العدد 152 - الثلثاء 04 فبراير 2003م الموافق 02 ذي الحجة 1423هـ

«إذا» التعجيزية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هناك إشارات جديدة بدأت تصدر عن مسئولين في الولايات المتحدة وبريطانيا عن موضوع الحرب على العراق. والاشارات غير واضحة لأنها مرفقة دائما بـ «إذا» الشرطية. الكلام من نوع «إذا» وافق صدام حسين على تسهيل مهمات فرق التفتيش فإن تمديد فترة عملها يصبح واردا. أو «إذا» وافق مجلس الأمن على تمديد فترة عمل فرق التفتيش بشروط جديدة نوافق على إعطاء فرصة جديدة. أو «إذا» كشف صدام عن مكان وجود أسلحته فإن احتمال الحرب يتراجع.

اشارات «إذا» وردت في اكثر من خطاب وتصريح ومقال في الاسبوع الماضي، كذلك صدرت عن مسئولين مثل وزير الخارجية الاميركي كولن باول أو رئيس الحكومة البريطاني طوني بلير.

ومن جانب العراق هناك تلميحات مختلفة تشير إلى حصول توجهات جديدة في بغداد. فمثلا دعت الحكومة كبير فريق التفتيش هانز بليكس إلى زيارة بغداد مع زميله محمد البرادعي في 8 فبراير/ شباط الجاري لإعادة البحث في مهمات الفريق. وقبل موعد الزيارة أبدى اكثر من مسئول رغبة العراق في تقديم تنازلات تسهل مهمة الفريق. فهناك استعداد للموافقة على تحليق طائرات (يو - 2) المخصصة للتجسس فوق أراضي العراق المسيطر عليها من قبل الدولة.

وهناك رغبة رسمية في افساح المجال امام فريق المفتشين للتحقيق مع العلماء والخبراء على انفراد من دون حضور المسئولين.

هناك مرونة عراقية غير عادية تقابلها سلسلة مواقف اميركية تتسم بالخشونة ومشروطة بـ «اذا». هذه الـ «إذا» قد تعني التراجع عن الحرب او تأجيلها أو اعطاء فرصة اخيرة للحلول السلمية. وكل هذه الجوانب المختلفة لأداة «إذا» ستتضح بعد 14 فبراير الجاري حين يجتمع مجلس الأمن للاستماع إلى التقرير النهائي لكبير فريق المفتشين. والسؤال ما هي الشروط التي تقنع الولايات المتحدة بعدم الذهاب إلى الحرب وبالجنوح نحو التفاوض والحلول السلمية؟ أو ما هو المطلوب من العراق تقديمه حتى تقتنع واشنطن بأن نظامه لا يكذب ولا يخفي اسلحته ولا يشكل وجوده مشكلة «أمنية لجيرانه»؟.

الاجابة ليست في بغداد بل في واشنطن. والسؤال ماذا تريد الولايات المتحدة من العراق، وتحديدا ماذا تريد من المنطقة من خلال وجودها في بغداد، وماذا يمثل لها العراق، ولماذا هذا الاصرار على فتح بغداد شرطا لابد منه لوقف حرب مدمرة تطيح بالكثير لكسب القليل؟

هناك عناصر مشتركة في الخطابات الأميركية وهي متداخلة إلى درجه الخلط بين ما هو عراقي وما هو اقليمي واميركي ودولي. فأحيانا تكون اللهجة موجهة ضد العراق وأحيانا ضد المنطقة العربية وإيران (حقوق الانسان، انظمة التربية والتعليم، الديمقراطية والعلاقات الدولية، «اسرائيل»، المرأة،... الخ) وأحيانا اميركية (الانعزالية، المنظمات المسيحية الصهيونية، القضايا الأمنية، الهجرة، الطلبة العرب، الجامعات والسياحة والسفر) وأحيانا دولية (الاتحاد الاوروبي، فرنسا والمانيا، نمو قوة دولية منافسة، الصين روسيا، بقايا الاتحاد السوفياتي، النفط، الطاقة، التلوث والبيئة).

هذا الخلط بين القضايا سببه نزعة التدويل للمعركة الأميركية على العراق. فالولايات المتحدة تريد موافقة عالمية على حربها من مجلس الأمن والامم المتحدة ومن مختلف المنظمات والهيئات والدول بدءا من الاتحاد الاوروبي في بروكسيل وانتهاء بجامعة الدول العربية في القاهرة. اميركا تريد سلسلة موافقات من عشرات الهيئات والمنظمات لإضفاء شرعية دولية على حربها الخاصة التي قد تكون فاتحة حروب صغيرة واقليمية في المنطقة وغيرها.

الا ان تلك السلسلة من الموافقات ليست للعراق علاقة بها ولا قدرة له للتأثير عليها سلبيا أو إيجابا. فالعراق في رأي ادارة بوش هو حقل اختبار أو نقطة بدء لمرحلة جديدة يرى الاستراتيجيون الاميركيون ان الحرب ضرورة لها لتدشين معالمها الاولى في «الشرق الاوسط» والانتقال منه إلى سلسلة حلقات من الدول المجاورة وثم... الأبعد والأبعد وصولا إلى افغانستان لربط العناصر كلها تحت مظلة واحدة وثم اعادة جمعها في سياق موحد.

هذه المهمات الاستراتيجية الكبرى تجعل «إذا» الشرطية أشبه بأداة التعجيز. فالعراق غير قادر على تلبية كل هذه الرغبات مهما حاول التنازل والتفاعل والتجاوب. فما هو مطلوب منه اكبر بكثير من قدرته وأقل من طموحات ادارة ترى انها مؤهلة لإدارة منطقة اكثر من قدرة اهلها على ادارتها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 152 - الثلثاء 04 فبراير 2003م الموافق 02 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً