العدد 146 - الأربعاء 29 يناير 2003م الموافق 26 ذي القعدة 1423هـ

شارون: اقتل تربح

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

فوز ارييل شارون في الانتخابات الاسرائيلية توقعته مختلف استطلاعات الرأي. فالجديد ليس فوز الليكود بل هزيمة حزب العمل وتراجعه إلى أقل من التوقعات. والجديد الآخر هو تأكيد الناخب الاسرائيلي ميله الدائم إلى اختيار التطرف والاكثر تطرفا، وتغليبه عامل الأمن على الاقتصاد وخيار الحرب على السلم.

المشكلة اذن ليست في نهج سياسي متطرف يريد كسب المزيد والتنازل عن القليل بقدر ما تتعلق بطبيعة «المجتمع الاستيطاني» الذي قام اصلا على اساس مصادرة ارض الغير والاستيلاء عليها ويريد المزيد من الارض لاستيعاب المزيد من المستوطنين المهجرين من مناطق مختلفة من العالم. فأصل الدولة هو الميل الدائم نحو تحقيق فكرة ايديولوجية تدّعي ملكية وطن باسم «ارض الميعاد». وفي «المجتمع الاستيطاني» يتغلب دائما الايديولوجي على السياسي، والفكرة على الحق، والسيطرة على العدالة. فالاختيار بين الليكود وغيره ليس اختيارا بين عدالتين بل بين احتلالين. شارون طرح على الجمهور الاسرائيلي الاحتلال الموسع والقابل للتوسع باسم الأمن وميتسناع طرح تصغير الاحتلال والاكتفاء بالحد الادنى مما هو قائم باسم الاقتصاد. الاول يريد استكمال الحرب برفض الانسحاب الى حدود القرارات الدولية ويطمح نحو توسيع دائرة الاحتلال لضمان عدم الانسحاب من اراضي 1967، والثاني يريد استمرار الاحتلال من دون حرب عن طريق القبول بما هو معروض دوليا وتحصين الاحتلال بزيادة رفاهية المستوطن، وتحسين ظروفه المعيشية.

الناخب الاسرائيلي اختار الأول ومال نحو تأييد الاحتلال وتوسيعه عن طريق الحرب ما دام المناخ الدولي والسياسة الاميركية والظروف الاقليمية مناسبة لكسب المزيد من الارض لتوسيع رقعة الاستيطان. فالناخب يدرك ان تطرفه ليس مغامرة في مجهول بل هي جزء من فضاء اميركي اكثر تطرفا، يريد الاطاحة بالاستقرار القائم وإعادة رسم خريطة المنطقة السياسية، ويعطي فيها «اسرائيل» موقعا متقدما في استراتيجيته الهجومية.

هنا بالضبط تكمن خطورة تجديد الثقة بشارون وسياساته. فشارون في العام 2003 ليس معزولا كما كان الامر بعد اجتياحه لبنان حين كان وزيرا للدفاع في العام 1982. آنذاك كانت الظروف الدولية مختلفة وسياسات الولايات المتحدة مراقبة سوفياتيا، و«اسرائيل» غير قادرة على استخدام قوتها الكاملة في حرب شاملة ضد مجموع الدول العربية المحيطة بها.

الآن اختلف الوضع. فأميركا تتصرف بحرية في منطقة «الشرق الأوسط» والاتحاد السوفياتي انهار وتراجعت المراقبة الدولية على سياسات واشنطن، و«اسرائيل» اعطيت صلاحيات كاملة وحرية التصرف في حال تعرضت لهجوم عراقي بالصواريخ أو لهجوم من لبنان يشنه حزب الله. فـ «اسرائيل» في مفهوم اشرار الحزب الجمهوري الحاكم ليست مخالفة للقرارات الدولية لأن المعركة في رأي «البيت الابيض» هي الحرب على الارهاب بعيدا عن رقابة الامم المتحدة، ومن دون العودة اليها في حال قضت الضرورة «الامنية» ذلك. فشارون اليوم هو حليف استراتيجية الحزب الجمهوري وهو الشخص المناسب لتحقيق بعض الجوانب الاقليمية من تلك السياسة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة... والمتوقع من شارون ان يقوم بتدفيع الشعب الفلسطيني المقهور والمطرود، وربما بعض الشعوب المجاورة له وللعراق ثمن تلك الاستراتيجية الانقلابية المتهورة التي تخطط لها واشنطن على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مكان.

الليكود اذن في المعادلة الدولية الراهنة هو اقرب إلى نهج الاستراتيجية الاميركية من حزب العمل، وواشنطن تفضل استمرار تعاملها مع حليف عنصري متطرف وعلى اطلاع على سجله الاجرامي من التعامل مع حليف مجهول وغير واضح في اختياراته الدولية والاقليمية. وهنا بالضبط تكمن مشكلة حزب العمل. فهذا الحزب هو رمز الدولة ومؤسسها الحقيقي وهو خاض كل حروبها العدوانية على الشعب الفلسطيني والدول العربية وانتصر فيها كلها ما عدا حرب 1973 حين خرج منها نصف منتصر. وبعد تلك الحرب فقد الناخب الاسرائيلي ثقته في الحزب المؤسس وبدأت تصعد أسهم الليكود مستفيدا من تقصير حزب العمل في حرب اكتوبر/ تشرين الأول.

ومنذ تلك الحرب اصبح حزب العمل يتأرجح من الاول إلى الثاني ومن الثاني إلى الاول، يتقاسم السلطة مع الليكود احيانا بقيادته ثم يتقاسمها احيانا بقيادة الليكود. وبسبب ذاك التأرجح تخلى حزب العمل عن نهجه المستقل لضمان شراكة الليكود والبقاء في السلطة الامر الذي شجع الجناح المتطرف على تحسين مواقعه في الليكود والعمل معا. فالتحالف بين القوتين انهى تيار السلم وعزز مواقع تيار الحرب. وانتهى الامر إلى ضياع استراتيجية العمل وتبعثرها إلى اجنحة متطرفة تضغط نحو المزيد من تثبيت نهج الاستيطان على الانسحاب من الاراضي المحتلة.

ادى غموض سياسة حزب العمل من المسائل الثلاث الرئيسية وهي: القدس، ومصير المستوطنات في عزة والضفة، وموضوع عودة الفلسطينيين ووقف تهجير اليهود من العالم... إلى وضوح سياسة الليكود وتأكيدها كأساس للشراكة في قيادة الدولة.

وضوح استراتيجية الليكود اضافة إلى اختلاف المناخ الدولي عززا الخيار الشاروني عند الناخب الاسرائيلي. فشارون يغلّب الامن على الاقتصاد والحرب على السلم. وشعاره اقتل تربح. والهجوم افضل وسيلة للدفاع... حتى لو كان الهجوم مغامرة والمزيد من الموت. فالقتل عند شارون هو مصدر الربح وكسب ثقة الناخب الاسرائيلي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 146 - الأربعاء 29 يناير 2003م الموافق 26 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً