يتفق كثير من الناس على أن «الحلم سيد الأخلاق»، لكن الحلم هنا يختلف عن المعنى الدارج والمستهلك للكلمة والذي يقصد به الأمنيات، وعلى رغم أن عبارة «الحلم سيد الأخلاق» تشكل قاعدة ذهبية تساعد من يلجأ إليها على تجاوز الكثير من المواقف المحرجة والمزعجة فضلا عن الأزمات والمصاعب، إلا أن سيد الأخلاق هذا يبقى الغائب الأكبر عن حياتنا الاجتماعية والسياسية.
ويبدو أننا نحرص بشدة على الاحتفاظ بمكتسباتنا وموروثاتنا الصفاتية التي تميزنا باعتبارنا جزءا من الشعوب الانفعالية التي دأبت على التعامل مع معظم أمورها الحياتية بردة فعل بعيدا عن التخطيط الاستراتيجي، والغريب أن ردات أفعالنا دائما ما تكون غير محسوبة وهي تتطلب ردات فعل مضادة أيضا، وربما أكثر شدة مما يستحقه الموضوع، وهكذا نصبح في دوّامة لا تنتهي، ولا يعرف أحد على وجه اليقين متى بدأت وإلى أين ستصل ومتى تتوقف عن الدوران.
ولأننا بعيدون عن سيد الأخلاق إلى هذه الدرجة فاننا نحاول دائما أن نستعيض عنه بالرديف اللغوي للكلمة «الحلم»، من هنا فإن أحلامنا تصبح من النوع اللانهائي حتى ولو أصبحنا أصحاب قرار وبيدنا أن نأخذ المبادرة والفعل، فإن حبلا سريا يظل يربطنا بموضوع الأحلام، والغريب المستغرب في هذا الأمر أن هذا الحبل يبدو من القوة والمتانة إلى الدرجة التي يشل من قدرات أصحاب القرار حتى لو أصبح الواحد منهم وزيرا.
منذ أيام ونحن جميعا نراقب ما يجري في وزارة الصحة من شد وتجاذب يفتقر إلى أبسط أنواع «الحلم» الذي هو سيد الأخلاق، لكنه يمتلئ بالحلم الذي يدخل في إطار الأمنيات ويبدو أننا ومن غير أن نكون طرفا أصيلا في الموضوع دخلنا لعبة شد الحبال التي أطلقت صفارة البداية فيها منذ التغيير الوزاري الأخير.
فالوزير يدعو إلى تطهير الوزارة من الفساد الإداري والمالي، ثم نجده في ليلة غاب فيها ضوء القمر يوجه سهامه إلى كل اتجاه، فتبدو وزارة الصحة وكرا من أوكار التسيب وانعدام المسئولية والتجاوزات، وحين تطيش السهام فإن جروحا كثيرة تتفتح، وهكذا وجدنا أن جروح وزارة الصحة مفتوحة على صفحات الصحف والمحطات الفضائية، والمواطن لا يدري ماذا يفعل، فقد اعتاد أن يلجأ إلى الاستشاريين البحرينيين كلما وجد الحاجة تدفعه إلى ذلك وفق جروحه وإمكاناته وظروفه أيضا.
لكنه هذه المرة في حيرة من أمره، لأنه لم يعد يدري أين تكمن الحقيقة وبات مشوشا بشكل كبير، يبحث عن اجابات شافية لأسئلة تقلقه وتربكه في آن واحد، ترى هل كان ضمن من تم التلاعب بهم من قبل الاستشاريين البحرينيين في وزارة الصحة؟ هل تمت عملية ابتزاز له ولأمواله من دون أن يدري؟ هل حصل على علاج مناسب أم أن هؤلاء «الاستشاريين» أفسدوا كرات الدم الحمراء في جسده وأدخلوا له فيروسات وتعقيدات تجعله في حاجة ماسة للعودة لهم لكي يقوموا بامتصاص دمه أحيانا والاستيلاء على أمواله في أحيان أخرى؟
حيرة ما بعدها حيرة، وانقلاب في المفاهيم وانعدام في الثقة يوشك أن يغرق فيه كل الاستشاريين البحرينيين العاملين في وزارة الصحة، وبينما المواطن البحريني في ذهول وفقدان توازن... تفاجئنا الوزارة بالاعلان عن ندوة للوزير عن «أحلام المواطن».
ولا أدري عن أية أحلام تتكلم هذه الندوة! عن الأحلام التي عشناها سابقا فإذا بالبعض ينبهنا إلى أنها كانت أوهاما!! أم الأحلام التي مازالت تراودنا منذ كنا أطفالا صغارا، ويبدو أنها ستظل أحلاما إلى أن نصل إلى سن الكهولة وإذا أردنا أن نضع بعض هذه الأحلام أمام الوزير فإننا سنقول...!
- كثير من المواطنين يحلم بأن يجد في وزارة الصحة عددا من الاستشاريين البحرينيين يلبي ارتفاع أعداد المرضى ويقلل من ساعات الانتظار.
- كثير من المواطنين يحلم بأن يجد في صيدليات وزارة الصحة أنواعا من الأدوية اختفت منذ فترة طويلة بسبب ارتفاع أثمانها ولم يعد ممكنا الحصول عليها إلا في الصيدليات التجارية.
- كثير من المواطنين يحلم بألا تطول فترة انتظاره لاجراء العمليات الجراحية بسبب انشغال غرف العمليات أو انشغال الجراحين.
- كثير من المواطنين يحلم بألا تمتد فترة الانتظار التي يقضيها للحصول على خدمات الأشعة الملونة والأشعة المغناطيسية أكثر من اللازم بسبب قلة هذه الأجهزة وازدياد عدد المحتاجين لها.
- كثير من المواطنين يحلم بأن يجد أجهزة العلاج الطبيعي اللازمة في المراكز الصحية حتي لا يضطر إلى الانتظار فترات طويلة ريثما يحصل على علاج.
- كثير من المواطنين يحلم بأن يتم تأهيل طواقم الاسعاف بصورة أفضل وزيادة عددهم وإعادة توزيعهم في مختلف مناطق البلاد.
- كثير من المواطنين يحلم بأن يتم تثبيت الأطباء البحرينيين الذين تم توظيفهم بعقود مؤقتة حتى يصبح في امكانهم تقديم خدمات أفضل بعد استقرار حالتهم الوظيفية.
- كثير من المواطنين يحلم بأن يتم التسريع بقرارات العلاج في الخارج على حساب الوزارة للحالات التي لا يوجد لها علاج في البلاد.
- كثير من المواطنين يحلم بأن يرى الكفاءات البحرينية في وزارة الصحة في موقع الاحترام والتقدير.
- كثير من المواطنين يحلم بأن يرى المستشفيات العالمية تفتح لها فروعا في البلاد لتوفير مزيد من الخيارات أمام المواطن والمقيم.
- كثير من المواطنين يحلمون باستثمارات أكبر في مجال الصحة تسمح بإجراء الدراسات والبحوث اللازمة لتطوير الخدمات الصحية.
- كثير من المواطنين يحلم بأن تعود الوزارة إلى العمل وتترك عنها كثرة الاستعراضات الاعلامية في التلفزيون والصحافة والاذاعة والندوات المفبركة.
ويبدو أن قائمة الأحلام لدى المواطن لا تنتهي وهو يحلم بها منذ زمان وليس هناك من غرابة في أن تكون أحلام المواطن كبيرة وهي بالمناسبة ليست طلاسم أو لوغاريتمات لا يمكن فك رموزها، لأنها ببساطة تعني خدمات صحية متكاملة ومتوافرة أمام المواطنين من دون الحاجة إلى واسطة أو محسوبية.
وهنا أشير إلى أننا بوصفنا مواطنين (لو بطلنا نحلم نموت) لكننا لا نريد أن يكون حلمنا من النوع الذي لا يمكن تحقيقه وخصوصا بعد أن عشمنا الوزير في الحصول على الحلول السحرية وطمأننا بأنه يحمل مثلنا أحلاما كبيرة يرغب في تحقيقها لصالح المواطن... وإذا كان لابد من العودة إلى عنوان المقال سنشير إلى أننا نعتقد بأن أحلام الوزير يجب أن تكون أوامر وقرارات حقيقية تلبي مصالح وطموح المواطنين من خلال توفير الأجهزة والأدوية والخدمات التي تفتقر إليها المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لوزارته، بعيدا عن أية حساسيات أو حسابات وتصفيات شخصية بينه وبين بعض الاستشاريين البحرينيين الذين لا يوافقونه الرأي في بعض توجهاته، أو الذين اختلفوا معه في الماضي لأية أسباب.
نريد لأحلام الوزير أن تكون واقعا لأن بيده أن يوفر لنا احتياجاتنا، بيده أن يطالب بزيادة الموازنة المخصصة لوزارة الصحة، بيده أن يوفر المزيد من الأدوية والعقاقير الطبية التي نحتاجها، بيده أن يوفر المزيد من الأجهزة الطبية لأقسام الأشعة والقلب والكلى والسرطان والعيون والعلاج الطبيعي حتى تتحقق أحلامنا، بيده أن يزود قسم الطوارئ في السلمانية بأطباء استشاريين لديهم الخبرة الكافية لانقاذ حياة وأرواح المواطنين، بيده أن يطوّر من قدرات الأطباء البحرينيين ويستثمر فيهم من خلال ابتعاثهم في دورات تدريبية وتعليمية في الخارج ومن خلال توفير الأمن الوظيفي لهم، وخلق الثقة بينهم وبين المرضى وليس تدمير هذه الثقة
إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"العدد 147 - الخميس 30 يناير 2003م الموافق 27 ذي القعدة 1423هـ