في مؤتمره الصحافي المشترك مع رئيس الحكومة البريطاني طوني بلير قال الرئيس الاميركي جورج بوش: إن نزع اسلحة العراق مسألة اسابيع، وان الولايات المتحدة ترحب بقرار جديد يصدر عن مجلس الامن إلا انها ليست بحاجة إليه إذا اقتضى الامر. فالموضوع اذن إما الاسلحة وإما الحرب. العراق يقول انه اعطى ما لديه من معلومات وان تلك الاسلحة التي تحدث عنها بوش في خطابه عن «حال الاتحاد» أمام الكونغرس ليست موجودة وهي مجرد معلومات قديمة استند فيها الى تقارير سابقة.
إدارة البيت الابيض تصر على وجود أسلحة، وبغداد تؤكد انها لا تملك اسلحة خطيرة، وتقارير فرق التفتيش تشير إلى عدم توصلها إلى مستندات دامغة تدين العراق، ودول مجلس الامن تطالب بتمديد فترة البحث والتفتيش وتغليب خيار السلم على قرار الحرب، وبوش فقد صبره (وعقله) يريد الذهاب إلى معركة يعرف انه لا يملك المبررات الكافية لخوضها ولكنه يدرك انه الطرف المنتصر فيها.
إنه التسلط بعينه. دولة واحدة تخالف العالم وتفرض رأيها بالقوة على غيرها بطرق شتى متبعة اساليب الترهيب السياسية أو الاغراءات الاقتصادية. اميركا تستقوي بالموقف البريطاني للضغط على اوروبا، وبريطانيا تتسلح بالقوة الاميركية لمنع الاتحاد الاوروبي من الاستقلال برأيه عن نزعة الهيمنة التي يقودها اشرار الحزب الجمهوري الحاكم.
انه منطق القوي والضعيف. القوي يقول انه يملك ادلة هائلة الحجم يبلغ ارتفاعها «جبل افريست» والضعيف يقول انه لا يملك تلك القوة ولو ملكها حقيقة لاختلف الوضع وباتت واشنطن في موقف الضعيف. وفرق التفتيش تقول انها بحثت عن ذاك «الجبل» ولم تجد سوى بعض التلال من قش. فإذا كانت واشنطن واثقة بأن العراق يملك اسلحة يبلغ علوها ارتفاع «جبل افريست» فلماذا لا تبلغ فرق التفتيش عن مكانها؟ أو على الاقل لماذا لا تعطي فرصة للفرق الدولية للبحث عن ذاك «الجبل» ولماذا العجلة مادامت الادلة موجودة و«افريست» مهما حاول صدام حسين اخفاء معالمه سيظهر على حقيقته بالعين المجردة أو بعدسات الاقمار الاصطناعية؟
الحقيقة ان واشنطن تكذب وبلير ينافق بوش... فلو كان العراق فعلا يملك تلك القوة الهائلة لما تجرأت الادارة الاميركية على التعامل معه بهذه الطريقة من الخفة والاحتقار. وبوش يريد الحرب لأنه فعلا تأكد من خلال جولات ومداهمات فرق التفتيش ان العراق لا يملك تلك الاسلحة المخيفة. فلو كان صدام يملك ما يخيف لخافت واشنطن وترددت في خوض حربها التي تصبح اشبه بالمغامرة العسكرية.
الموضوع اذن ليس اسلحة دمار شامل، انه المصالح التي تضغط على واشنطن وتدفعها نحو الاسراع في تنفيذ قرار الحرب الذي اتخذته في الاسبوع الاول بعد ضربة 11 سبتمبر/ ايلول 2001. بوش يريد الحرب مهما كلف الامر ومهما كانت الذريعة ويفضل ان تحصل بعد تجريد صدام من اسلحته. فهو يريد ان ينتصر من دون كلفة ومن دون ان يدفع الثمن، أو يتكبد الخسائر. ووظيفة فرق التفتيش، من وجهة نظر اميركا، هي تأكيد عدم وجود «جبل افريست» حتى تعلن الحرب في اسرع وقت.
«جيل افريست» يمنع قيام الحرب ويضغط نفسيا على الاقل على ادارة بوش لإعادة قراءة الموقف ودراسة حسابات الارباح والخسائر مجددا. وعدم وجود ذاك الجبل يفتح باب الحرب ويسهل الطريق امام تقدم القوات من دون عقبات وعراقيل.
الصدق له منطقه وكذلك الكذب. فمنطق الكذب هو قول الكلام من دون ادلة وترك اللعبة لإدارة القوي ضد الضعيف. وكذبة بوش وربعه هي بارتفاع جبل افريست (8888 مترا). فالجبل هائل الحجم ومع ذلك لا تراه الاقمار الاصطناعية ولا فرق التفتيش ولا القوى الدولية الكبرى... فقط بوش يراه وشاهد الزور بلير.
يقال عن بوش انه رئيس غبي ويضاهي الرئيس السابق رونالد ريغان في خفة عقله وقلة معلوماته الجغرافية والسياسية. وربما كلامه عن «جبل افريست» يعود إلى عدم معرفته بخصائص ذاك الجبل. فافريست الحقيقي موجود أما الكذب الاميركي فهو فعلا ارتفع حجمه وبلغ مستوى ذاك الجبل.
في مؤتمره الصحافي أشار بوش إلى «مسألة اسابيع»، وانه ليس بحاجة إلى قرار جديد يصدر عن مجلس الامن، وانه يملك معلومات يبلغ ارتفاعها قمة جبل افريست، وانه لن ينتظر تقارير دامغة من فرق التفتيش... انه يريد الحرب حتى لو تطلبت المزيد من الكذب الذي فاق ارتفاعه قمة «افريست»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 149 - السبت 01 فبراير 2003م الموافق 29 ذي القعدة 1423هـ