العدد 150 - الأحد 02 فبراير 2003م الموافق 30 ذي القعدة 1423هـ

ألوف الشهداء يتقلبون في قبورهم حسرة وندما على ما قدموا من تضحيات

علي فخرو في ندوة دور منظمات المجتمع المدني في حماية الحريات العامة:

المنامة - عدنان الموسوي 

تحديث: 12 مايو 2017

أوضح علي محمد فخرو أن تاريخ المجتمعات العربية المحزن يقبع في دساتير وقوانين وحقوق تنتزع بعد نضال مرير وتضحيات جسام لتتآكل وتنحرف مع مرور الوقت... وان ألوف الشهداء يتقلبون في قبورهم حسرة وندما على ما قدموا من تضحيات لتحقيق أهداف كبرى لأجيال أمتهم وذلك بسبب التراخي الذي يصيب المجتمعات العربية بعد كل انتصار لأن مجتمعاتنا لا تعض على مكتسباتها وتسمح للمستبدين والفاسدين والطماعين أن يسحبوا تلك المكتسبات من فمها قبل أن يستفيد جسدها من أية مكتسبات.

جاء ذلك خلال الندوة التي أقامتها جمعية التجمع القومي عن دور منظمات المجتمع المدني في حماية الحريات العامة والتي استعرض خلالها فخرو الكثير من العناوين والمشاهد المتعلقة بالحريات المدنية والسياسية في البحرين والوطن العربي.

وقال: بادئ ذي بدء نحتاج إلى أن نذكّر أنفسنا بأن مساحة الحرية اتسعت في البحرين منذ أن بدأ جلالة الملك عهده بإجراء الكثير من المصالحات التاريخية والإصلاحات الكبيرة. ذلك أننا في هذه الأمسية سنحاول إضافة تراكمية بدلا من البدء من الصفر، تفكيرا وممارسة وتخطيطا للمستقبل.

عندما نتحدث عن منظمات المجتمع المدني فإننا نعني كل مؤسسة أهلية معنية بالشأن العام في شتى صوره وباستقلال عن المؤسسة الرسمية. وعندما نتحدث عن الحريات العامة فإننا نعني جميع الحريات، الطبيعية والمدنية والسياسية، التي جاء ذكرها في الميثاق الوطني وفي الدستور. وعندما نتحدث عن الدور أو الأدوار فإننا ننحاز إلى الأشكال العملية والممارسات الحياتية اليومية لتلك الأدوار.

فما هي إذن أدوار منظمات المجتمع المدني في حماية الحريات العامة؟ في اعتقادي أنها تندرج تحت خمس ممارسات عريضة هي:

أولا: الممارسة الفاعلة لكل ما تحقق من الحريات العامة حتى الآن.

ثانيا: النضال من أجل عدم المساس أو الانحراف بأيٍّ من تلك.

ثالثا: النضال من أجل استكمالها وتوسعة مجالاتها.

رابعا: تكوين كتلة تاريخية من منظمات المجتمع المدني لحمايتها.

خامسا: السعي الدؤوب لجعل الديمقراطية قيمة وثقافة مجتمعية للدفاع عن تلك الحريات واستمرار وجودها.

وقال فخرو: نبدأ أولا ببند الممارسة الفاعلة لكل ما تحقق من الحريات العامة حتى الآن... إن الحريات العامة، ككل النشاطات الإنسانية، تضمر في الذهن والوجدان إن لم تمارس بانتظام، وعلى كل المستويات، وفي جميع الساحات. فحرية التعبير والكتابة يجب أن تهيأ لممارستها مجموعات في كل مؤسسات المجتمع المدني على صفحات الصحف ووسائل الإعلام الأخرى وفي النوادي وأثناء التجمعات والمناسبات، بحيث تمارس بموضوعية وعدم خوف، ومن أجل أن تكون مثلا يحتذي به جموع المواطنين. وحرية تكوين النقابات ومجالات أنشطتها القانونية المعترف بها يجب أن تفعَّل لكي تصبح نشاطات تؤدي إلى مكاسب عمّالية ومهنية حقيقية تراكمية لتقنع العمال والمهنيين للتمسك بها والاستماتة في الدفاع عنها مستقبلا. وممارسة الحقوق الديمقراطية في المنظمات المدنية نفسها، بما فيها حرية الاعتراض والاختلاف وتداول السلطة، يجب أن تترسخ لبناء أجيال متعاقبة، وفي أعمار مختلفة، من الديمقراطيين الحقيقيين. وحرية التجمعات والمظاهرات لدعم القضايا القومية والوطنية والعالمية العادلة إن لم تمارس بكفاءة عالية تنقلب شيئا فشيئا إلى نشاط هامشي لا يهم الناس كثيرا.

وتحتاج منظمات المجتمع المدني إلى أن تبني في داخلها أجهزة مدرَّبة، بقيادات جماهيرية حكيمة وشجاعة، لكي تمارس تجييش المنظمين للمنظمات وأنصارها وتجييش القوى المتعاطفة عادة مع قضايا الحق والتقدم والعدالة كالقوى الطلابية والشبابية والنسائية وذلك من أجل المشاركة في تلك التجمعات والمظاهرات. لكن المهم أن نعرف أن أكبر ضعف في الحياة العامة العربية هو عدم ممارسة الحقوق المكتسبة بإصرار وانتظام لكي تترسخ في صميم تركيبة المجتمع.

أما فيما يخص البند الثاني المتعلق بالنضال من أجل عدم المساس أو الانحراف بالحريات المكتسبة، فقال: إن تاريخ المجتمعات العربية المحزن يقبع في دساتير وقوانين وحقوق تنتزع بعد نضال مرير وتضحيات جسام لتتآكل وتنحرف مع مرور الوقت. إن ألوف شهداء هذه الفئة يتقلَّبون في قبورهم حسرة وندما على ما قدَّموا من تضحيات من أجل تحقُق أهداف كبرى لأجيال أمتهم وذلك بسبب الملل والنسيان والتراخي الذي يصيب المجتمعات العربية بعد كل انتصار وبعد تحقق المكاسب. إن مجتمعاتنا لا تعضَّ على مكتسباتها وتسمح للمستبدين والفاسدين والطمَّاعين أن يسحبوا تلك المكتسبات من فمها قبل أن يستفيد جسدها من أية مكتسبات غذائية مجتمعية.

إن هذه القضية ليست نظرية ولا إنشائية، إنها في صميم حياة العرب. والمطلوب هو أن تراقب منظمات المجتمع المدني، وعلى الأخص السياسية منها، مسار مكتسبات الحريات وأن تبني حساسية مفرطة تجاه أي مساس بها بحيث يؤدي ذلك إلى فعل مضاد لذلك المساس في الحال وإلى فضح بصوت عالٍ لأيِّ انحراف بأية مكتسبات يفرغها من محتواها ويقلبها إلى «مانشيت» مظهري وإلى جسم بلا روح. وإذا كان لابد من تذكيركم بمثل حي يجسِّد هذه الظاهرة فاسترجعوا ذاكرة ما حلَّ بكل موضوع البلديات التي انقلبت ـ شيئا فشيئا من مؤسسة تمثيلية مستقلة ـ إدارة وتمويلا، إلى مؤسسة تحاصرها الكثير من القوى الرسمية وتحدّ من صلاحياتها وتضمها تحت رحمة هذا المسئول أو ذاك.

في الأرض العربية تكثر حفلات الزواج التي لا تنتهي بدخلة ولا بأولاد.

إن المنظمات المدنية تحتاج إلى أن تكون لديها قوى متابعة لكل الإنجازات الكبيرة التي جعلها قادرة على دقِّ ناقوس الخطر في وقت مبكِّر ورفع عقيرة الاحتجاج لدى قوى الدولة التي تستمع وتسمع، والتعاون مع كل القوى المتضررة لعمل شيء مضادٍّ لأيِّ مساس بالمكتسبات. ولعلّ منظمات المجتمع المدني تعدِّل من برامج ندواتها للتقليل من المناقشات النظرية والإكثار من مناقشة كل انحراف يخدش المكتسبات الحقوقية.

إن مثل هذه الموضوعات يجب أن تناقش في العلن وبصورة منتظمة ولعدة مرات إذا لزم الأمر لتحسيس سارقي حقوق العباد بأن هناك عيونا مجتمعية ساهرة تراقب وتنفعل وتفعل.

وعن البند الثالث الذي يدور حول النضال من أجل استكمال وتوسعة مجالات الحريات العامة، استدرك فخرو قائلا: إن حرية التعبير، بجميع أشكالها، لاتزال منقوصة. ويشتكي الصحافيون والإعلاميون الناقدون الأحرار بمرارة من كثرة الخطوط الحمر وكثرة المضايقات. إن أمكنة التجمعات المسموح باستعمالها لاتزال تقاس بالمسطرة وتجعل أصحابها يقدِّمون الاعتذارات غير المنطقية الواحد تلو الآخر. ولنا في ما جرى بالنسبة إلى جمعية الوفاق حديثا مثلا على ذلك. إن الحريات السياسية تراوح بين المسموح والممنوع، وهي مازالت غامضة ومعرَّضة للمساس ببعض جوانبها وممارساتها، وهي ليست موضوعا هامشيا. إنها في الواقع ميدان إثبات حسن النيات والتعامل مع الديمقراطية بروح العصر وبروح الدستور والميثاق الوطني والتهيؤ الحقيقي إلى الانتقال السلمي المتحضر وعالم توازن قوى المجتمع مع الدولة وتبني مفاهيم المواطنة وتوزيع ثروة المجتمع بعدل وممارسة الشفافية واجتثاث فساد الذمم.

إن النضال من أجل كل ذلك يحتاج إلى اتفاق بين المنظمات على الأولويات، وعلى ممارسة المراحل المعقولة والصادقة، وعلى العمل اليومي، وعلى تبادل الأدوار، وعلى بناء نظام نضالي مشترك يؤدي إلى تراكم الانتصارات الصغيرة لتكوّن في النهاية نهرا متدفقا. وسنرى إن كان ميثاق الشرف الذي تعتزم سبع جمعيات عاملة في ميدان السياسة توقيعه يصلح أن يكون منطلقا لروح مجتمعية واحدة تتحرك بموجبها كل منظمات المجتمع المدني في المستقبل أيا كان مجال نشاطها.

وتحدث فخرو عن البند الرابع الذي يخص تكوين كتلة تاريخية من منظمات المجتمع الأهلية لحماية الحريات العامة، قائلا: إن ميثاق الشرف الذي أشرنا إليه سابقا يجب أن تكون من أهدافه، حتى ولو ضمن مراحل، قيام مثل هذه الكتلة. إن البحرين يجب ألا تسمح لنفسها أن ترجع إلى الوراء قط. ومن أجل ذلك، ولأن هناك قوى داخلية وخارجية تتربص بها، تحتاج إلى تكاتف مجتمعي متين متحالف مع القوى الخيَّرة المستنيرة في الدولة لترسيخ تفاهم تاريخي يحمي ما تحقق حتى الآن وفي الوقت نفسه يبدأ مناقشات متأنية وواسعة بشأن التوسع والتعميق والتعديل اللازمين لكل حرية إصلاحية كبرى في أي مجتمع. هناك أساليب كثيرة لإتمام هذه العملية وهناك حلفاء كثيرون على مستوى الوطن العربي وعلى مستوى المجتمع المدني العالمي مستعدون للدعم والمباركة.

لكن المهم أن نعرف أن بناء مثل هذه الكتلة فيه فائدة للجميع، وفيه أمان للجميع، وفيه دعم وتنشيط وإغناء لحركة إصلاحية كبيرة بدأت في البحرين منذ مجيء جلالة الملك ومازالت في بدايات سيرورة تكوُّنها وتشكُّلها، وفيه حتما ضمان لعدم انتكاسة تلك الحركة.

وختم فخرو حديثه بالبند الخامس والأخير المتعلق بالسعي الدؤوب لجعل الديمقراطية قيمة وثقافة مجتمعية، قائلا: إن تاريخ المجتمعات العربية هو تاريخ استبداد وانتهاك لحقوق العباد. عبر تلك المسيرة الطويلة تكونت قيم وثقافة في المجتمع العربي مبنيّة على الجبرية والرضى بما يأتي به الزمن، والحكم غير الشرعي وغير الممثل لإرادة الأمة الحرة، وترك مسئوليات تسيير المجتمع في يد فئة قليلة فاسدة، والتسامح مع انتهاك حريات الإنسان الطبيعية والمدنية والسياسية، وقلة الإنتاجية، والرضى بالمجتمع الرعوي المهين، إلخ... من مسلَّمات ستحتاج إلى جهود جبّارة دائمة لتعديلها أو محوها من ذاكرة الأجيال المتعاقبة وبناء ما هو أفضل وأجمل وأعدل.

ولتحقيق كل ذلك تحتاج كل منظمات المجتمع الأهلي إلى أن تحمل جزءا من هذه المسئولية التثقيفية ضمن كوادرها وفي داخل المجتمع وفي بعض جيوب الدولة. ذلك أنه ليس صحيحا أن الناس يفهمون كل معاني الديمقراطية والحقوق المترتبة عليها ومسئولياتها. وحتى المجتمعات التي تمارس الديمقراطية تشعر بقلة هذا الفهم بين مواطنيها. ولذلك فإن جهودا ضخمة، بكل ما تعنيه هذه الكلمة، مطلوبة من المجتمع الأهلي، كل المجتمع الأهلي، وخصوصا في حال تواضع الجهود التي تبذلها الدولة.

فإذا أضيف إلى ذلك سوء الفهم الذي يكتنف الأفكار التي تبنى عليها الديمقراطية من قبل الكثير من التيارات الفكرية والسياسية والدينية أدركنا أهمية الحفر الدائم في هذه الصخرة المستعصية على جهود القرون والأزمان والأجيال العربية والإسلامية. إن التثقيف الديمقراطي يحتاج إلى أن يكون هما يوميا لكل المنظمات.

وبعد، فلم يكن الهدف وضع قائمة تفصيلية طويلة بما يجب أن نفعل، ولا رسم وسائل جامدة لتحقيق تلك الأهداف. لقد كان همَّي أن أقول إن ما ينتظر منظمات المجتمع المدني لحماية الحريات العامة كثير كثير. لكن شعب البحرين لم ولن يخذل من يؤمنون بإمكاناته الهائلة ويضعون يدهم في يده القوية الحانية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً