العدد 146 - الأربعاء 29 يناير 2003م الموافق 26 ذي القعدة 1423هـ

بين العولمة والكولونيالية

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في إحدى مداخلاته المهمة واللامعة أثار المفكر الأميركي الحر نعوم تشومسكي، في معرض تناوله لموضوعتين مهمتين - نحن الآن ضمن استهدافهما باعتبارنا شعوب عالم ثالث - وهما العولمة والإرهاب، أثار مسألة التلازم والترافق المنطقي ضمن مكنة عملت على الإفراط في التعامي عن وجود كائنات وبشر وشعوب وبيئات خارج الحدود التي انبثق منها ووصّف فيها مصطلح ومفهوم العولمة، وبشطب متعمد لكل الموروث والأسس التي تكونت ونمت فيها ذهنية الشعوب التي يراد لذلك المفهوم أن يقتحم بيئاتها وحدودها، ليصل الى تلك المتلازمة المنطقية عبر النتائج الكارثية التي تحققت والمفهوم لم يتعد مجاله وحدوده التجريبية التي أثبتت حقيقة وجود توجهات كولونيالية في صورتها المتحكمة عن بعد - كولونيالية تتصدى لها الآلة والأزرار، لإعادة أمجاد الكولونيالية المقبورة. يؤكد تشومسكي انه من الخطأ التوقف عند حدث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، باعتباره شاهدا كونيا أو رد فعل دمويا على مخطط لم يبلغ بعد خطوة (في قارة من الخطوات) بل لابد من العودة الى الثقافة التي قامت عليها تلك الكولونيالية من دون إهمال شواهدها التاريخية. وربما يكون نابليون بونابرت أول واضع لأسس تلك العولمة ليس عبر طموحاته العسكرية التي لم تعرف الحدود، ولكن عبر استعداده للتشكل وأحيانا الامتزاج مع هوية المكان وموروثه. المكان الذي احتلته جحافله تحت أكثر من شعار ولافتة.

المتلازمة المنطقية بين العولمة والإرهاب تكمن في صورة الفوضى التي تجتاح العالم... ثمة انهيار لمفهوم النظام والقانون، وذلك الانهيار وبقراءة سريعة يكشف عن أن مبعثه الدول/الدولة التي أسهمت في فترة من فترات تاريخها في التمهيد لهما وقيامهما (النظام والقانون)... فيما هي اليوم تمعن تجاوزا وقفزا واستفزازا لحضور وقيمة الكائن البشري خارج حدود الدول/الدولة التي استنسخت مفهوم العولمة من التوجه الكولونيالي البونابرتي.

في مداخلته تلك - في إحدى الجامعات السويدية - لم يفصل تشومسكي العولمة عن الإرهاب (الأميركي) قبل الحادي عشر من سبتمبر، بدءا بفرق الاغتيال السرية التي أمعنت قتلا وفسادا في الداخل الأميركي وليس انتهاء بانتهاك حدود الدول وقيام ما يعرف بـ «صناعة سقوط الأنظمة» التي هندسها (روميل) السياسة الأميركية هنري كيسنجر.

مفكر ومثقف بوزن تشومسكي الذي يعد في مقدمة أهم 10 مفكرين في القرن العشرين، لا تصدر عنه مثل تلك الرؤية بهدف استعراض امكاناته وأطروحاته التي تحظى باحترام دولي على مستوى الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية، بقدر ما هي قراءة عميقة لإمكانات وأطروحات الإدارة الأميركية في ظل انهيار نظامي وقانوني دولي لم يسهم فيه فقط تردي الأوضاع والسياسات في العالم المتخلف، بل أسهم فيه تراجع الإرادات فيما يسمى بالعالم المتقدم

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 146 - الأربعاء 29 يناير 2003م الموافق 26 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً