العدد 153 - الأربعاء 05 فبراير 2003م الموافق 03 ذي الحجة 1423هـ

الكارثة الفضائية التي تذكر بمحدودية الجهد الانساني

كان عدد الخسائر في الأرواح لكارثة المكوك كولموبيا اصغر من عدد الخسائر التي تحدث يوميا على طرق بعض الدول، ومع ذلك توقف العالم بأسره ليحزن ويحتار مما حدث. وكما هو الحال في انفجار المكوك تشالنجر بعد انطلاقه بقليل قبل سبعة عشر عاما، فإنها كانت اللحظة التي بلغ فيها الحزن إلى ابعد من اسر ضحايا الحادثين.

جزئيا هناك عامل المسرح المشترك في هذين الحادثين، فرحلات الفضاء تعتبر من الانشطة القليلة التي يتاح للناس مراقبتها مع ادراك أن المشاركين فيها يجازفون بحياتهم. اذ حتى في سباق السيارات، اصبحت الخسائر البشرية الآن قليلة. ولكن مخاطر الدفع الصاروخي، في فضاء من دون هواء وبسرعة لا يمكن تصورها - إذ ينطلق المكوك بسرعة 12,500 ميلا في الساعة - تعتبر مخاطر ملموسة بحيث تبدو الرحلة الفضائية حقيقة مرعبة فعلا.

كانت جرأة ربان المكوك مكان تقدير في العالم، ولكن هناك شيء ابعد من التجاوب غير العادي مع هذه الحادثة.

فغزو الفضاء يعتبر رمزا، ليس فقط للفخر والاعتزاز القومي الاميركي ولكن للانسانية، من جانب الانجاز التكنولوجي. واصبح هذا اقل اهمية الآن من الماضي عندما ربط جون كنيدي برنامج الفضاء بهيبة وسمعة الدولة. ولكن يظل البرنامج وعدا إلهاميا للهدف: اذا اميركا، بل الانسانية، وضعت مواردها جميعها من اجل شيء ما، ستستطيع انجازه. إن مشكلة وكالة الفضاء الاميركية ناسا منذ الهبوط على القمر هي: ماذا ينوي برنامج الفضاء البشري ان ينجزه؟

فهناك ثلاثة اهداف لارتياد الفضاء مرتبة بحسب اهميتها: هدف عسكري، وهدف تجاري، وعلمي بحت.

منذ وقت طويل كانت تعبئة الموارد الضخمة للحكومة الاميركية مبررة فقط بالجانب العسكري من البرنامج بوضوح، وخصوصا درع الدفاع الصاروخي. ولكن الحقيقة هي ان هذا الجانب العسكري لا يحتاج إلى رحلة فضاء بشرية، ولا حتى اقمار الاتصالات، والتي هي بالاساس استخدام تجاري للفضاء والحاجة لاشخاص لاجراء بحوث علمية في الفضاء، مازالت منذ عهد بعيد قضية مثيرة للجدل. بالتأكيد، كان الثمن غاليا لأي مشروع يموّله دافعو الضرائب بأن يوجد له تبرير.

ولذلك كان برنامج الفضاء البشري في خطر من خلال تقليصه إلى تدريب «علاقات عامة» يكون أقل تمويلا، مسيسا، متعدد الجنسيات.

لذلك كان هناك انطلاق أول «سائح فضاء» وقد دفع كلفة ارتياده بنفسه، وكذلك حضور رائدة فضاء هندية ورائد فضاء اسرائيلي.

ربما تستمر ما تبقت من مكوكات في الانطلاق إلى الفضاء. على الاقل لان هناك نحو ثلاثة رواد فضاء بالطبع في محطة الفضاء الدولية الآن (على رغم ان هؤلاء سيتم تزويدهم بواسطة مركبة فضاء روسية). ولكن ربما سيكون هناك تقليص كبير للبرنامج. سيشير الاحصائيون ان هذا ربما يكون ردا غير عقلاني، وان سجل الولايات المتحدة في الفضاء مازال آمنا بشكل ملفت للاهتمام. ولكن البرنامج نفسه غير راشد، فهو برنامج رمزي فقط.

إن حادثا من هذا النوع ربما يدعو إلى التوقف للتفكير في كلفة وفوائد ارتياد الفضاء. ربما من الافضل تدشين مرحلة اخرى وذلك بقراءة لغة حدود الجهد الانساني.

وبالطبع، حدث كثير من ذلك في التراجع الذي شهده البرنامج منذ الاثارة التي اطلقها الهبوط عى القمر، فلا أحد يتصور جديا الآن ان تكون هذه مجرد مقدمة لكل احتمال، ولكن الاحتمال على المدى الطويل هو احتلال البشر للفضاء. بعد ان تلاشت الرومانسية. واذا كان ذلك يسهم في تعديل وترتيب العقل الاميركي فمن المحتمل ان يدفع إلى الافضل. قد لا يكون هناك اذى، في الوضع العالمي الحالي، وفي المرحلة التالية في الولايات المتحدة لفكرة حدود وأبعاد قوتها

العدد 153 - الأربعاء 05 فبراير 2003م الموافق 03 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً