العدد 150 - الأحد 02 فبراير 2003م الموافق 30 ذي القعدة 1423هـ

مَن وراء «قناة المستقلة»؟

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

مساكين هؤلاء الفقراء، هم وقود الحروب وعلى عظامهم تدار كؤوس النصر المزعوم، وذلك هو الغرب تلك هي الولايات المتحدة الأميركية تلك التي لا تميز بيننا وبين النبيذ الأسباني حال طمعها في السكر.

فمن أجل العيون الزرقاء نُذبح، وتُسلب رؤوس أموالنا، وتخصخص منشآتنا، وتهز موازنتنا العامة، ويضرب اقتصادنا على قفاه.

وبعد كل ذلك يقولون: إنهم يأتون ليحررونا ويمنحونا شيئا من دفء ديمقراطيتهم في ليٍ واضح لذراع الحقيقة التي يراد لها أن تغرق في هذا الواقع العربي المزري الجبان، ولكن على رغم كل ذلك لابد أن ينكشف المستور - ذات يوم - وتطفو الجثة فوق مياه النهر وتظهر الحقيقة أن بوش لم يرد إلا النفط وما جاء إلا من أجل تغذية تلك النبتة الشيطانية (اسرائيل) المزروعة في خاصرة العالم الاسلامي.

على ايقاع هذا الجو الجنائزي سيعاد تشكيل المنطقة، وليثق الجميع بأن الديمقراطية البلاستيكية في العالم العربي ستزداد تخشبا وستكون مفصلة وفق الشهوة الأميركية، ولن تكون هناك خصوصية ثقافية أو قيمية لهذا العالم الاسلامي أو حتى عذرية، وخصوصا بعد أن شهدنا الاسرائيليين كيف يعربدون بعد اتفاقات العرب المذلة معهم وكيف راحوا يجوبون ويسرحون ويشترون المصانع، الأراضي العربية والمجتمع العربي منشغل «بفلانة تهدي اغنيتها الى فلان» إذ الفكر التسطيحي القائم على مرتكزات ثقافة «مايطلبه المشاهدون» أو ثقافة الفكر المنحط الكهفي الاستعدائي المعشش في تلك الذقون المحشوة بغبار التاريخ، القائمة على تكسير الرموز والمرجعيات وكل قاسم مشترك بين بني البشر.

ولكنا نقول تلك هي استراتيجية الغرب لم تتغير منذ الحروب الصليبية مرورا بالحملات «البونابرتية» على مصر وغيرها وليس انتهاء بحرب الخليج الأولى والثانية والثالثة المقبلة.

فلو أنا عقدنا مقارنة بسيطة بين ازدواجية سياسة الغرب وبين «كهفية» عقل بعض المسلمين لوجدنا مفارقة مبكية. فهم الآن قاموا باستنفار كل الماكينة السياسية والدبلوماسية والعسكرية لتحشد العالم نحو الحرب، ونحن نحشد العالم نحو الاقتتال الطائفي والصراعات الكلامية الجوفاء يقودنا في ذلك مثقف هزيل يدعى «الهاشمي» عبر قناة رخيصة مخابراتية تسمى بـ «المستقلة». كان الرجل فقيرا وبقدرة قادر أنشأ قناة... كانت في طور الافلاس وكانت تبث استغاثات «تسولية» على شاشتها تطلب الصدقات وهي تستغيث المشاهدين.

وإذا بها تستقطب ملايين البشر لشيء لا يصب في مصلحتهم وإنما يزيدهم ضعفا. وهنا يبقى سؤال ملح: لماذا الآن فقط انبثقت فكرة هذه الحوارات؟ ولماذا أصبح التوقيت بعد ارتفاع مؤشر رغبة الولايات المتحدة في ضرب العراق ورغبتها في تقسيمه تقسيما طائفيا؟

لا أريد أن أطيل ولكني سأطرح معلومات فلربما تعي شعوبنا العربية والاسلامية كيف أنها بهذه الحوارات العقيمة تحرق أصابعها وتقذف بأبنائها إلى حيث نار الفتنة، فمن العار أن «نتوحل» في التاريخ ونحن نلحظ أمركة وعبرنة وطننا الاسلامي.

هل يعلم هؤلاء حجم الاعتراف الاسرائيلي بدولنا العربية وثقافتنا الاسلامية وإننا بذلك نمهد الطريق لأن تستعمرنا «اسرائيل»؟ هل يعلم المتحاورون أن هناك رحلات كبرى تنطلق من ميناء الاسكندرية تضم شبابا وشابات من مصر والكيان الصهيوني تحت مظلة ودعم المنظمة الكشفية الأوروبية؟ أليس هؤلاء شبابنا؟ ألا يحتاجون إلى من ينقذهم من هذه العلاقات العبرية الاسرائيلية؟

ما موقفهم من تلك المطبوعات المحرفة التي تم توزيعها في مصر المسماة بـ «موسوعة الطفل المصري» إذ يظهر فيها القدس الشريف عاصمة للكيان الصهيوني. أليس هذا اختراقا لعقلية الطفل العربي ومحاولة للتأثير على وعيه؟ «اسرائيل» تفكر في غسل دماغ الطفل المسلم ونحن نعمل على بث جراثيم الحرب الأهلية عبر هذه القنوات من حيث لا نشعر.

فـ«إسرائيل» تحاول التأثير على عقول الصغار والكبار وحتى المثقفين فهناك علاقات قائمة على قدم وساق بين نخب عربية (جماعة كوبنهاكن) وغيرها.

فلقد علم الجميع بزيارة مغنين عرب كالمغني المغربي عبدالسليم سفياني الذي شارك في مهرجان الرقص والموسيقى بالكيان الصهيوني سابقا، وكتّاب عرب أيضا كالكاتب المغربي الطاهر بن جلون الذي زار الكيان الصهيوني قبل سنين بسيطة، فعقدت له الندوات «الفكرية» وغيرها... هذا الاختراق الثقافي تستتبعه اختراقات سياسية واجتماعية واقتصادية.

«اسرائيل» بدأت تدخل إلى حيث العمق الموريتاني والى حيث التبادل التجاري في بعض دول الخليج وراحت تعقد تحالفات مع الهند خوفا من باكستان «النووية».

فهي لا تريد أية دولة مسلمة تقوى في المنطقة لذلك قامت بضرب المفاعل النووي في العراق بداية الثمانينات.

وقامت باغراق مصر بالأسمدة والمبيدات الفاسدة وقامت بسرقة الآثار المصرية وراحت تروج للثقافة (الأبيقورية) الجنسية الفاسدة هذا اضافة الى محاولاتها زرع جواسيس لها في كل مكان من العالم العربي.

بعد هذه المعلومات أسأل هؤلاء المتحاورين أين هم من كل هذه الاختراقات؟ هل ستبقى لهم غدا حرمة مسجد بعد أن تعربد هذه الدولة في كل مكان؟ ولهذا يجب أن نسأل أنفسنا: هل هذه الحوارات تصب في صالح أعدائنا أم لا؟ ولنسأل أنفسنا هل «اسرائيل» عندما راحت تصنع المجازر في العرب والمسلمين ميّزت بين شيعة وسنة؟ لقد ذبحت الأطفال والنساء الحمل من السنة في دير ياسين وذبحت الأطفال والنساء من الشيعة في مجزرة قانا .

أنا أهيب بالمثقفين أن يأخذوا دورهم في توعية الجمهور المسلم بما تقوم به مثل هذه القنوات الفاسدة.

أما آن لنا أن نقرع أجراس الفجيعة في ليل مدننا العربية النائمة والمسكرة بهذا الفكر المؤجج.

يجب أن نحرض الناس ضد هذا الغش الفكري وعلى العلماء أن يقولوا كلمتهم.

إن الولايات المتحدة ستقدم على جريمة أخرى بقتل الشعب العراقي ونحن غارقون في هذا النزق الطائش لهذا الفكر التسطيحي الذي نعيشه وتأتي هذه الحرب تحت يافطات مؤنسة، ولكن على رغم ذلك تفضحها تصريحات قادتها. هذا اذا كانت لنا بصيرة فهم الواقع.

يقول وزير الدفاع الأميركي «دونالد رامسفيلد» وهو أكثر الصقور الأميركية وحشية: «بكلمة طيبة وبندقية تحصل على أكثر مما تحصل عليه بكلمة طيبة وحدها».

لقد سمعنا الكلمة الطيبة مرارا ورأينا البندقية «الطيبة» مرارا، ولكن على رغم كل ذلك لم نزدد إلا رجوعا وتسطيحا.

فعلا تلك حقيقة سسيولوجية لا يمكن القفز عليها: «إن من يقرأ التاريخ خطأ فإنه يوظفه الى غير صالحه».

أيوجد خطأ أكبر من أن نتناقش في بيزنطية واضحة أيهما سبق الآخر البيضة أم الدجاجة مع يقيننا بأن الدجاجة «تأمركت» والبيضة «تأوربت». فهل بقي شيء بعد أن باضت عليهم ذهبا ورحنا نتحارب على الوهم في واقع عربي مهزوم من الهزيمة ذاتها لجسد اسلامي مطرز بآلاف الثقوب والشقوق والحفر.

ليست هذه شعوبية «أومازوخية» قائمة على جلد الذات، وإنما هو واقع عربي رديء سنبقى نعاني منه إن لم نرفع من وعيه

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 150 - الأحد 02 فبراير 2003م الموافق 30 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً