العدد 147 - الخميس 30 يناير 2003م الموافق 27 ذي القعدة 1423هـ

هل ينجح منتدى دافوس في ضبط أسعار النفط والعملات؟

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

تركيز منتدى دافوس الاقتصادي (من 23 إلى 28 يناير/ كانون الثاني الجاري) على مشكلات اسعار النفط وانهيار العملات سيضعف المنتدى نفسه. المنتدى يعقد وسط ظروف استثنائية يخيم عليها ضعف الاقتصاد العالمي وتوترات سياسية وعسكرية ناجمة عن استعداد الولايات المتحدة وبريطانيا لشن حرب على العراق. أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إلى الدول المشاركة في المنتدى سواء كانت غنية أو فقيرة تكمن في احتفاظ هذه المنطقة بأكبر مخزون نفطي عالمي يعادل ثلاثة أرباع المخزون النفطي العالمي، وتحصيل حاصل فان أي اضطراب سياسي لدول المنطقة سينتج عنه 1- تدهور اسعار النفط 2- انهيار تام لاسواق العملة العالمية. وبطبيعة الحال ستهيمن هذه القضايا على مناقشات المؤتمر. منتدى دافوس اشهر ملتقى للزعماء في العالم يحضره نحو 2300 من القيادات السياسية ورجال الأعمال في العالم. الدول المشاركة تعتقد أن أي خلل في هيكل الاقصاد العالمي ستكون السياسة الأميركية تجاه العراق مسئولة عنه، وبالتالي يقع على عاتقها مسألة انعاش الاقتصاد العالمي، في ضوء المشكلات التي يواجهها العالم، وفي وقت تعاني فيه أكبر ثلاثة اقتصادات عالمية من الركود الاقتصادي ومعدلات نمو مخيبة للآمال.

الدول المشاركة ستنفق عشرة ملايين دولار بمعدل خمسة آلاف دولار لكل مشارك. وعاد المنتدى إلى دافوس هذا العام بعدما نقل العام 2002 إلى نيويورك في بادرة قصد بها اظهار التضامن مع الولايات المتحدة في اعقاب هجمات 11 سبتمبر/ايلول من العام 2001 على نيويورك وواشنطن. ومنتدى دافوس الاقتصادي الذي يعتبر أكبر ناد للأغنياء في العالم، لن يستطيع تنشيط الاقتصاد الأميركي المنهار بعد انهيار برجي نيويورك للتجارة العالمية وحرب افغانستان. من جهة أخرى فان انشغال أميركا في خلق تحالف دولي ضد الارهاب، ومحاولة تكوين حلف دولي مؤيد لها ضد العراق، وإغفال حل المشكلة الفلسطينية لن يفلح في تحسين أوضاع اسعار النفط والمعادن الآخرى أو استقرار العملات الدولية، ما دام الدم العربي يغلي، وربما يواجه العالم أسوأ أزمة نقدية منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية. وبذلك سيتناسى العالم تماما مشكلات الجوع والفقر والحرمان الذي يعاني منها العالم الثالث، ما بجبر المنتدى على مناقشة مشكلات البلدان الصناعية الاقتصادية، الأمر الذي يشجع على استمرارية ظهور الارهاب والارهابيين في العالم، بسبب تضاعف مشكلات الجوع والحرمان واليأس والقهر والظلم الاجتماعي والاقتصادي. كما لا يخفى على احد ان معارضي العولمة سيستمرون في التظاهر بعنف ضد المنتديات الاقصادية العولمية، اينما كانت حتى في الدوحة، على رغم قراري منتدى دافوس لسنة 2001 بمشاركة المنظمات غير الحكومية والمحتجين ضد العولمة في أعمال المنتدى. ولم يتغير موقف جماعات السلام الأخضر والمحافظة على البيئة وجماعات الاغاثة الدولية الذين أعدوا العدة للتظاهر علنا ورفع اصواتهم امام المنتدى.

المنتدى بلا شك اصبح تجمعا سنويا كبيرا لعقد صفقات تجارية ضخمة مربحة وليس لمناقشة مشكلات الفقراء في العالم. وعلى رغم أن منتدى هذا العام سيناقش مشكلات التنمية في العالم الثالث، بحضور زعماء دول وديانات مختلفة، بالاضافة إلى مندوبين عن الدول، ومديرين تنفيذيين من كبار رجال الاعمال، الشركات التجارية والصناعية الكبرى، فإن المشاركين سيتضاءلون بنسبة النصف عن العام الماضي، ولن يحضر زعماء سياسيون كبار لهم وزنهم السياسي كالرئيس الأميركي أو الفرنسي، كما حدث في 2001م إذ حضر 30 رئيس دولة، و650 إعلاميا، و22 ممثلا للمنظمات غير الحكومية. وفي المقابل سيحضر هذا العام: ولي عهد البحرين والمستشار الألماني ورئيس وزراء كندا وافغانستان وروسيا وماليزيا، وبعض الأمراء السعوديين، بالاضافة إلى وزراء خارجية أميركا وفرنسا وبلجيكا وايران وأمين عام الجامعة العربية، وبهذا سيتحول المنتدى من منبر اقتصادي إلى منتدى سياسي لمناقشة القضايا السياسية الملحة وأهمها العراق.

النمو الاقتصادي العالمي هو الاخر يتباطأ وفي تراجع ملحوظ، وخصوصا في أميركا بعد هجمات 11 سبتمبر الارهابية. ومن هذا المنطلق لابد للبلدان الصناعية الكبرى المسيطرة على التجارة العالمية من تغيير منهجها الحالي، بتغيير وجه العولمة القبيح، واضافة المسحة الانسانية عليه، ولا بد من الاعتراف بأن قطار العولمة السريع لا يستطيع احد ايقافه، الا انه يجب تضييق الانقسامات الحالية بين الشمال والجنوب.

الغرض الاساسي لعقد المنتدى كما قال زعماء الدول النامية هو الربح المالي وجني الصناعيين الغربيين للأموال. لهذا عقدت دول العالم الثالث في البرازيل منتدى يتزامن مع منتدى دافوس، اطلق عليه المنتدى الاجتماعي العالمي. إذن وسط هذا التناقض العالمي هل يستطيع لاطراف، من اكبر مؤيدي النظام العولمي الجديد، عولمة رأس المال العالمي للوصول إلى مستويات عالية للتنمية الاقتصادية؟ واقامة نظام عالمي جديد للتجارة متعدد الاطراف، يحل محل النظام العالمي الحالي الذي يطبق نظام ابرام العقود لكل صفقة تجارية؟ إذا تحقق حلمه فانه بالامكان السيطرة على الاقتصاد والتجارة العالمية، واقامة حكومة عالمية للتجارة الدولية. وتطبيق فكرة النظام التجاري المتعدد الاطراف التي نوقشت في اجتماعات منظمة التجارة العالمية، ولم تتحقق الفكرة لكون المنظمة مؤسسة دولية متعددة الاطراف وتحت اشراف الامم المتحدة وتستقطب دول الشمال والجنوب، الفكرة تتطلب من الدول التخلي عن سيادتها الوطنية وفتح المجال على مصراعيه لازدهار التجارة الالكترونية وقيام حكومات الكترونية في الكثير من دول العالم الرأس مالي حتى في دولنا الخليجية. وبذلك ايضا يتمكن المشاركون في المنتدى من انشاء الحكومة الكونية للقرن الـ 21، كما يتمنى رئيس المنتدى من كلاوس شراب، وبذلك يمكن اقامة تعاون مع الحكومات القطرية للبلدان النامية، وإعطاء دور بناء للمنظمات غير الحكومية.

المنتدى يجب الا يضيع الوقت في مناقشة مسائل اقتصادية اقل اهمية من مشكلة الديون والغاء الديون، لان التركيز على اسعار النفط ومشكلة العملات لن يفتح المجال لخروج الدين عن كاهل البلدان المدينة وحل مشكلة ديونها نهائيا. المؤسسات المالية العالمية الدائنة لا بد أن تتخلى عن اصرارها على دفع ديونها كاملة، وخصوصا ان الدول المدينة دفعت الدين الاصلي من تسديدها لفواتير خدمة تلك الديون، إلا أنها في الوقت نفسه لم تعف من اصل الدين، وإذا لم تتسامح تلك المؤسسات في تعاملاتها مع البلدان المدينة، فان العالم سيشهد مزيدا من الانهيارات الاقتصادية والمالية في الكثير من دول العالم غير الارجنتين، وقد تكون المكسيك والبرازيل مهيأتين لذلك الانهيار، حتى في البلدان الصناعية المتقدمة، وهذا يعطل آلية النمو ومحاولات اصلاح النظام النقدي العالمي. لذلك اصبح لزاما انشاء صندوق عالمي للتعويض عن الدول المتضررة من الديون باشراف الأمم المتحدة.

أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم يصرون على أن العولمة يجب أن تقرب الشعوب من بعضها بعضا، لا أن تفرق بينها. فقد شعرت البلدان النامية بأنها لم تستفد من جولات تحرير التجارة السابقة، وهذه اهم الأسباب التي أدت إلى فشل مؤتمر منظمة التجارة العالمية في سياتل في ديسمبر/ كانون الاول العام 1999. وفي المناقشات العلنية التي تمثل الافتتاح الرسمي للمنتدى، استمع المشاركون إلى كلمات شديدة اللهجة بصورة غير معتادة عن موضوع نظرة الجنوب إلى العولمة وخصوصا فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية التي كانت سببا في فشل قمة منظمة التجارة العالمية في سياتل العام 1999، لعدم استعداد أوروبا للتفاوض بشأن الزراعة.

إلا أن المظاهرات الصاخبة والمتزايدة ضد العولمة ومظاهر البذخ ستستمر، مادام ثلاثة أرباع سكان الأرض فقراء وجوعى يعانون من المرض والمديونية وانهيار عملتهم الوطنية، لذلك لا سبيل للاصلاح من دون وضع آلية دولية تنظم المضاربات العالمية في العملة من دون الاضرار بعملات الدول الفقيرة، والتأييد العالمي للمنتدى سيتضاعف بمجرد تطبيق خطة لتنمية الموارد البشرية، وحل مشكلات العالم الثالث الاقتصادية المتمثلة في مشكلة غسل الأموال، واجراء اصلاحات ضرورية في منظمة التجارة العالمية لتكون أكثر انصافا، بتكييف العولمة والاعتراف بالتنوع الثقافي بين البشر، واعتماد الحوار والتسامح بين الحضارات. إلا أن الغرب لن يحرك ساكنا، إلا اذ قامت البلدان النامية بتوسيع المشاركة الشعبية وتطوير المؤسسات البرلمانية، والتعامل بشفافية مع القضايا الملحة، وتطبيق المساواة ومكافحة الفساد، لتمكين القطاع الخاص من المنافسة في الاسواق العالمية. والاستثمار في التعليم والأبحاث والتدريب. ويبقى السؤال الملح: هل يستمر منتدى دافوس على الوتيرة والأهمية نفسيها إذا لم يستطع وقف تدهور اسعار النفط مادام لن يستطيع ايقاف اميركا وبريطانيا عن شن هجوم على العراق أو ايقاف مجازر شارون في فلسطين، وانهيار العملات وحل أزمة الديون والجوانب السلبية على اقتصادات العالم الثالث، وإذا استطاع التقدم قيد أنملة فاننا سنكون أول الشاهدين على نجاح هذا المؤتمر اقتصاديا وليس تجاريا بتجميع أموال المشاركين للربح التجاري البحت

العدد 147 - الخميس 30 يناير 2003م الموافق 27 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً