الإصلاحات السياسية في أي بلد لا بد لها من عوامل تثبيتية تعطيها القدرة على الاستمرار على المدى البعيد. والقانون العادل هو العامل التثبيتي لأي عملية إصلاحية شريطة أن يطبق القانون على الجميع.
أما القانون الذي يطبق على فئة من دون أخرى، والقانون الذي يستثني فئة معينة ليس قانونا وإنما سلطوية قمعية ودكتاتورية.
القانون يصبح عادلا عندما يمثل إرادة الأمة، وعندما يستفيد من خبرات الإنسانية وعندما يتم إصداره بوسيلة ديمقراطية وعندما يتم تنفيذه بصورة مستقلة ومحايدة وعندما يطبق على الجميع.
هذه الصورة المثالية هي ما يجب أن نسعى اليه لكي نضمن استمرارية الإصلاحات السياسية التي دشنها جلالة الملك مطلع العام 2001. والشعب ينتظر اليوم الذي يطبق فيه القانون على الجميع من دون استثناء وينتظر اليوم الذي يطبق فيه القانون على اسس عادلة لا تستهدف فئة من دون اخرى ولا تستثني فئة من دون فئة.
الشارع البحريني طالب ومازال يطالب بشواهد وأدلة تثبت له أن القانون الصادر بصورة عادلة يطبق على الصغير والكبير، على الغني والفقير، على الوزير وغير الوزير ولحد الآن لا توجد أدلة وإثباتات على أن القانون (الأجزاء العادلة منه) يطبق على الجميع.
عندما سمع أبناء الشعب عن محاسبة بعض الأشخاص في وزارة العمل بسبب تجاوزات يعلم الجميع بحدوثها كان هناك أمل في أن يكون ذلك هو البداية الحقيقية لحكم القانون، ولكن الواقع أثبت أن الفقير وصاحب المنصب الصغير هو الوحيد الذي طبق عليه القانون ومن المحتمل ايضا أن يتم تعريضه لمزيد من العقاب. لا مانع من انزال العقاب على أي مخالف للقانون، ولكن الناس تتساءل ماذا عن صاحب النفوذ وصاحب الوجاهة وغيره ممن تم استثناؤهم؟ ماذا عن الموظفين الذين تم استجوابهم ومعاملتهم على (الأقل واحد منهم) بقسوة ليتهم بالتصريح بما يعرفونه ويطول اصحاب نفوذ ووجاهة؟
كثير من الناس فرحون لسماعهم عن تغييرات ادارية في وزارة الأشغال والإسكان، ولكنهم يتساءلون هل هذه الاجراءات مستمرة للكشف عن التجاوزات جميعها؟ وهل أن الذين تجاوزوا حدودهم سيتم احالتهم على التقاعد لكي ينعموا بالمال والثروة بعد تجاوزهم كما كانوا قبل إزاحتهم؟
هناك أحاديث كثيرة يتداولها الناس وهي ليست سرا تتحدث عن هذا المسئول أو ذاك من الذين استغلوا ويستغلون مناصبهم لتمرير مشروعاتهم ومشروعات زوجاتهم وأقربائهم والدعاية لها في القنوات الرسمية.
هذه الأحاديث يمكن تجميدها من خلال تطبيق حكم القانون وتسليم الأجهزة القضائية وملفات الفساد والمفسدين... هذه الأحاديث يمكن معالجتها فيما لو أخذ البرلمان دوره الحقيقي بدلا من إضاعة وقتهم ووقت الناس في مداولات لا تلمس الواقع كثيرا... فأين الشعارات التي رفعوها أثناء الحملات الانتخابية وأين برامجهم الاصلاحية؟.
حكم القانون أولاَ، هو الهدف الأساسي الذي يحقق لنا ديمومة في الإصلاحات، على أن يكون هذا القانون عادلا وصادرا عن الهيئة التشريعية، وعلى أن تكون السلطة القضائية مستقلة عن الهيئة التنفيذية.
إننا جميعا بحاجة الى تدريب وإعادة تأهيل لكي نتحمل المسئولية ونرعى المسيرة الإصلاحية. فكلنا مسئولون عن سلامة «السفينة البحرينية» التي تبحر في ماء متلاطم بالحوادث الكبيرة والمتعاظمة... والمسئول أو الوزير الذي يعتقد أن بإمكانه أن يتعامل مع المواطنين كالإمبراطور الذي يعلو على القانون وكالإمبراطور الذي يستطيع أن يهدد ويتوعد ويطلق العبارات ويصدر القرارات ويأمر بما اشتهت نفسه من دون أن يسمح لأحد من البرلمانيين أو الصحافيين بمساءلته، على هذا المسئول وهذا الوزير أن يعلم بأنه لا يستطيع تحقيق ما يريد إلا إذا كان سيستعين بأساليب قمعية على غرار قانون أمن الدولة. وعلى الوزير والمسئول أن يعلم بأن محاولاته لاستخدام اساليب ترتبط بالقمع لن تنجح ولا يمكن أن تنجح، فالتجربة البحرينية تخطت تلك الأساليب وشعب البحرين أوعى من كل الممارسات التي كانت تحميها اجراءات قانون أمن الدولة... أما اليوم فنحن نعيش في مرحلة إصلاح، وحكم القانون له الأولوية، وليس حكم الوزير أو المسئول
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 148 - الجمعة 31 يناير 2003م الموافق 28 ذي القعدة 1423هـ