حين وصف أحد الصحافيين في إحدى الصحف المحلية الاعتصام الذي نظمته شبيبتنا الأسبوع الماضي ضد ضرب العراق أمام بيت الأمم المتحدة بأنه (حمائمي وناعم)، لم يعلم بأنهم صقور ولهم مخالب قاطعة. فهو أمعن في التجريح وتوجيه سيل من التهم الجاهزة إلى الشبيبة التي خرجت تحتفل وتتظاهر بطريقتها الخاصة المهذبة والعصرية، التي تنم عن حس مرهف وطني وقومي، تطلق الحمائم البيض، وتنشد أناشيد السلام، وتعزف موسيقى بيتهوفن العالمية. وهو اعتصام غير مألوف ولم تستوعبه عقول البعض واعتبروه خروجا عن الملة والتقاليد والأعراف المجتمعية السائدة. وهل تريدنا يا شيخ أن نطبل ونزمر كيفما تمليه ارادتك وهواك، واين الديمقراطية والتعددية اللتان تنادي بهما؟
التعبير فن وذوق، وأشكاله السلمية كثيرة ولا يستطيع أحد أن يحصرها في شكل معين، وتكفل الديمقراطيات العريقة حرية التعبير والرأي وتعتبرها من المقدسات. فلا حرج أن يتظاهر جمع من الناس في الشارع أو أمام مبنى حكومي أو جهة ما، يعبرون عن احتجاجهم وعدم رضاهم بأية طريقة يرتأونها سواء بالوقوف صمتا أو ترديد شعارات تشحن الجماهير، أو رفع اللافتات أو عزف موسيقى أو عمل مشهد تمثيلي، كله بقصد التأثير وتحريك الرأي العام، وهو ما فعلته الشبيبة والتزمت به في اعتصامها ولم تقم بعمل مخالف أو شاذ يستدعي وصمه بأقذع التوصيفات التي يتنزه عنها رجل الشارع العادي، فضلا عن المثقف الكاتب.
وهل الشباب بحاجة إلى الصراخ ورفع أصواتهم والتنديد بالهجوم على العراق في الوقت الذي يعلو فيه صوت قرع طبول الحرب، وتسمع أصوات العتاد الحربي يزحف ناحية الحدود؟ أليست الكلمة المعبرة والحركة الذكية قادرة على أن تختزل الكثير من الكلمات، وتقدم لوحة من المعاني ربما لا تستطيع أن تقدمها خطبة أو قصيدة؟ والفنون الأخرى كالأداء التمثيلي والعزف الموسيقي الهادئ ورسم لوحات فنية، قادرة على احياء جو مميز ومغاير لما هو مألوف وسائد، يستوطن القلوب، ويبهر العقول القادرة على التذوق والارتشاف من معين التجديد والابداع. ولكن يبدو أنه في المرات المقبلة على الشباب أن ينتظروا قائمة - هذه المرة ليست حكومية - تفرض القواعد العامة والطريقة التي على الشباب اتباعها حين يقومون بتنظيم تظاهرة أو اعتصام، يصدرها البعض من الذين يروق لهم استبداد الآخرين وتهميشهم واضطهادهم، وهم يدّعون المطالبة بالحرية والديمقراطية وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني ويتهمون الآخرين (مثلما حدث أخيرا مع الشباب) بأنهم غير وطنيين ومنحرفين عن عادات وتقاليد البلاد.
إن الحركة الشبابية خلال الاشهر الماضية أثبتت فعاليتها وجدواها، واقترابها من شريحة الشباب وهمومهم ومشاكلهم، وقدمت فعاليات وأنشطة متنوعة ثقافية واجتماعية وسياسية، وهي في طريقها إلى النمو والانتشار. وما قامت به جمعية الشبيبة البحرينية وملتقى الشباب واللجنة الأهلية لمناصرة الشعب العراقي بدعوة من اتحاد الشباب العربي، من تنظيم الاعتصام لوقف ضرب العراق، هو أحد وجوه تفاعل الشباب مع قضاياهم العربية، وأنهم موجودون في الساحة، وعبروا عن ذلك بطريقة حضارية لم تتسبب في اخلال النظام أو الاساءة إلى طرف ما، بل على العكس كانوا متفوقين ومبهرين، ويغيض الآخرين نجاحهم. كان الأجدر أن يدعم ويعزز الاعتصام - وبقية الأنشطة الشبابية - من المثققين والكتاب والمهتمين، ونشدد هنا على النقد المسئول البناء والمتزن، وليس الكتابة في حال هيجان، والتهجم والتصغير من شأن ما يقوم به الشباب.
هؤلاء هم شباب البحرين، ونحن مع الشبيبة
العدد 150 - الأحد 02 فبراير 2003م الموافق 30 ذي القعدة 1423هـ