العدد 146 - الأربعاء 29 يناير 2003م الموافق 26 ذي القعدة 1423هـ

الديمقراطية «حسنة» مادامت شعارا!

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

منذ الانفتاح السياسي والكل يتغنى بالديمقراطية ويصفق لها ويكتب عنها ويبشر بها ويفخر بالانتماء إلى شعارات وأسماء وبرامج تحتوي على كلمة الديمقراطية. إلا أن البعض يبدو أنه لا يعارض الديمقراطية مادامت مجرد شعار جميل يتغنى به، ومادام هذا التغني يوصل إلى منصب إداري أو وزاري أو مجلس شورى أو نيابي أو أية ميزة مادية، فلا بأس بها شريطة ألا تتحول إلى عملية ديمقراطية تحتوي على محاسبة ومسئولية.

هكذا يبدو الوضع لدى عدد من الذين تسلموا مناصب من خلال التعيين أو الانتخاب، وهكذا بدا يتعامل هؤلاء مع الآخرين: استعلاء، وابتعاد عن الواقع، واستمتاع بالسلطة والنفوذ، وتهديدات لهذا أو ذاك، واعتداد بالنفس بصورة مبالغ فيها، بحيث أصبحت ممارسات البعض مجالا للتندر والطرفة.

الديمقراطية تعني قبول المحاسبة من الآخرين، وتعني تقديم البرامج أمام ممثلي الشعب، وتعني قيام ممثلي الشعب بدورهم في مساءلة المدير والوزير، وتعني عدم الترفع عن الناس بمجرد الوصول إلى موقع سلطة.

الممارسة الديمقراطية لكي تنجح، بحاجة إلى برلمان قوي وأعضاء برلمان أقوياء يتحملون المسئولية بجدارة ولا يكونون آخر من يعلم بتجاوزات هذا أو ذاك. والممارسة الديمقراطية بحاجة إلى الصحافة المستقلة التي لا تخاف من المتسلط الذي تسلم منصبا وزاريا أو إداريا، واعتقد أن بإمكانه التصرف كما يشاء من دون حساب.

الممارسة الديمقراطية هي توازن القوى واحترام النخب المتنفذة لبعضها بعضا، وخضوع هذه النخب لمساءلة ممثلي الشعب، ومساءلة الصحافة التي توفر مجالا واسعا للحوار والرد والجواب.

بعض الوزراء يرفض التصريح للصحافة، بل يلجأ إلى أساليب الغمز واللمز، معتقدا أنه صاحب ذات مقدسة أو ذات ملكية غير قابلة للمساءلة. هؤلاء يعتبرون الوصول إلى منصب وزاري هدفهم في الحياة، ولذلك فإن أية محاولة للاستفسار عن بعض ما يقومون به يعتبرونها إهانة وتحديا «لسلطانهم» العقيم.

الوزير الذي يعتقد أنه أعلى من الناس وأعلى من عضو البرلمان وأعلى من عضو المجلس البلدي وأعلى من الصحافة سيكتشف يوما ما (وبعد فوات الأوان) أنه ليس أعلى من أحد غير ظله الذي يرافقه في عزلته عن مجتمعه.

الوزير الذي يرفض الانفتاح على المساءلة ليس له الحق في أن يعاقب عضو البرلمان، أو الصحافي عندما يتحدث في أمور من وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظره، لأن الدنيا خلقها الله بكل ما فيها من إمكانات للتنفس والتفكير والحديث، وهي ليست ملكا لهذا الوزير أو ذاك المدير.

إن من حق المواطن أن يعرف لماذا توجد لدينا عدة وزارات تقوم بالدور نفسه، ولماذا لا يتم تقليص هذه الأجهزة التي تكلف الموازنة كثيرا؟ لدينا إمكان لدمج أربع وزارات في وزارة واحدة ونتخلص من تضارب القرارات.

إن من حق المواطن أن يستفسر عن فائدة تشييد إمبراطوريات لكل وزير جديد أو قديم، ولماذا يحاول كل «إمبراطور» أن يثبت أنه أكبر من «الإمبراطور» الآخر...؟

إن من حق الشعب أن يستفسر عن جدوى ما يقوله بعض المسئولين، وعن غايات بعض البرامج المطروحة...

إن من حق الشعب أن يسأل: لماذا تتوسع البيروقراطية بدلا من أن تتقلص. إن من حق الشعب أن يسأل عن الحسابات المدققة لكل هيئة عامة، وأين يذهب كثير من الأموال، وفي أي مجال؟ وفي الوقت الذي نود ألا نكون فيه كالذين تحدث عنهم المثل الشعبي «إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه»، فإن من حقنا أن نسأل عما يتكشف لنا لنكتشف القضايا المشابهة التي تحدث في أماكن أخرى. فالاستقالات وتحويل شخص ما إلى مستشار وعدم تجديد عقد وإحالة شخص ما إلى التقاعد وعدم مساءلة شخص في منصب عالٍ بعد أن اعتقل الشخص الذي ليس له منصب مهم، على رغم وضوح الأدلة ضد الحالين، وعدم احترام هذا المسئول أو ذاك للمواطنين أو لمن كتب لهم القدر أن يعملوا في وزارته أو إدارته، أمور يجب ألا نمر عليها مرور الكرام إذا أردنا ديمقراطية حقيقية، وليس فقط للشعارات والتصفيق

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 146 - الأربعاء 29 يناير 2003م الموافق 26 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً