مبادرات الشيخ راشد المريخي التي فاجأ بها البحرينيين أصبحت حديث الساعة. ففي الوقت الذي كانت تتصاعد فيه وتيرة التأزيم الطائفي وتتغذى من التداعيات الإقليمية المحيطة بالبلد، وفيما كانت الأصوات النشاز تُلعلع وتجأر بالتجريح المذهبي من دون رادع، ظلت الساحة شبه خاوية تحتاج إلى من يأخذ بزمام المبادرة لترطيب الأجواء بعيدا عن التصريحات الإعلامية الموحِّدة التي لم تُغن ولم تُسمن من جوع.
بصراحة، لا يتفاءل الكثيرون بهذا النموذج من الندوات التقريبية، ولا يكترثون لها، لعُقدة ترسخت في أذهانهم بأن لا جدوى ما لم تكن مثل هذه الخطوات مدعومة بإرادة رسمية تزيل العوائق الطائفية البارزة في الكثير من الوزارات والمواقع المحسوبة على الحكومة، ومسنودة أيضا بدعم علمائي من الطائفتين قادر على إزالة الرواسب الطائفية وبعض المظاهر الحساسة التي تثير طرفا ضد طرف.
ويمضي آخرون إلى أبعد من ذلك، فهم يراهنون على أن المجال لن يترك هكذا للشيخ المريخي ومبادراته التقريبية؛ فهناك أصوات رسمية وأخرى دينية مشهود لها بانتفاخها المذهبي المُمعِن في الطائفية لن تقف مكتوفة الأيدي، بل ستبذل ما أمكنها لإفشال مبادرات المريخي، وإن لم تستطع فستعمد إلى إسكاته كما أسكتته من قبل. وهو ما حصل بصورة غير مباشرة مع الشيخ صلاح الجودر أخيرا. ولكن كل ذلك لا يعني ترك الحبل على الغارب، بل لابد من التشبث بكل خطوة تقود هذا البلد الطيب وأهله إلى بر الأمان من الفتن العاصفة التي لا ترحم.
من يصوغ بيانات الفتنة؟
الذي يجعل مبادرات المريخي تلقى صدى واسعا هو تعطش البحرينيين المخلصين لهكذا مساعٍ تطفئ سخونة الأجواء التي لم يُبّردها النائب السعيدي ببياناته (النارية) يوميا، وآخرها مجاهرته بالدعوة إلى تشكيل «تجمع سني كبير»، وكذلك تعديه مجددا على الشيخ عيسى قاسم بقوله «توقعنا سكينة قلبه واطمئنانه بعد تبركه بالقبور والمشاهد»، وهو استهزاء واستفزاز عقائدي، فضلا عن أن تصريحا مشابها أخرج جماهير حاشدة إلى الشارع قبل أشهر احتجاجا، فيما تدارك الأمر عاهل البلاد بتدخله المباشر ودعوته إلى عدم التراشق واحترام العلماء والتأكيد على دورهم، وهو ما لم يلق صداه عند السعيدي.
مازال هناك من يشكك في مصدر بيانات النائب التي لا تتوقف طوال الأسبوع، وتحتوي على موضوعات تأزيمية، بينما تلتزم السلطة الصمت حيالها، على رغم أن هذه البيانات تجد لها من يتفق مع منهجيتها ويفتح صدره واسعا لاحتضانها ونشرها، وهو محسوب على رعاية رسمية أيضا. لذلك تساور الناس شكوك بأن مثل هذه البيانات إنما هي مدعومة (وربما مكتوبة أيضا) من جهات ترى مصلحتها في استمرار هذا النمط من الخطابات الاستعدائية، لتجيير الأوضاع نحو المواجهة وتفتيت كل مبادرات الوحدة الوطنية التي تدعو لها القيادة وعقلاء البلد جهارا.
نحتاج إلى جبهة «سنية شيعية»
في قبال تجمع «السعيدي»، دعا الشيخ حميد المبارك في خطبة الجمعة قبل أسبوع إلى تشكيل جبهة وطنية تعزز الأهداف الدستورية لمملكة البحرين، وهو ما دعا إليه أيضا النائب محمد المزعل. ورأى المبارك في هذه الدعوة «تجاوزا للتعويمات إلى ما هو أكثر ملامسة للواقع، وحيث ان الأهداف الدستورية ترتبط بالنظم السياسي والاجتماعي(...) فإننا مدعوون جميعا إلى الالتفاف حول الأهداف الوطنية والدستورية والتي هي كفيلة بأن تنظمنا جميعا في مدارها».
أجمل ما في مبادرة المبارك والمزعل أنها دعت إلى أن تكون الجبهة «شاملة لجميع الأطياف الدينية بكل فئاتها والليبرالية»، لأن التعددية بحسب المبارك أصبحت جزءا لا يتجزأ من وعي المجتمع بالنظام. «والمساواة بين أتباع الأديان والمذاهب أدوات لابد منها ولا مناص عنها لتحقيق النظام».
شتان بين الدعوتين. فواحدة ستفكك لحمة المجتمع إلى تجمعات مذهبية، والأخرى تطمح إلى «إبقاء السمعة الطيبة لمملكة البحرين، وجعلها تتبوأ مكانة عالية في قائمة الممالك الدستورية». فأي الدعوتين تؤيد الحكومة وجمهور الطائفتين؟
سيبقى الأمل يراود محبي البحرين بتجاوز شحنات الكراهية التي لا تصنع إلا الخراب، والسير في اتجاه المبادرات الصادقة التي بدأها المريخي هذه المرة، ونأمل أن تتوج بجبهة وطنية تضم علماء الطائفتين لا طائفة واحدة، حبذا أن يبادر بالتحرك على تأسيسها الشيخ المبارك... «ياريت والله»
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 2234 - الجمعة 17 أكتوبر 2008م الموافق 16 شوال 1429هـ