العدد 147 - الخميس 30 يناير 2003م الموافق 27 ذي القعدة 1423هـ

الديمقراطية ليست لها علاقة «بالدهماء»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

منذ بدء التنظير للديمقراطية والجدال مستمر حول معناها وضوابطها وحدودها وفائدتها. فالديمقراطية كانت من المفاهيم المقدسة لدى مدن اليونان قبل 25 قرنا، ولكنها انتهت لأسباب كثيرة، وأحد أهم الأسباب هو سيطرة «الدهماء» و«الرعاع» على العملية السياسية. ولذلك فقد ظهرت فكرة «الفلاسفة» الحكماء الذين يجب أن تكون لهم القيادة والسيادة في المجتمع. ومفهوم «الفيلسوف الحكيم والأعلم» لاقى استحسانا من ثقافات لاحقة ومارسته الدولة الرومانية في عهدها الجمهوري.

أنموذج الديمقراطية الذي نجح في العصر الحديث ليس هو الأنموذج القديم، فالديمقراطية تعني وجود حياة سياسية منظمة على أساس تنافس النخب فيما بينها على ان يكون الحكم بينها جمهور الناس الذين يصوتون لهذه الجماعة او تلك. ومادامت صناديق الاقتراع عادلة ومتوازنة فإن النخب السياسية ستخشى من المحاسبة الشعبية لها (يوم الانتخاب) وبالتالي ستسعى إلى خدمة الشعب وتحقيق المصالح العامة... وهذا التنافس من أجل خدمة الشعب يعتبر الضمان الأكبر لحفظ التوازن في المجتمع، ويعتبر أيضا الوسيلة الانجح لعقلنة الأمور. ذلك لأن الجماعات والأحزاب من المفترض أنها تقود جماهيرها باتجاه معين لمدة محددة، على أن تثبت قدرتها خلال تلك الفترة، وإلا تم عزلها. وبالتالي فإن البعض يطلق على الديمقراطية التمثيلية «الدكتاتورية المنتخبة» لأن الجهة التي يتم انتخابها تستطيع القيام بأعمال كثيرة ما بين الانتخابات، والشعب يكون دوره مراقبا ومتحفزا ومنتظرا للفرصة الأولى لإبداء رأيه عبر صناديق الاقتراع.

المشكلة لدينا في بلداننا التي تحاول الالتحاق بتجارب الإنسانية الناجحة هي أننا نأخذ بعض الأجزاء فقط ونترك أجزاء أخرى وبالتالي تتكون لدينا تجارب قد تؤدي إلى الاحباط. اضافة الى ذلك فان هناك خشية من سوء استخدام الحريات المتاحة بعد الانفتاح، ما يدفع بعض الذين يتربصون بالممارسة الديمقراطية إلى قذف الاتهامات ومحاولة العودة إلى الوراء.

الحوار في البحرين من المفترض أنه تحرر في كثير من جوانبه منذ مطلع العام 2001، ولكن بعض الحوارات تأخذ صفة «الدهماء» التي تحدثت عنها بعض تجارب الأمم السابقة. وعندما تسيطر الحال الجماهيرية والحماسية على لغة الخطاب تخاف النخب من التقدم إلى الأمام، ويخشى عالم الدين والرمز الوطني على سمعته فيما لو كان لديه رأي يخالف الحال الحماسية الجماهيرية، وينتهي الأمر إلى انزواء الكثيرين والابتعاد عن ساحة القرار السياسي.

إلا أن المشكلة في خضوع النخب للحماس العارم هي فقدان الفرص الثمينة التي تتوافر لدى أمة ما على المدى البعيد. وهذا ما يحدث لدينا في بعض الأحيان عندما يتوقع الناس من علماء الدين ومن الرموز ومن الجمعيات السياسية قرارا، وإذا العكس هو الصحيح.

لا نقول جديدا لأن الحوار قديم، فأرسطو هو الذي عرّف الديمقراطية بأنها «النظام الذي يسيطر فيه الحر والفقير على الحكومة». وحتى توماس جيفرسون كان يتحاشى ذكر مصطلح الديمقراطية عندما شرع مع رفاقه في تأسيس النظام الجمهوري الأميركي اذ آمن بضرورة وجود «أرستقراطية» مقتدرة تخرج إلى السطح بصورة طبيعية للإمساك بالأمور. وعلى أساس هذا الفهم هناك من يؤمن بأن الجماهير لا تستطيع أن تحكم ويجب أن تكون هناك سلطات قاهرة للسيطرة على «الدهماء». إلا أن القائلين بهذا المفهوم هم من أمثال موسيليني الذين تسببوا في دمار بلدانهم ودمارهم شخصيا أيضا.

ولذلك فإن ما ينبغي أن نتوجه إليه هو الممارسة الحسنة لما هو متاح لنا من حرية التعبير كمقدمة أولى للدخول في صنع القرار على أساس ديمقراطي

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 147 - الخميس 30 يناير 2003م الموافق 27 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً