العدد 147 - الخميس 30 يناير 2003م الموافق 27 ذي القعدة 1423هـ

شارون: الشارع والدولة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ما هي الرسالة التي يريد الناخب الإسرائيلي ابلاغها للعالم من خلال تصويته الكثيف لليمين العنصري - المتطرف؟

دوليا: يقول لأشرار الحزب الجمهوري الحاكم في البيت الأبيض «نحن معكم» وذلك في رد غير مباشر على سؤال الرئيس جورج بوش: معنا أو ضدنا.

إقليميا: يقول للدول العربية إننا ضد السلم ولا نريد العيش معكم سواسية: نحن الشعب المختار وهذه الأرض لنا، أخذناها بالقوة، وعليكم استردادها بالقوة.

محليا: يقول للشعب الفلسطيني لا مجال للعيش المشترك في بلد واحد لا في دولتين ولا في دولة واحدة. فهناك القوي المنتصر وهناك الضعيف المهزوم، وعليكم القبول بالأمر الواقع وإلا كان نصيبكم المزيد من الموت واحتمال الطرد إلى دول الجوار العربية.

الناخب الإسرائيلي أعطى صوته للتطرف والعنصرية والاحتلال والمزيد من الاحتلال، والحرب والمزيد من الحرب. وارييل شارون نال ثقة الناخب بسياسته التدميرية ضد الشعب الفلسطيني. فشارون رفض بعد فوزه عرض الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عليه اللقاء للتهنئة والكلام عن مصير يبدو انه يسير من سيئ إلى أسوأ. وبدوره رئيس حزب العمل عمرام متسناع رفض حتى الآن عرض شارون عليه إقامة حكومة وحدة وطنية يقودها الليكود لتحقيق مشروعه القاضي بتدمير كل ما أثمرته مفاوضات السلام منذ أوسلو حتى اندلاع انتفاضة الأقصى.

شارون يريد غطاء حزب العمل لاستكمال مشروعه التدميري في إطار حكومة مشتركة تتفق على الفلسطينيين وتختلف على السياسة. فالليكود يريد عزل سياسة الحزب عن سياسة الدولة. فالحزب فاز في معركة انتخابية ولا يريد ان تخسر الدولة معركتها ضد الفلسطينيين. ومن يضمن معركة الدولة هو حزب العمل (19 مقعدا) وميرتس (6 مقاعد) وشينوي (15 مقعدا). فهؤلاء الذين يطلق عليهم أحزاب «الوسط» و«اليسار» و«العلمانية» هم ضمانة سياسية لمشروع الليكود أو على الأقل هم الوجه الآخر للسياسة الصهيونية (الاحتلالية) ومن دونهم ستبقى الشكوك تراود المجتمع الدولي (الأمم المتحدة) والاتحاد الأوروبي عن وجود اختلاف أو عدم اتفاق على المنهج التدميري - الاقتلاعي الذي يخطط له شارون.

شارون هدد قبل الانتخابات بإعادة احتلال الضفة والقطاع، ورفض خطة «خريطة الطريق» التي اقترحتها اللجنة الرباعية، وألغى كل الاتفاقات التي وقعتها حكومات «إسرائيل» السابقة بحضور الأمم المتحدة والولايات المتحدة... ونال ثقة الناخب الإسرائيلي بنسبة عالية جدا قياسا بالدورات السابقة. سابقا كان حزب العمل هو الكتلة النيابية الأولى (25 مقعدا) والليكود الكتلة الثانية (19 مقعدا) ومع ذلك عجز العمل عن تشكيل حكومة بقيادته بسبب ميل الكتل النيابية الصغيرة نحو تأييد الليكود. الآن تراجع حزب العمل إلى الكتلة الثانية (19 مقعدا) وتقدم الليكود إلى الدرجة الأولى (37 مقعدا) وبات اليمين العنصري - المتطرف يسيطر على الكنيست (البرلمان) بغالبية مريحة تصل إلى 67 مقعدا من أصل 120 مقابل 53 مقعدا لمجموع الكتل النيابية الأخرى، بما فيها اللوائح العربية.

مع ذلك يصر شارون على تشكيل حكومة وحدة وطنية يعطي فيها حزب العمل حصة من سياسته الليكودية. والسؤال: لماذا؟ تقليديا استمد الليكود قوته من ضعف العمل وتردده السياسي في حسم خياراته الاستراتيجية. فالأول اتبع خطوات واضحة في رفضه لكل الاتفاقات متمسكا بالاحتلال والاستيطان ومصرا على متابعة ما تبقى من المشروع الصهيوني. الثاني كانت خطواته ناقصة مترددة يوقع على الاتفاقات ويتراجع عن تنفيذها خوفا على شعبيته من الشارع الإسرائيلي. هذا التردد أعطى لتكتل الليكود أفضلية سياسية فهو الأضعف انتخابيا والأشجع على مستوى الكلام.

الليكود أصبح الآن القوة الانتخابية الأولى إلا انه يريد العمل باعتباره ضمانة تاريخية لخطوات جراحية يخطط لتنفيذها ومن الصعب عليه تحقيقها من دون دعم الحزب التاريخي والمؤسس الحقيقي للدولة الصهيونية. الليكود قوي إلا انه يخاف من الاستقطاب السياسي الذي قد يقوده حزب العمل في الشارع في حال استمر في رفض عرض شارون بتشكيل حكومة وحدة وطنية. شارون يميل إلى حزب العمل لتنفيذ مشروعه التدميري - الاقتلاعي لأنه يعطيه شرعية سياسية وتاريخية ودولية أكثر من ميله إلى التحالف مع الأحزاب المتطرفة العنصرية. فالأخيرة تعزله دوليا وتضعف صدقية توجهه نحو المزيد من التدمير، والمزيد من الاقتلاع.

عرض شارون على حزب العمل ليس مناورة بل ضرورة سياسية لتحقيق خطته الاحتلالية فهو يريد استغلال تاريخية الحزب لإضفاء مسحة عقلانية، ومشروعية لاستراتيجية الليكود. والسؤال هل رفض حزب العمل عرض شارون مناورة أم حقيقة سياسية اكتشفها قادة الحزب بعد فوات الأوان؟

إصرار العمل على رفض فكرة حكومة الوحدة الوطنية يعطي بعض الصدقية لحزب انتهى دوره التاريخي، وتراجعت وظيفته، وهناك فرصة لاستعادة موقعه في حال استمر خارج لعبة الليكود. وفي حال تراجع العمل وقبل بالفكرة يكون شارون كسب معركته على المستويين: الأول الشارع، والثاني الدولة. والخاسر الأكبر سيكون الشعب الفلسطيني وحزب العمل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 147 - الخميس 30 يناير 2003م الموافق 27 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً