انتهت معركة ارييل شارون مع الشارع ونجح في كسب غالبية الأصوات لمصلحة برنامج الليكود. إلا أن تلك الغالبية الصوتية ليست كافية عدديا في الكنيست (البرلمان) لتشكيل حكومة تسيطر على الدولة. فالدولة مسألة مختلفة وهي بحاجة إلى وفاق وطني لقيادة الحكومة ودفعها نحو مغامرات مصيرية تهدد مستقبل المنطقة في الشهور وربما الأسابيع المقبلة.
الوحدة الوطنية حاجة ليكودية الآن لتغطية مشروعات سياسية خطيرة أقلها إعادة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة. فشارون معروف من سجله الدموي بنزعته نحو المغامرة من دون تفكير بعواقب مغامراته السياسية وأثرها على تركيب الدولة الاستيطانية. ففي العام 1982 نال موافقة الولايات المتحدة (رونالد ريغان ووزير الخارجية الكسندر هيغ) على اجتياح لبنان حتى حدود نهر الليطاني، إلا أنه ذهب بعيدا وتوغل في الأراضي اللبنانية وصولا إلى العاصمة بيروت وتنظيم مجزرة رهيبة ضد مخيمي صبرا وشاتيلا بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية وتوزع مقاتليها على عدة دول عربية.
الاجتياح أدى إلى انهيار لبنان اقتصاديا وماليا ولكنه أيضا أثمر سياسيا بنهوض مقاومة وطنية ـ إسلامية كبدت قوات الاحتلال خسائر جسيمة أجبرته على الانسحاب بعد 20 سنة من المواجهات الدائمة والعودة من حيث أتى.
شارون لا يتعلم ولا يحسب لمغامراته العسكرية الحسابات السياسية الدقيقة. ويرى الآن بعد 20 سنة على مغامرته الأولى أن الظروف الدولية (الأميركية تحديدا) مناسبة لتكرار مغامراته العسكرية باجتياح الضفة والقطاع وارتكاب مجازر ضد المدنيين وربما اعتقال قادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية أو طردها إلى مصر أو الأردن أو لبنان. هذا ما يقوله شارون وربما يفكر في أسوأ من هذا، مثل استكمال الهجوم بشن غارات جوية مكثفة ضد مواقع القوات السورية في لبنان... وربما أيضا مهاجمة مواقع لبنانية مدنية وعسكرية تطول محطات الكهرباء والماء والجسور ومراكز المواصلات والاتصالات على غرار ما فعل والد جورج بوش في حرب 1991 على العراق وما يهدد بوش الابن بفعله من جديد في حال نشبت حرب الخليج الثالثة في الأسابيع المقبلة.
شارون مجنون وفاسد، كذلك أشرار الحزب الجمهوري الحاكم في البيت الأبيض، والظروف الدولية ليست في وضع سوي يمنع ظهور مغامرات عسكرية يرى قادتها أنها تستطيع اجتراح معجزات سياسية في وقت زمني قصير.
شارون من نوع وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الذي يؤمن بالقيادة، ويرى أن الولايات المتحدة عندها المقدرة على فعل ما تريد عن طريق القوة من دون العودة إلى الأمم المتحدة أو حتى التشاور مع الأصدقاء والحلفاء للتنسيق أو التفاهم على توزيع حصص الغنيمة. وبرأي رامسفيلد فإن «محور» ألمانيا ـ فرنسا ينتمي إلى «أوروبا القديمة». فإذا كان «تفاهم» برلين ـ باريس ينتمي إلى تاريخ لا ينتمي إليه رامسفيلد فكيف يصبح الأمر، بالقياس المذكور، عندما ينظر وزير الدفاع الأميركي إلى دول معينة في منطقة «الشرق الأوسط»؟ فهذه الدول بالقياس إلى فرنسا وألمانيا من العصور الحجرية تنبغي إزالتها أو صهرها بالصواريخ والقنابل حتى يمكن أن يعاد تشكيلها من جديد وفق «التصور الأميركي» أو بشكل يناسب عنجهية رامسفيلد وجنون شارون وفساده.
المنطقة إذن على أعتاب دخول مرحلة خطيرة جدا تقودها حفنة من الأشرار والمجانين والفاسدين بدءا من رامسفيلد في البنتاغون وانتهاء بشارون في الكنيست الإسرائيلي.
انتهت معركة شارون مع الشارع الإسرائيلي وكسب ثقته وبقي عليه الآن كسب ثقة الكنيست (البرلمان) وإقناع قيادة حزب العمل بالموافقة على اقتراحه بتشكيل حكومة وحدة وطنية. فالوحدة الوطنية ضرورة ليكودية وحاجة شارونية لأنها الوحيدة القادرة على تغطية فساده وجنونه وخططه العسكرية التي تتسم بالمغامرات التي لا تحسب الحساب للأبعاد السياسية... و«مكر» العقل وانقلاب الزمن وتحول الضعيف المقهور إلى قوي، وضعف القوي المتهور أمام التحديات التي ننظر إليها دائما ولا نراها
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 148 - الجمعة 31 يناير 2003م الموافق 28 ذي القعدة 1423هـ