العدد 153 - الأربعاء 05 فبراير 2003م الموافق 03 ذي الحجة 1423هـ

قراءة صحيحة - قديمة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تصريحات الرئيس العراقي صدام حسين أمس أمام النائب البريطاني العمالي السابق طوني بن في بغداد شملت اربع نقاط. الاولى نفت علاقة النظام بتنظيم «القاعدة» والثانية نفت تصنيع أسلحة الدمار الشامل، والثالثة أكدت على عزم الولايات المتحدة السيطرة على نفط العراق، والرابعة ذكرت ان خطة واشنطن هي السيطرة على العالم من خلال الاستيلاء على نفط «الشرق الاوسط».

أهم ما قاله الرئيس العراقي هو اعتراضه على فكرة «السيطرة» مقترحا موضوع «التعاون» بديلا للطموحات الأميركية التي يقودها الجناح المتطرف في الحزب الجمهوري الحاكم في البيت الابيض.

استبدال نزعة السيطرة بالاتجاه نحو التعاون يلخص كل موضوع الاختلاف بين الطرفين. فالعراق كما قال رئيسه لا يمانع ولا يستطيع ان يمنع طموحات اميركا لذلك اقترح في تصريحاته اخذ ما تريد اخذه من طريق التعاون (التفاهم) على توزيع الحصص والحاجات. فأميركا بحاجة إلى النفط والعراق لا يريد احتكاره اي انه بحاجة ايضا إلى بيعه. فالرئيس يقترح على واشنطن العودة إلى فكرة السوق (تبادل المصالح) واخذ ما تريده عن طريق البيع والشراء والتنافس سلما مع شركات التنقيب والانتاج والتكرير والتصدير مثلها مثل غيرها من شركات تابعة لدول اخرى هي ايضا بحاجة إلى النفط العراقي وغيره في مناطق اخرى غنية بهذه المادة في «الشرق الاوسط».

التنافس هو اقتراح الرئيس صدام وهي الفكرة الوحيدة التي اقترحها في إطار التعاون الثنائي (المشترك) لكسر طموح السيطرة والجنوح نحو احتكار مادة الطاقة لتأسيس مواجهات سياسية ضد الدول الكبرى الاخرى... اي ما اطلق عليه محاولة السيطرة على العالم من خلال الاستيلاء على نفط «الشرق الاوسط». الرئيس العراقي لا يعترض ايضا على طموح واشنطن في السيطرة على النفط شرط ان تكون عن طريق التعاون لا الاستيلاء بأسلوب القوة.

السؤال هل يكفي عرض الرئيس صدام، الذي جاء قبل يوم من توجيه وزير الخارجية الاميركي كولن باول كلمته امام مجلس الامن، لاقناع ادارة الحزب الجمهوري بتغيير رأيها والاقلاع عن فكرة الحرب واستبدالها بمشروع استثماري ضخم يعيد توزيع الحصص وفق درجات تتناسب وحاجات الدول الكبرى؟

يصعب التكهن بردة الفعل الحقيقية إلا ان المرجح هو رفض الادارة الاميركية عرض الرئيس العراقي. فالرئيس صدام قدم لواشنطن ما هو موجود اصلا واعطاها ما هي حاصلة عليه من خلال شركات النفط وسوق العرض والطلب. إدارة البيت الابيض تريد أكثر من ذلك. إنها تطمح للوصول إلى النقطة التي يرفضها العراق وهي السيطرة على النفط من خلال الاستيلاء والاحتكار والخروج على لعبة التعاون والتنافس. هذه اللعبة انتهت برأي اشرار الحزب الجمهوري منذ نهاية «الحرب الباردة» واختفاء القوة المنافسة دوليا من على مسرح الصراع. ففكرة المشاركة التي كانت تقود سياسات الولايات المتحدة تفككت مع تفكك الاتحاد السوفياتي وحلت مكانها سياسة السيطرة من طريق القوة أو الاحتكار. والسيطرة بحاجة دائما إلى احتكار القوة. وعناصر القوة تتفرع على أكثر من حقل وحقول النفط هي فرع من فروع القوة وليست القوة كلها. القوة الشاملة والكلية تتطلب مجموعة عناصر منها احتكار الطاقة بينما العناصر الاخرى فهي موزعة على قطاعات متعددة منها حقول التسلح (تصنيع القوة المتفوقة) وحقول الجغرافيا (تثبيت السياسة في امكنة متفرقة) وحقول المواجهات (السيطرة على خطوط التماس ومنع قوى اقليمية من النمو وتجاوز حدودها السياسية).

العراق بالنسبة للاستراتيجة الاميركية المقبلة ليس حقول نفط فقط انه ايضا محطة لإعادة تشكيل عناصر مواجهات يراد منها تثبيت السيطرة السياسية عن طريق الجغرافيا. والجغرافيا (الموقع) هي قوة ايضا في موازين سياسة تطمح إلى تكوين خريطة من الدول تتفق مع الشخصية الاميركية وليست موروثة من عهود الاستعمار القديم. (الفرنسي - البريطاني واحيانا الاسباني - البرتغالي).

صدام حسين قرأ الاستراتيجية الاميركية الجديدة قراءة صحيحة لكنها قديمة إذ اختصر نزعة التسلط بموضوع النفط بينما المسألة اكبر من ذلك وتتجاوز حدود العراق وطاقاته وامكاناته. فالعراق ليس نهاية المطاف انه المحطة الاولى في مسار طويل ومعقد.

الم يتحدث وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد بعد ضربة 11 سبتمبر/ ايلول عن ان المعركة طويلة (15 إلى 20 سنة) وشاملة (تطال 40 إلى 60 دولة)؟

على الرئيس صدام إعادة قراءة كلام رامسفيلد

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 153 - الأربعاء 05 فبراير 2003م الموافق 03 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً