العدد 149 - السبت 01 فبراير 2003م الموافق 29 ذي القعدة 1423هـ

أهمية استقلالية نظام التعليم الجامعي البحريني

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

التعليم الجامعي مصدر أساسي لتنمية الابداع الفكري والتطور العلمي للحضارة الانسانية، وتقاس نهضة الأمم بمعيار شمولي وتطور نظام التعليم الجامعي لديها. الواقع ان التعلّيم الجامعي ليس مضخة للتزود بالمعلومات وحشرها في الادمغة، او لتحصيل الشهادة او الحصول على وظيفة مناسبة فقط، بل ان التعليم الجامعي اسلوب معيشة راق وحضاري، يعلم الطالب كيفية الاندماج في المجتمع الطلابي المختلط، والاعتماد على النفس، وحرية التفكير والابداع، وتكوين الشخصية الذاتية. كما ان تكوين المجتمع الطلابي الصغير المعتمد علي العمل التطوعي والجهد المشترك، يرفع من مستوى وعي الطالب ونشاطه الذهني بالمشاركة في العمل المنتج في الجامعة. الا انه وللاسف الشديد فإن نظام التعليم الجامعي في البحرين «مسيّس»، ويعمل برقابة حكومية صارمة، وفاقد لاستقلاليته وهذا يسبب تراجعا في دور الجامعة الحضاري وصخرة توقف عجلة التقدم الاقتصادي والثقافي والاجتماعي في البحرين. العائلات البحرينية تشعر بالقلق على مستقبل ابنائها العملي بعد ان لاحظت تراجع التعليم الجامعي.

لذلك فانها تعمل ليل نهار لادخار المال الكافي لابتعاث ابنائها وبناتها للدراسة في جامعات البلدان الحضارية، لضمان حصولهم على تعليم راق يوفر عملا برواتب مناسبة ولتمكينهم من التخطيط للمستقبل.

تطور التعليم الجامعي

دور الجامعات يكمن في انجازاتها العلمية والحضارية. تطورت الجامعات من مدارس إلى صرح حضاري عريق، واول من انشأها العرب على يد جوهر الصقلي الذي اسس جامعة الازهر في مصر (359هـ/ 970م)، بعدها جامعة القرويين في المغرب، والقيروان في تونس. وامتدت الجامعات العربية غربا لتشمل الاندلس. اسس العرب في الاندلس: جامعات في قرطبة واشبيلية وملقه وغرناطة، وقد نوقشت على ابواب جامعة غرناطة العبارة الآتية: «يقوم استقرار العالم ونظامه على اربعة اسس: علم الحكماء وعدل الملوك وصلاة العابدين وبأس الشجعان». ووفد إلى هذه الجامعات طلاب اوروبا وقساوستها وامراؤها للدراسة. اما في اوروبا فلم تظهر الجامعات الحديثة الا في القرن الثاني عشر الميلادي، مقتبسة من نظام الجامعات في العالم الاسلامي وكان ذلك في شكل جمعيات او نقابات تجمع العلماء ولكنها لم تكن في مكان محدد. جامعة باريس اصبحت اهم جامعة اوروبية في القرن الثالث عشر الميلادي. وتطورت الابرشيات والمدارس ونقابات المعلمين، وتحولت إلى جامعات تنظمها جمعية المعلمين، وكانت تفرض رسوما على الطلاب قبل ان ترعى الدولة الجامعات وتنظمها، وبذلك اصبحت الدراسة فيها مجانية. اذ كانت الجامعات في اوروبا منذ بدايتها مستقلة تماما عن الدولة. وكانت منارة للعلم والعلماء.

حقيقة الامر ان التعليم الجامعي منذ العقد الاول من القرن السابع عشر الميلادي، فتح ابواب العلماء للابداع العلمي وفتح مجال التجربة والتفكير والتجريب العلمي لاكتشاف القوانين التي تعمل الطبيعة وفقا لها. بعض العلماء والفلاسفة امثال: ديكارت وتوماس هويز وجون لوك دعوا إلى اهمية تطوير العلوم الاجتماعية في الجامعات لتفسير المجتمعات الانسانية، وتطوير العلوم السلوكية التي عرفت فيما بعد بعلم النفس لتفسير سلوك الافراد.

الجامعات طورت المجتمع واثبتت اهمية التدريب في الانشطة الاجتماعية الاخرى، مثل استخدام الآلات الحديثة في حرث الارض وفلاحتها بدلامن الطرق التقليدية السائدة في الماضي، وكان من اهم انجاز الجامعات.

الثورة الصناعية احتاجت إلى افراد مؤهلين تأهيلا عاليا في مجال الهندسة والعلوم، لذلك فرضت على الجامعات مناهج جديدة لخدمة متطلبات الثورة الصناعية.

معضلات التعليم

الجامعي البحريني

معضلة التعليم الجامعي البحريني هي حرية ممارسة الاساتذة الجامعيين لوظيفتهم وهي التدريس من دون تدخل سلطات الدولة. تدخل الدولة نتج عنه تراكمات من مشكلات التعليم الجامعي. كما ان عدم الاهتمام بإصلاح الخلل التعليمي في الماضي ولد مشكلات جديدة في الحاضر، من هنا يجب ايجاد الحلول الناجعة للتغلب على معضلات التعليم الجامعي واصلاحه. المملكة عبّرت عن اهتمامها البالغ في اصلاح نظام التعليم الجامعي والارتقاء بمستواه الحضاري، بتضمين ميثاق العمل الوطني، نصوصا الزامية لتشجيع العلم والمعرفة والآداب والفنون والتعليم. ميثاق العمل الوطني الذي صوت عليه الشعب بنسبة 98 في المئة ولم يختلف عليه اثنان، شجع رعاية الدولة للتعليم كما ورد في المادة (8) عن التعليم والثقافة والعلوم، وتنص على انه «ترعى الدولة العلوم والاداب والفنون، وتشجع البحث العلمي، كما تتكفل بالخدمات التعليمية والثقافية للمواطنين. ويكون التعليم الزاميا ومجانيا في المراحل الاولى التي يحددها ويبينها القانون الذي يضع ايضا خطة للقضاء على الأمية. وتعد الجامعات بمثابة منارات للإشعاع الفكري والتقدم العلمي، ما يقتضي توفير الحرية الاكاديمية لها، وضمان ممارسة هذه الحرية وانفتاحها على آفاق المعرفة، وتعمل الدولة على تشجيع التعليم الخاص وتأسيس الجامعات والمعاهد الخاصة. مع دعم مؤسسات البحث العلمي والتكنولوجي وربط نظام التعليم بسوق العمل لتلبية حاجات البلاد من القوى البشرية المؤهلة في الحاضر والمستقبل».

الواقع ان هذا العالم المتغير بفضل المتغيرات الحضارية والفكرية وعوامل العولمة الثقافية، والتي لابد ان تمتد لتشملنا برياح التغيير الدولية، لذلك لا نستطيع اغلاق جميع النوافذ حتى لا تصلنا رياح التغيير. الاعتراف بالعلماء والمفكرين بوصفهم معلمين ومربين للاجيال حقيقة لا يمكن تجاهلها. فقد كانت مهمة المعرفة يتكفل بها المفكر او الفيلسوف او الحكيم، وتكفل ارسطو وافلاطون وغيرهما من الفلاسفة في العهد الاغريقي القديم، بتعليم الناس الاخلاق والمثل والتقاليد والعلم، وكانوا بمثابة المعلمين الاوائل عند الاغريق لغياب الانبياء والمرسلين. وعندما اصطفى المولى سبحانه وتعالى ابناء ابراهيم لحمل رسالته الالهية، ارسى أبناء ابراهيم اللبنة الاولى للعلم والمعرفة والتربية والتعليم وعلم الاخلاق. وفوق هذا امتد المد الحضاري الانساني ليشمل الشرق الذي صدر لنا الحكمة الشرقية، فظهرت طبقة البراهما الهندوسية لتعلم الناس وتهذبهم وتثقفهم بأمور دينهم وديناهم، معتمدين على الاخلاق نقطة انطلاق قوية لنشر الوعي الديني الهندوسي. الا ان مجيء بوذا بصفته المعلم الاول في الشرق اضاف اهمية كبرى إلى دور المعلم في تلقين البشر العلم والمعرفة، فقد وضع اصول التعليم والتربية ودورهما في تقويم النفس البشرية، منطلقا من مفهومه الذاتي لتحمل الانسان العذاب والالم حتى يشعر بمعاناة غيره من البشر. كذلك الحال بالنسبة إلى ملقن الاخلاق الحكيم الصيني الكبير كونفوشيوس. رسولنا الكريم محمد عليه افضل الصلاة والسلام لم يكن متعلما بل كان اميا، ولكن الله علمه وثقفه حتى اصبح من اعلم البشر، واستطاع بسعة علمه نشر رسالة الاسلام السماوية، لتعليم الناس وتثقيفهم بأمور دينهم ودنياهم.

من هنا لابد من التركيز على دور الجامعات الريادي في تخريج طلبة بحرينيين مسئولين عن التنمية، ومنتجين ولهم انجازات ملموسة في مجتمعهم الكبير. ولإصلاح نظام التعليم الجامعي لابد من التعرف على المعضلات التي تواجهه لإصلاح الجامعات البحرينية.

1- تحديث المناهج: تحديث المناهج اهم مطلب لإصلاح التدريس في الجامعات، المناهج الحالية مستوردة وليس لها صلة بمجتمعنا البحريني وتراثنا وواقعنا وواقعنا الاقتصادي، او التركيبة السكانية لأهل البحرين، كما انها لا تتوافق والتطورات الحديثة المجددة لمناهج التعليم الدولية الحديثة.

2- عدم كفاءة طاقم التدريس: تسييس تعيين طاقم التدريس والادارة وفقا لمواقف الاساتذة السياسية او الانتماء المذهبي او الفكري، شكل معضلة عدم كفاءة الطاقم المستورد من الخارج، وخصوصا بعد الاستغناء عن خدمات اعداد هائلة من الاساتذة وخصوصا البحرينيين.

3- قلة الموارد المادية: اكبر استثمار حقيقي تعمل الدولة على توظيفه هو تعليم وتخريج ابنائها، لادارة المشروعات التنموية بسوق العمل، وضعف موازنة الجامعة يفقد الرغبة في التدريس والقيام بالانشطة الجامعية الاخرى، من ناحية اخرى فإن ارتفاع رسوم الدراسة، يضعف التعليم الجامعي لتردي الاوضاع المعيشية لأهالي الطلبة البحرينيين.

4- الانظمة الادارية: قسوة الانظمة الادارية تخلق نظاما جامعيا اتوقراطيا يدار بمركزية مفرطة، لهذا فإن التدخل في اختيار الطلبة اتحاد طلبة الجامعة، يعوق استقلالية الجامعات، ويعوق استخدام وسائل الإعلام كإصدار صحيفة او مجلة جامعية، تعكس هموم وقضايا الطلبة. كما ان تخلف الانظمة الادارية وخلوها من الشفافية، سبب رئيس لتفشي الفساد الاداري والمحسوبية في التوظيف، وانعدام وجود اجهزة الرقابة الادارية على الموظف لتقييم مستوى ادائه وانتاجه.

5- سياسة التوظيف: يجب ان تكون وفقا لخطة مدروسة بمنهجية واقعية واضحة ومحددة تخدم الواقع المحلي، بحيث لا يعين الاستاذ الجامعي المناسب الا في المكان المناسب، والامر ينطبق على مسألة الترقيات او تعيين العمداء او نواب الرئيس، التعيينات يجب ان تخضع لنظام التقييم لاختيار اصحاب الكفاءة والشخصية المقبولة من الجميع، لأن الجامعة نسيج متكامل مكون من الرئيس ونواب الرئيس والعمداء ورؤساء الاقسام والطلبة والاداريين. لهذا فإن سياسة توظيف الاساتذة يجب ان تخدم ذلك النسيج. ربما لا نستغني عن الاساتذة الاجانب ذوي الكفاءات العالية، الا ان توظيفهم عشوائيا خطأ كبير لا تنتج عنه سوى نتائج عكسية، ستؤدي حتما إلى تفاقم وضع التعليم الجامعي.

اذا ما هو الحل؟ الحل يكمن في تشكيل مجلس ادارة للجامعة من ذوي الاختصاص، ويمكن اشراك خبراء الجمعيات والنقابات المهنية البحرينية التي لها علاقة بتدريس موادها في الجامعة، لوضع خطة متكاملة للنهوض بالتعليم الجامعي وتهيئة البيئة الصالحة لاستقلاليته، تأخذ في اعتبارها المقومات الآتية:

1- إجراء استفتاء لمساعدة الطلبة على اختيار المناهج والتدريس والانشطة الطلابية والجامعية.

2- إجراء دراسات ميدانية للاطلاع على مشكلات الطلبة والاساتذة.

3- تشكيل لجنة لوضع مناهج تعليمية حديثة قابلة للتجديد بين فترة واخرى لتحديث اساليب وطرق التدريس في الجامعة.

4- وضع حد للاستغلال التجاري في التعليم الجامعي الخاص ومراقبته

العدد 149 - السبت 01 فبراير 2003م الموافق 29 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً