العدد 149 - السبت 01 فبراير 2003م الموافق 29 ذي القعدة 1423هـ

هل حان الوقت لكي يمتص العرب الضغوط الخارجية؟

نجاح كاظم comments [at] alwasatnews.com

قد تكون الانتخابات المغربية في سبتمبر/ ايلول الماضي والانتخابات البحرينية في اكتوبر/ تشرين الاول الفائت، وبشكل اقل، مؤتمر المعارضة الاخير في لندن في ديسمبر/ كانون الاول، بدايات عصر جديد أو عهد متقدم في المنطقة العربية. وقد تكون كل هذه الأوصاف مبالغا فيها أو سابقة لأوانها لتخلف العرب في فهم قواعد وأصول العملية السياسية.

فعلى رغم بعض السلبيات المصاحبة لعمليات الانتخابات في المغرب شارك مواطنون كثيرون في انتخابات البرلمان الجديد والتصويت بقدر عال من الشفافية في تاريخ البلد. وكذلك هي الحال في البحرين إذ ادلى المواطنون بقدر من الحرية والحركة بأصواتهم في انتخاب برلمان لأول مرة منذ ثلاثين عاما.

اما مؤتمر المعارضة العراقية في لندن فقد كان هناك عزل لأطراف واحيانا احتكار لعملية اخذ القرار، لكن مجرد خروج المؤتمرين بخطاب سياسي موحد آخذا في الاعتبار كثرة الاطياف والالوان السياسية المشاركة فيه يعد انجازا بحد ذاته. وعكس اجتماع المعارضة واقعا حقيقيا من خلال تجسيده لكيان سياسي يسعى إلى التغيير وفق اهداف وطموحات مشروعة وافشال لاعلام صدام ومعظم القنوات العربية في اظهار المعارضة فتاتا أو شتاتا في المنفى لا حول ولا قوة لها.

كيفية تقييم نتائج هذه التطورات الاولية في المنطقة العربية على المدى المنظور تعتمد بشكل اساسي على مدى نضوخ العقلنة السياسية عند العرب.

والعقلنة قائمة اولا على قدرة السياسيين العرب على فهم المرحلة الحالية بدقة سياسية مرهفة وعدم قياس امور الحاضر بخطابات أو تصورات الماضي.

ووئام العامل الداخلي للمجتمعات العربية الذي عكسته الانتخابات المغربية والبحرينية، وكيفية تعامله مع الخارج (كاجتماع المعارضة العراقية) سيعكس صورا جديدة أو مرونة سياسية عند التعامل مع قضايا أو ملفات المنطقة. فتغيير الجيوبولتيك (الجيوسياسية) نتيجة ضغوط القوى الكبرى في مناطق العالم الواسعة ليس بجديد وإنما يتم في كل زمان ومكان. وتغير اولويات الجيوسياسية لواشنطن في العراق والمناطق العربية والاسلامية (بسبب النفط والارهاب والدكتاتورية المولدة للتطرف...الخ) تجعلنا تجاه وضع جديد.

فإذا كان فهم عقد مؤتمر المعارضة العراقية (بمساعدة واشنطن) لاستثمار الفسح المشتركة أو تقاطع المصالح بين واشنطن والعراقيين المعارضين أو تشجيع الغرب لانتخابات المغرب والبحرين لا تعني اطلاقا تبعية الآخرين لاميركا واوروبا، فيجب على العرب كذلك فهم دورهم بدقة ودور اميركا في بغداد المستقبل والمنطقة حتى يسهل حل القضايا المتعلقة بالعراق والمنطقة العربية.

ويتطلب هنا التفكير بوتيرة جديدة وبعيدا عن الثقافة السياسية العربية المتميزة بالثنائية المتناحرة أو تنافر طرفي نقيض، والتي ترى الامور اما على شكل استعداء كامل لاميركا والغرب أو الخضوع والتبعية والتقليد لهم.

والدعوة هنا تحديدا إلى صوغ مفردات جديدة وحتى مصطلحات سياسية متطورة كالمرونة السياسية على سبيل المثال لا الحصر، لاستثمار الفسح الواسعة. فالتداخل والتشابك في العلاقات الثنائية ومن دون اللف والدوران أو احيانا المراوحة في المكان او حتى النفاق والتناقض الموجود عند النظام العراقي ومعظم الانظمة العربية في علاقاتها مع واشنطن، اي الخروج من شرنقة التأرجح العربية الواقعة بين نقيضي نصاعة واقعنا وقتامة الغرب الاستعماري. وهذا ما يسهّل علي رؤية الواقع السياسي كما هو وليس كما يجب ان يكون والتفاعل مع هذا الواقع بعيدا عن الفخر والاعتزاز والاحلام (عواطف) بل الوجود عليه او الحضور فيه.

والامر الثاني وربما الاهم هو محاولة الاحزاب والتجمعات السياسية العربية في بداية تحويل تنظيماتها من الآن إلى مؤسسات (ولو متواضعة) تدار من قبل فرق عمل وكوادر متخصصة وتكنوقراط وألا تكون اعمالها وقراراتها قائمة على افراد قلائل أو أمزجة شخصية وما شابه. وهذا سيمكن من خلق مكائن قرار، وإن كانت بسيطة، في صنع سياسات تعتمد على دراسات عوامل وأمور متغيرة ومختلفة.

قراءة الامور السياسية من مختلف زواياها ودراسة آثار العوامل الفاعلة يعني فهم مفردات الواقعين المحلي والعالمي ليساعد على تنظيم الخطاب السياسي وبلورة مفردات جديدة وتطوير رؤى مغايرة يمكنها من تلفظ مصالحها بوضوح ثم فهم ما تريد وإعلان ما تريد من دون خجل أو تردد.

هذان الامران سيساهمان (بدورهما) في تعميق العقلنة السياسية ويساعدان ليس ابناء المنطقة فحسب، بل حتى واشنطن والغرب في صوغ سياساتهم تجاه المنطقة العربية بكثير من التفهم والتعقل.

وقد تساهم العقلنة السياسية في الخروج من بعض الأطر الثقافية التي نعيشها، او ردةّ الذات بين ظهرانيها. ما يفترض السعي إليه هو امتصاص الضغط من خلال الشفافية والمواطنة الصالحة والاعتدال او الوسطية بتعبير القرآن الكريم والعلم والتكنولوجيا وغير ذلك.

وهكذا تغيرات ستفرز واقعا جديدا ونهجا معقولا وتطورات جوهرية، والتغيرات لا تكون في الاسماء أو الاشخاص أو الاشكال فقط. اذا نجحنا في الوصول أو الشروع في مثل هذه الامور تكون المنطقة العربية دخلت عصرا جديدا أو طورا آخر

العدد 149 - السبت 01 فبراير 2003م الموافق 29 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً