكريمة نقول: لا للحرب من أجل النفط، ولا للحرب من أجل تأمين الهيمنة والاستعلاء وحكم «فرعون» العصر على العالم.

لا، بل وألف لا؛ لأن تتحول بلادنا إلى ميدان وحقل تجارب ورماية لصناعة مستقبل الآخرين مقابل هدم مستقبلنا. ولا وألف لا؛ لأن تتحول شعوبنا أو خيراتنا أمانة في «صندوق ودائع» كولن باول أو غيره. فنحن أمة جديرة بأن تصنع مستقبلها وتحدد مصيرها بنفسها.

وإذا كانت الإدارة الأميركية والدول العظمى تريد حلا عادلا لقضية العراق وسائر قضايانا فعلا وحقيقة، وأنها تريد محاربة الإرهاب والتطرف فعلا بعد أن اكتوت به مباشرة وسكتت عنه دهرا لأنه كانت شعوبنا تكتوي به لوحدها...

إذا كانت قد استيقظت فعلا وتحرك وجدانها وانتبه ضميرها ولو بعد لأي؟! فما عليها إلا أن ترفع الدعم والإسناد الذي ظلت تقدمه إلى مصادر الإرهاب الحقيقية في المنطقة ومنها «إسرائيل» العنصرية التي حولتها إلى حاملة طائرات ثابتة جاثمة على صدرنا إلى جانب من تريد التخلص منهم من «طغاة» صغار، عندها سيرى العالم كيف أننا أمة جديرة بالعيش بكرامة على رغم أنف «الطغاة» و«الفراعنة»

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 153 - الأربعاء 05 فبراير 2003م الموافق 03 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً