العدد 146 - الأربعاء 29 يناير 2003م الموافق 26 ذي القعدة 1423هـ

قناة المستقلة والخطة المبيّتة

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

قد يساورنا الشك في أن هذه القناة اللا «مستقلة» تعمل لأجل المخابرات الأميركية والإسرائيلية إذ هي تدفع المسلمين إلى عزلة سياسية، ثقافية قاتلة، وتعمل على تغيير بوصلة المسلم النضالية من تجاه «إسرائيل» إلى حيث قلب التسامح الاسلامي. انها تلعب بالنار وتعمل على ايقاد الفتنة. والخطأ ليس خطأها فقط بل خطأ كل من يشارك فيها سنيا كان او شيعيا مشاركا بالصوت أو السماع أو المشاهدة أو المشاركة في الحوار.

وها نحن عجزنا عن بلورة انتاج خطاب ثقافي تسامحي وايديولوجي متواكب مع العصر، ليواكب التطورات والتحولات العالمية والاقليمية والمحلية. لقد أرادت لنا «إسرائيل» وأردنا لأنفسنا أن تكون هناك أكثر من لبنان وها نحن نلحظ لبننة ثقافتنا الاسلامية بطريقة طائفية ضيقة شللية عاجزة عن حل المآزق السياسية والاقتصادية التي نعيشها فراحت تبحث لها عن قضايا تاريخية لتغطي تلك العقد النفسية من الانهزام الداخلي تجاه الغرب ومعاوله.

ان الفتنة تبدأ ثقافة وأفكارا تستقر في العقول، وتشاحنات تستلقي في النفوس تنتظر الشرارة التي توقدها، ومن ثم تبدأ الفتنة بين المسلمين وبعد ذلك يأتي «دعاة السلام» ليطفئوها بعد أن أوقدوها من تحت الطاولة بقنواتهم، نحن نهزم لا لذكاء أعدائنا وإنما لتردي ذكاء الكثير منا، ثم بعد ذلك يأتون (ليصلحوا) بيننا وليعلمونا كيفية الحوار وأيضا كيفية دفع فاتورة وجودهم وتعشمهم المجيء وإصلاحهم «ذات البين» انهم يريدون ليجعلوا من كل عاصمة «بيروتا شرقية» و«بيروتا غربية». والفتن الطائفية تبدأ بطائفة ضد طائفة وتنتهي بتقاتل بين ابناء الطائفة ذاتها وهكذا تبدأ الفتن تأكل أبناءها. ففي لبنان بدأت بثقافة ثم انتهت إلى ميلشيات مسلحة، بدأت على هيئة مسيحيين ضد مسلمين، فلما انتشرت جرثومة الحرب الاهلية بدأت تأكل الجميع فبدأ المسيحيون الموارنة يقاتلون بعضهم بعضا واصبح المسيحي يقتل المسيحي بعد ان كان المسيحي يقتل المسلم وبدأ المسلم يقتل أخاه المسلم حتى وصلت «إسرائيل» إلى عمق بيروت وهم مشغولون بالفتنة الداخلية.

وكان الأولى ضبط عيار الخطاب السياسي والايديولوجي بان يكون هناك ميثاق شرف بين المسلمين على ألا يتعدى على اي مقدس لأي طائفة وان يكون هناك احترام لكل المقدسات ولجميع الاطراف وان يبدأ ترسيخ ثقافة التسامح وترسيخ مبادئ القواسم المشتركة. من كان منصفا لدينه فانه سيمنع ذاته وأبناءه من مشاهدة مثل هذه القنوات المشبوهة، فحرام علينا ان نلوث عقول أطفالنا بقضايا مضى عليها أكثر من 1400 سنة. ويبقى السؤال: وماذا بعد كل ذلك؟ ماهو الحصاد؟

هل ستحرر لنا قناة «المستقلة» بحواراتها السمجة قضية فلسطين؟ وهل ستعيد إلينا محيا الشهيد فتحي الشقاقي وعلي اشمر والسيد عباس الموسوي، وهل ستثأر لجميع الدماء الزكية العطرة التي سقطت ظلما وعدوانا؟

بعض وصايا الشهداء كما قرأت لأحدهم يقول «أبنائي أمانة في أعناقكم فلا يضيعوا بحضرتكم». فهل حفظنا الامانة؟ نحن نعيش ازدواجية في الفكر والعاطفة فإن كنا نحب فلسطين والشيخ احمد ياسين فكيف نقبل لأنفسنا ان تهان مرتكزاتهم المذهبية المحترمة وكيف يستقيم ذلك مع مسيراتنا لآلامهم؟ ان تحب انسانا يعني ان تحترم مقدساته وكذلك الأمر للآخر إن كنت تحب المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان وتحب السيد حسن نصرالله فكيف تقبل أن تهان مرتكزاته المذهبية المحترمة... ما أجمل «حماس» و«حزب الله» و«الجهاد» وهم يقفون صفا واحدا ضد كل مخططات الغرب والولايات المتحدة الاميركية وها هم يدفعون فاتورة الكذب والصمت العربي والسذاجة والجهل العربي ايضا. إن هؤلاء المترافعين في قناة المستقلة لا يمثلوننا أبدا، وليس لهم حق في أن يترافعوا عنا، وإذا كانوا يمتلكون معرفة اوثقافة او يختزنون عضلات معلوماتيه فليوظفوها ضد هذا التغريب الاميركي لشبابنا وبلادنا واوطاننا فهم بما يفعلونه الآن يقدمون أكبر هدية مجانية إلى الولايات المتحدة الاميركية وإلى «إسرائيل» وهم لا يشعرون حتى لو حسنت النيات.

هؤلاء لا يخيفون الغرب ابدا انما الذي يخيفهم هو تلك الحركات المقاومة من حماس والجهاد والمقاومة في لبنان. يقول ستيف وايسمان وهربرت كروزني في كتابهما «القنبلة الاسلامية»: «ان الخطر الاكبر على الغرب هو حصول هذه الدول الاسلامية على التقانة النووية، فيجب ان يحذر الغرب من ذلك والخطر الاكبر من ذلك هو تملك مثل هذه الحركات لهذه التقانة».

وهناك الكثير من المثقفين الغربيين والمستشارين ممن لايزالون يحذرون ويؤلبون الدول ضد أية ظاهرة جهادية واعية ضد «إسرائيل» في المجتمع الاسلامي، وهذا عينه ما قام به الخبير الاميركي والمستشار في كلية الحرب التابعة لرئاسة الاركان في الجيش الاميركي بيلليتير مؤلف كتاب : «حزب الله وحماس: تحد للسلام» فهو يرى هاتين الحركتين «العقبة الكأداء» امام عملية السلام. هؤلاء هم العقبة الكأداء ضد الطموح الصهيوني وما يجرى في «المستقلة» النعجة العرجاء تلك حقيقة بدت واضحة، ان قوة المسلمين تكمن في تحالفهم مع بعضهم بعضا وبمقدار ما يركزون على القواسم المشتركة يستطيعون ان يحققوا قوتهم. فإن المسلمين إن لم يرحموا انفسهم فلن يرحمهم الآخرون. ونحن نلحظ هذه الحرب المقبلة فإنها وإن غطيت بنزع اسلحة الدمار الشامل أو جاءت تحت مظلة دمقرطة العراق فإنها تبقى عناوين براقة تخفي خلفها كل أنواع المؤامرات على الامة والمجتمع العربي والاسلامي. والغرب كما جاء في كتاب «مقاتلون في سبيل الله» للباحث الاميركي جميس رستون وترجمة رضوان السيد دائما ما يحاول أن يغطي حملاته. ومنها الحملات الصليبية تحت اغطية مقدسة، فالحملات الصليبية على المسلمين كانت تدار تحت اغطية مقدسة، مثل: تحرير قبر السيد المسيح من ايدي المسلمين او استرداد مملكة القدس. كانوا بذلك يخدعون شعوبهم وهم يتحكمون في الرأي الشعبي وهاهم اليوم يحاولون ان يتخذوا من (11 سبتمبر/ ايلول) ذريعة لاستعمار الاراضي العربية والاسلامية تحت حجة مكافحة الارهاب أو نزع اسلحة الدمار الشامل. والاستعمار اليوم اصبح اخطر من الماضي فهو استعمار مباشر بعسكرة وامركة الاراضي تتبعها عسكرة الثقافة والاقتصاد والأمن والمجتمع. واليوم تقود الولايات المتحدة الاميركية أكبر مؤامرة اعلامية تمهد من خلالها إلى شرعنة وجودها في منطقة الخليج لتبقى هي المتحكم الوحيد في «حنفية» النفط الخليجية وهي في محاولاتها الدؤوبة الاعلامية لتبرير حربها. في المقابل اين هو الاعلام العربي من كل ذلك؟ واين هم المسلمون من توعية رأي وعقلية شعوبهم، فبدلا من ان يكون على تضاد من الإعلام الاميركي أو في موقع الدفاع ولن نقول الهجوم هو الآن مشغول في ظل هذه الحملة الاميركية ـ بإثارة النعرات التاريخية القديمة. إن ما تقوم به قناة المستقلة يمثل خطرا على الجميع فيجب على التجار الوطنيين ان يحجبوا اعلاناتهم عن هذه القناة وعلى مراكز القرار الاعلامي في دولنا الاسلامية ـ وبأي اسلوب تكنولوجي ـ منع استقبال مثل هذه القناة، وعلى الفقهاء ان يمتلكوا الجرأة في اتخاذ موقف اسلامي مسئول لتحريم مشاهدة هذه القناة. ونتساءل هنا أين هو دور منظمة المؤتمر الاسلامي من كل ما يطرح من خدش لمقدسات المسلمين عبر هذه القناة؟ وإني لأعجب من مثقفين يتكدسون امام الشاشة وكأنهم يشاهدون المباراة النهائية بين الارجنتين والبرازيل. وهنا تسقط تلك العناوين البراقة والالقاب التي تتصدر واجهات الكتب لتظهر مدى السذاجة والبساطة التي يعيشها مثل هولاء الأميين للواقع المر الذي نعيشه. ان ثقافة سايكس بيكو مازالت مستمرة في انشطارها وها هو الوطن العربي مجزأ إلى دويلات صغيرة لكل دويلة عقدة قُطرية قائمة على علم ونشيد، قسموا العرب، قسموا فلسطين، قسموا يوغسلافيا، وهاهم يطمحون إلى تقسيم العراق إلى جنوب شيعي وإلى وسط سني وإلى شمال كردي كما قسموا لبنان إلى كعكة طائفية قائمة على رئاسة برلمانية شيعية ورئاسة حكومية سنية ورئاسة جمهورية مسيحية واني على يقين بأن ولادة مثل هذه الحوارات الطائفية البغيضة في مثل هذه القناة هي حلقة من حلقات سابقة تضاف إليها حلقات موسادية واميركية وغربية جديدة لبدايات تقسيمات أخرى في المنطقة. فهناك استهداف ايضا لتقسيم حتى بعض الدول الخليجية كما جاء في تحليلات وتسريبات الاعلام الاميركي. فهل سيصحو هؤلاء النفر من المسلمين والعرب لخطورة الوضع ام سيبقون في استعراض العضلات الفقهية ضد بعضهم بعضا امام أكبر مهزلة اعلامية في الألفية الثالثة؟ نحن أمام استعمار اميركي وامام اختراق صهيوني فظيع، فهل نعي ذلك؟ ففي مصر يسعى الكيان الصهيوني في إطار الخصخصة ـ إلى شراء مصانع مصرية وهناك انتشار لزواج البدو في سيناء بالصهيونيات، وفي الجزائر تنتشر أدوية صهيونية وخصوصا بعد السلام اللاعفوي الذي جرى بين الرئيس بوتفليقة والإرهابي ايهود باراك في جنازة الملك الحسن الثاني. وفي موريتانيا هناك صهاينة يقومون بدفن النفايات النووية السامة تحت الأرض الموريتانية. فماذا اعددنا من اجراءات واقية لكل هذه الخروقات؟

وصدق نزار قباني وهو يرتل ابيات قصيدته المسماة «المهرولون» عندما قام بجلد ظهور العرب والمسلمين فقال:

ودخلنا في زمان الهرولة

ووقفنا بالطوابير، كأغنام أمام المقصلة

وركضنا.. ولهثنا

وتسابقنا لتقبيل حذاء القتلة.

جوعوا اطفالنا خمسين عاما

ورموا في آخر الصوم الينا

بصلة.

اصحوا يا عرب، اصحوا يا مسلمون كفانا خلافا على الوهم. فلم تبق لنا إلا هذه الوحدة الاسلامية، فلماذا نقوم بانتهاك حرمتها؟

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 146 - الأربعاء 29 يناير 2003م الموافق 26 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً