العدد 153 - الأربعاء 05 فبراير 2003م الموافق 03 ذي الحجة 1423هـ

محنة المثقف من الـ «سي آي إيه» إلى الجامعات الأميركية

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

هل يمكننا القول إن حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، شكّل قناعة في الذهنية السياسية الأميركية المتطرفة بأنه لا يقل خطرا وتهديدا للأمن القومي الأميركي ومن ثم العالمي عن الخطر والتهديد الذي مثّله فوهرر ألمانيا «هتلر»!

يبدو أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير... ففي حين ظلت أميركا بمنأى عن التهديد الألماني ودخلت الحرب من باب إعادة ترتيب المصالح والخرائط وإعادة اقتسام العالم، تدخل أميركا في حربها على ما يسمى بالإرهاب بعد أن فوجئت بصفعة تعد بمثابة الزلزال، إذا ما قيست بهزة «بيرل هاربور».

مخطط ترتيب الخرائط شرعت فيه أميركا قبل حدث 11 سبتمبر، وكان يمضي قدما ويؤتي ثماره تبعا للحوادث الدولية التي تبرز هنا وتختفي هناك، وربما بدأ ذلك المخطط مع بدء الحرب العراقية الإيرانية على وجه التحديد، لكن المفارقة ـ في بلد ضليع في الديمقراطية وحقوق الإنسان ـ تكمن في أن الهاجس الأمني بعد الحدث/ الزلزال أخذ منحى منحرفا وغير أخلاقي طال قطاعات كثيرة في المجتمع الأميركي، بحيث امتد ذلك الهاجس ليطال آخر القلاع التي راهن الكثيرون على صمودها أمام العقلية الاستخباراتية التي سادت معظم الأجهزة والمصالح الأميركية، وأعني بها هنا الجامعات الأميركية.

وليس من المبالغة القول إن عددا كبيرا من تلك الجامعات استدرج ليكون جزءا من ذلك الهاجس عبر ممارسات ستظل وصمة عار في جبينها لردح من الزمن. آخر تلك الجامعات «جورج تاون» وليس آخر ضاحياها البروفيسور العربي المولد، الأميركي الجنسية هشام شرابي، وهو واحد من الضمائر الحية التي نافحت عن القضية الفلسطينية خصوصا والقضايا العربية عموما. فالحملة الشرسة التي يتعرض لها الرجل أسهمت في قيامها مع شديد الأسف صحيفة (عربية) تصدر بالإنجليزية في بلد عربي (لبنان) اجتزأت فقرات من ردوده على أسئلة عدد من الطلبة فيما يتعلق بالمخاوف والنتائج التي ستتمخض عن الضربة المحتملة على العراق، حين ركز في بعض ردوده على إبراز التأثر المفرط الذي يمارسه المتطرفون المؤيديون لليكود الذين يشغلون مناصب رفيعة في الإدارة الأميركية وينهمكون في خلق (حال) للحرب في المنطقة. وهو موقف ليس جديدا ولا هو غير مألوف فقد أورده باحثون آخرون بينهم أميركيون و(إسرائيليون) وقد وجد البعض هذا الموقف مزعجا.

إن الولايات المتحدة تختط منهجا غير معهود في حسمها وتعاطيها مع القضايا التي ترى فيها إضرارا بمصالحها وتظل كبرى خطاياها وأخطائها وكوارثها في العالم تعهدها اللامحدود بتكثيف المتاريس والدفاعات لدولة (طارئة) وشعب لا علاقة له بنسيج المنطقة التي توافد إليها من جهات العالم الأربع. وفي ظل هكذا واقع ستكون للضربة الأميركية نتائج سترتد عليها في الدرجة الأولى ولن توفر مترا من أمان لدولة مصطنعة وشعب مخترع في بقعة لشعوبها علاقة مع تكون الأرض واصطراع الطبيعة.

لن نحاكم نوايا الصحيفة فيما اقترفته، وشرابي بكل تاريخه المشرّف ليس بحاجة إلى مقالة هنا أو ندوة هناك لتؤكد شرف مواقفه وبياضها، لكن المخجل والمؤسف بحق هو المواقف السلبية والمتفرجة التي أبدتها الجامعات العربية والإسلامية سواء كانت ضمن حدودها أو خارج تلك الحدود، إذ لم تبدِ تلك الجامعات أي موقف يسجل لصالح أي منها.

شرابي من جهته بعث برسالة إلى رئيس الجامعة جون دي غيوبا يرد فيها على الاتهامات الموجهة إليه بمعاداة السامية، وعلى رغم تضامن عدد من أساتذة الجامعة وعلى رأسهم أستاذ التاريخ جيمس كولينز وبعض طلاب شرابي السابقين فإن الجامعة لم تحرك ساكنا تجاه تلك الحملة التي صعّدتها في أميركا صحيفة «هويا» إضافة إلى الحاخام وايت.

لم تعد محنة مثقف بقدر ما هي أزمة ضمير عالمي يتحرك ويتنفس وفقا لهاجس أمني تحول إلى مرضٍ مستعصٍ

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 153 - الأربعاء 05 فبراير 2003م الموافق 03 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً