الندوة التي دعا إليها الشيخ راشد المريخي وتحدث فيها كل من مستشار رئيس دولة الإمارات السيدعلي بن عبدالرحمن الهاشمي ونائب رئيس المجلس العلمائي السيدعبدالله الغريفي كانت نوعية وربما تفتح مرحلة جديدة من التآلف المجتمعي بين أبناء الطائفتين الكريمتين. فقد شهد «بيت القرآن» مساء الخميس الماضي حضورا كبيرا، وشارك في الحضور رموز من علماء الدين من الطائفتين، وتحدث الغريفي والهاشمي بخطاب لا يدعو فقط إلى التقريب وإنما أيضا إلى التلاحم الوطني في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها منطقتنا العربية والإسلامية من تحريض مستمر على الفتنة الطائفية.
السيدعلي بن عبدالرحمن الهاشمي أصله بحريني، وكان مبتعثا على حساب حكومة البحرين إلى جامع الأزهر في خمسينات القرن الماضي، ومن ثم هاجر إلى دولة الإمارات حيث صعد في مراتب قضائية وشرعية إلى أن وصل إلى منصب مستشار رئيس دولة الإمارات للشئون الدينية والقضائية، وقد تحدث الهاشمي بلغة يفهمها البحريني لأنه من البحرين أصلا، وقال أمورا عديدة حث فيها على النصيحة الصادقة للحاكم والمحكوم. وأشار في معرض حديثه إلى بعض من مشاكلنا ودعا إلى أن يخلص كل شخص إلى تخصصه، فالفقيه يجب أن يكون مستحصلا على علوم الفقه وأن لا يكون تاجرا له مصالح تؤثر على فقهه، والحاكم أيضا يجب أن لا يكون تاجرا، وأن يترك التجارة للتجار، كما أن الطب للأطباء والهندسة للمهندسين.
السيدعبدالله الغريفي قدم ورقة نوعية عن أدب الحوار وقبول التعددية على مستويات مختلفة، وقال إن الديني والعلماني لديهما مساحة للحوار بشأن ما يتفقان عليه من القضايا الإنسانية، وأصحاب المذاهب لديهم المسلمات العقائدية المتفق عليها، وأتباع المذهب الواحد لديهم مساحات مشتركة، ويمكن دائما أن نؤسس لثقافة حوارية تصل في النتيجة إلى العيش المشترك الذي يحترم فيه كل واحد منا الآخر ويدافع كل واحد منا عن الآخر فيما يجمعنا من إنسانية ودين ووطن.
الندوة لم تحدث بهذا الشكل منذ العام 2002 عندما توقفت الجهود التآلفية التي قادها المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري مع الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة وها هي الآن تعود في وقت اشتدت فيه الحاجة إليها. هذه الندوة صرخة حق في وجه المتلبسين بعمائم الدين ممن يتاجرون بكتاباتهم وتصريحاتهم وخطبهم من أجل إشعال الفتنة أو من أجل الحصول على الهدايا المجانية وتمتلئ بطونهم بالمال الحرام.
إن هذه الندوة هي التعبير الحقيقي لمعدن البحريني الأصلي، أما أولئك الذين ظهرت صورهم وأصواتهم خلال الفترة الأخيرة فكثير منهم عبدة للمال وأصحاب للفتنة. ومن المفارقات أن الندوة حملت عنوانا مشابها لندوة نظمت قبل نحو عامين، وكانت لتلك الندوة دعايات في كل مكان تقول إنها ستكون «الندوة الكبرى»... وعندما حل موعدها لم يكن في قاعة الندوة سوى الشخصين اللذين تحدثا أمام الكاميرا التلفزيونية التي لم تتحرك أبدا عنهما أبدا لأن القاعة كانت فارغة من دون أي حضور، والسبب هو أن شعب البحرين لا يستجيب لأي شخص حتى لو ادعى انتماءه للدين أو لبس عمامة سوداء أو بيضاء، فالناس ليسوا مغفلين ولا يمكن لمن يلبس ويتحدث من أجل الدينار أن ينفع وطنا أو مشروعا إصلاحيا. فمرحبا بمعدن البحرين الطيب الذي جمع الطيبين في بيت القرآن
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2234 - الجمعة 17 أكتوبر 2008م الموافق 16 شوال 1429هـ