تبقى البحرين مصدر للالهام ومؤثرة في منطقتها الخليجية وعلى رغم صغر حجمها وقلة مواردها النفطية، فالبحرين لديها مدن متنوعة مثل المنامة والمحرق، وهاتان المدينتان كانتا ومازالتا مركزين مهمين في اقتصاد وسياسة البحرين. ومنذ التسعينات خرجت المناطق الريفية من دورها التقليدي الماضي والذي كان يتبع دائما المنامة أو المحرق، وأصبحت الحال الريفية متطورة جدا وموازية في اهميتها للمنامة والمحرق. واذا كانت المنامة والمحرق تقودان الحركات الاصلاحية طوال سنوات القرن العشرين، فإن العقد الاخير من القرن الماضي شهد طفرة نوعية ساهمت بشكل واضح في تطوير الحياة الاجتماعية والسياسية للبحرين. وهذه الطفرة النوعية تمثلت في انطلاق وتمركز جوانب كثيرة في الحركة السياسية الاصلاحية في الريف. وبعكس المرات التي سبقت عندما كان الريف تابعا لما يحدث في المنامة والمحرق، اصبح دور الريف موازيا ومساويا لدور المنامة والمحرق، بل انه ازداد قوة نظرا لطبيعة الحركة السياسية في التسعينات عندما تركز القمع على فئات معنية من دون غيرها. وبهذا التطور النوعي للريف، فإن البحرين تثبت انها في مقدمة البلدان التي اعلنت انتهاء مفهوم «القرية» القديم. ففي عالم اليوم وفي جميع البلدان لم يعد مفهوم القرية كما كان سابقا، بل ان شركات الاتصالات في عدد من البلدان المتقدمة نقلت عملياتها من المدن إلى القرى. فمع تطور انظمة الاتصالات وتواصل الناس الكترونيا تحول العالم باكمله إلى «قرية»، معلنا ان ما كان يقال عن القرية انما يصلح لمفاهيم القرن التاسع عشر وربما منتصف القرن العشرين. إلا ان العالم اليوم تقدم إلى الامام خطوات نوعية، أنهى ذلك التفكير الكلاسيكي الذي يفرق بين القرية والمدينة.
الريف البحريني اليوم ليس ريفا، وانما جميعه مدينة واحدة مترابطة لا يفصل بينها حدود، والخدمات المتوافرة في المناطق الريفية توازي في كثير منها ما هو متوافر في المدن. بل ان القرى اصبحت المكان المفضل للسكن بالنسبة لإولئك الذين يعيشون في المدن، وبالنسبة للأجانب والدبلوماسيين الذين يعيشون في وسط الريف من دون ان يشعروا بعقد حاول البعض بثها هنا وهناك بشأن «أهل القرى».
الريف البحريني يستطيع ان يفتخر بأنه تصدر اكبر واطول حركة اصلاحية سياسية في التسعينات وبإمكانه ان يفتخر بان التضحيات التي قدمها يستفيد من نتائجها جميع البحرينيين اليوم. الريف البحريني يستحق كل اهتمام من اجهزة الدولة بدلا من الإهمال الواضح في الخدمات الموجهة لاهالي تلك المناطق. فبالاضافة لتخريب البيئة والآثار وتحويل المزارع إلى مجمعات سكنية هناك التجاهل الرسمي للحياة الثقافية الخصبة التي تنتشر في اوساط القرى، بل ان القرية البحرينية هي اليوم تقوم على انشطة تطوعية يقوم بها ابناء القرى، وبدأ اخيرا أهل الاحياء في المدن اتباع الطرق المتطورة لأهل القرى نفسها. ومثال ذلك الصناديق الخيرية التي توفر خدمات كبيرة لكل قرية لمساعدة الفقراء وحماية المناطق السكنية من الاخطار والمطالبة بتحسين الطرق والاماكن العامة وغيرها من الخدمات الاجتماعية السامية. ويمكن القول إن الصناديق الخيرية هي افضل الامثلة لحيوية المجتمع المدني البحريني الذي تضامن فيما بينه بصورة طوعية لخدمة الصالح العام. واذا اضفنا إلى الصناديق الخيرية استعادة بعض النوادي ومراكز الشباب لدورها الماضي في تقديم الخدمات الرياضية والثقافية والتعليمية فإن الحياة الريفية البحرينية تسبق حياة المدن في مجالات كثيرة، داحضة بذلك ادعاءات البعض التي نقرأها ونسمعها بين فترة وأخرى.
ان اهم ماتحتاجه القرى هو وضع خطة للخمس سنوات المقبلة لكي لا تصبح المنطقة تستقبل «فضلات» الخطط التي لم تفكر يوما من الايام بوجود قسم كبير من أهل البحرين يعيشون هناك. ولعل اهم ما ينبغي ان تتصدره تلك الخطة هي الحفاظ على عدد من المعالم التراثية والبيئة للريف وحماية الحزام الاخضر وتوفير الخدمات بصورة ملائمة ومتساوية من دون تفريق ومن دون تمييز.
القرى اليوم تعاني الكثير من المشكلات. فما عدى قرية الجسرة التي تم تحويلها إلى افضل قرية من ناحية التخطيط، فإن البقية تعاني الكثير، فقرية البديع تعاني من اختفاء سواحلها تماما كما تعاني باربار، وتعاني قرية البديع من ازدحام السيارات عند مدخلها بحيث اصبح أهل القرية يبحثون عن مدخل آخر غير المدخل الرئيسي لكي يدخلوا ويخرجوا من قريتهم دون معاناة. وقرية الدراز - وهي اكبر قرية في الشمال الغربي - تعاني من تدني جميع الخدمات. وبني جمرة تعاني من كل ما تعاني منه المرخ والقرية، وهي سوء الخدمات وتدمير الاراضي الزراعية وبطريقة منظمة عبر قتل الزرع عمدا ثم اجثثات الرمال الزراعية واستبدالها بمخلفات البناء والقمامة، من دون ان يتحرك احد من المحافظة أو البلدية أو اية وزارة اخرى لمساءلة الذين يقومون بمثل هذا العمل. وسار تعاني من طبقية فاضحة بين من يملك القصور (وهم من غير أهل القرية) وبين من لا يملك شيئا، وهكذا بقية القرى الواحدة تلو الاخرى. اما قرى سترة وقرى المنطقة الغربية وبقية المناطق فحدث ولا حرج ان المشكلات التي حدثت في التسعينات كان احد اسبابها الاهمال المتعمد لهذه المناطق، وآن الاوان لكي تلتفت الاجهزة الرسمية ولا تكرر الاخطاء ذاتها وتخلق مشكلات البحرين في غنى عنها
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 153 - الأربعاء 05 فبراير 2003م الموافق 03 ذي الحجة 1423هـ