العدد 151 - الإثنين 03 فبراير 2003م الموافق 01 ذي الحجة 1423هـ

الاحتكار... والاحتقار

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يلقي وزير الخارجية الأميركي كولن باول كلمته غدا أمام مجلس الأمن الدولي يفترض أن تتضمن الذرائع التي توجب على الولايات المتحدة الذهاب إلى الحرب. الصحف الأميركية استبقَت خطاب باول وسرّبت معلومات عن خلافات خفية بين وزارة الدفاع (البنتاغون) ووكالات الاستخبارات الداخلية والخارجية. وملخص الخلافات أن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد يضغط باتجاه اختراع اتهامات حتى تكون الذرائع كافية برأيه لإقناع دول مجلس الأمن باتخاذ قرار يغطي حرب الولايات المتحدة على العراق. دوائر الاستخبارات مترددة أو غير قادرة على تأليف مواد خام مجمعة من مصادر مجهولة وغير مؤكدة عن وجود شبهة علاقات سرية بين نظام بغداد وتنظيم «القاعدة» في أفغانستان، مضافا إليها عدم وجود دلائل ملموسة عن تصنيع العراق أسلحة خطرة تخالف أوامر «المجتمع الدولي».

الصحافة الأميركية تقول إن المعلومات المجمعة ضعيفة إلى مستوى الفضيحة السياسية، وهي تفتقد التوثيق وبحاجة إلى إعادة قراءة وتنظيم لصوغ عناصر الاتهام التي تجيز للأمم المتحدة الوقوف أو على الأقل السكوت عن حرب يبدو أنها أصبحت جزءا من التوازن الأمني الأميركي، أو حاجة اقتصادية تريدها الولايات المتحدة للخروج من أزمة الإفلاسات المالية التي تضرب شركاتها ومؤسساتها الكبرى.

المشكلة ليست هنا. المشكلة هي في انتقال الخلافات من السر إلى العلن، إذ بدأت المعلومات تشيرإلى تشكل مراكز قوى داخل الأجهزة الأمنية وصلت إلى حد تراجع ثقة البنتاغون (وزارة الدفاع) بمعلومات دوائر الاستخبارات مقابل ضعف مؤسسات الأمن والاستطلاع وعدم قدرتها على تلبية طموحات رامسفيلد الحربية. فالمعلومات الاستخبارية فقيرة قياسا بسلسلة الاتهامات التي يريد مجلس الأمن من باول إثباتها بالوثائق والوقائع الملموسة.

إذا المشكلة بين أجهزة الأمن ووزارة الدفاع تكمن في أن هناك خلافات واضحة بين السياسة الخارجية للولايات المتحدة وسياستها الدفاعية. الأولى تحاول تشكيل جبهة عالمية مترابطة ومتعاونة مع واشنطن لمكافحة «ظاهرة الإرهاب» الدولي. والثانية تدفع القوى الدولية إلى زاوية حادة منقسمة إلى معسكرين: مع أميركا أو ضدها.

هذا النوع من الاستقطاب الحاد أربك السياسة الأميركية الخارجية وجعلها غير قادرة على إقناع الدول الكبرى، التي لها أيضا سيادتها وسمعتها ومصالحها، بتلبية حاجات إدارة البيت الأبيض والوقوف معها في السراء والضراء من دون اعتبار لتوازن المصالح وحق كل دولة في تشكيل سياستها الخارجية بأسلوب يلبي حاجاتها المتنوعة من علاقات واتفاقات وصفقات.

الدول الكبرى هي في طبيعة الحال مع الولايات المتحدة ولكنها أيضا مع نفسها ومصالحها الخاصة. وسياسة الاحتكار الدولية التي تقودها أميركا تصيبها بالأضرار وتضعها في موقع التابع أو على الأقل الضعيف الذي لا رأي له سوى إطاعة التوجهات العامة التي يقودها أو يخطط لها وزير الدفاع الأميركي.

هذا النوع من السياسة القهرية يمكن ان تمارسه الولايات المتحدة مع الكثير من الدول الآسيوية والافريقية واللاتينية. فالأخيرة لا رأي لها لأن الرأي عادة لمن يطاع، ومن لا يطاع لا رأي له. بينما الدول الكبرى كالصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وغيرها هي من القوة الاقتصادية أو المالية أو العسكرية أو البشرية التي تمنعها من الانجرار وراء أهواء «البنتاغون» وأمزجة أشرار الحزب الجمهوري. فهذه الدول، حتى لو كانت متعاطفة مع الولايات المتحدة، تريد حصتها من الغنائم مقابل تأييدها السياسي والمعنوي لطموحات البيت الأبيض. وهذه الدول لا تستطيع الذهاب بعيدا في تأييدها من دون العودة إلى مؤسساتها وأهلها وتقديم المبررات المقنعة لأخذ الموافقة على قراراتها وسياساتها.

كل هذه التعقيدات يدركها ويتفهمها باول في سياسته الخارجية، وعليه ان يأخذها في الاعتبار وهو يقرأ كلمته غدا أمام مجلس الأمن. لكن مشكلة وزير الخارجية تكمن في وزير دفاعه رامسفيلد الذي يبدو ان هياجه وصل إلى حد الجنون الحربي وهو لا يرى حاجة إلى أخذ قرار من المنظومة الدولية أو حتى الاستماع إلى آراء الدول الكبرى المعترضة على خطواته المغامرة.

مشكلة باول مع رامسفيلد تشبه مشكلة صدام حسين مع نفسه. فالأخير يظن أن مواقف الدول الكبرى وارتباكها لا تعود إلى توازنات داخلية تضغط عليها لرسم سياستها الخارجية، بل بسبب إعجابها به وحبا لنظامه لا كراهية لسياسة الاحتكار الأميركية... التي بلغت درجة الاحتقار

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 151 - الإثنين 03 فبراير 2003م الموافق 01 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً