العدد 146 - الأربعاء 29 يناير 2003م الموافق 26 ذي القعدة 1423هـ

الدول الخليجية والارتباط بالعالم

فقط عن طريق قاعدة سياسية محلية تتحلى بالصدقية وتمتلك رؤية واضحة للنظام الاقليمي السياسي والاقتصادي، تكون دول الخليج (والشرق الأوسط عموما) جاهزة لإعادة الارتباط بالعالم بطريقة بناءة وشاملة. والهدف النهائي هو أن يتم عرض رؤية تقدمها المنطقة لنفسها والعالم، تهدف إلى اعادة بناء الشرق الأوسط اقتصاديا وإعادة تأهيله سياسيا، وليس تدميره بالحرب.

وتعتبر المبادرة الأوروبية المتوسطية خير مثال على الارتباط الاقتصادي بين مختلف المناطق. ويمكن أن يمتد ذلك ليشمل كل الشرق الأوسط تحت مظلة مشروع مشابه لـ «مشروع مارشال»، وقد يكون ذلك البداية عن طريق أوروبا وآسيا وليس بالضرورة من خلال الولايات المتحدة. على أن تهدف الاستراتيجية الجديدة إلى خلق بيئة وحوافز مشجعة لشراكة اقتصادية ذات مغزى مع كل من أوروبا، والصين، اليابان، ومن المحتمل روسيا. وفي نهاية الأمر يكمن التحدي في اعادة بناء كل المنطقة من المغرب إلى باكستان. وكما تبين في العقود الماضية، فإن ترك أي جزء من المنطقة يتقيح كجرح، سواء كان ذلك لبنان، الجزائر أو أفغانستان يترك كامل المنطقة معرضة للثورة والارهاب والفوضى الاقتصادية والتدخل الخارجي.

يجب ألا تعني هذه الرؤية استثناء الولايات المتحدة، بل على العكس ضرورة اعادة الارتباط بالولايات المتحدة لأنه سيكون مفتاحا رئيسيا لاعادة الارتباط بالعالم. إلا أن إعادة الارتباط بالولايات المتحدة يجب أن يتم عبر اشراك جمهور أوسع من داخل الولايات المتحدة أكثر مما مضى. يجب على المنطقة ايصال رسالتها إلى الشعب الأميركي أولا، عند ذلك فقط سيجد العالم العربي آذانا صاغية في واشنطن. في هذه الحقبة من الاهتمام المتزايد والفضول حول كل ما يتعلق بالشرق الأوسط، والعرب والمسلمين، يستمع الشعب الأميركي إلى أراء معلقين معظمهم من المعادين للعرب ويتلقى الاجابات عن معظم تساؤلاته من هؤلاء. ونادرا ما كان دافع الفضول بحد ذاته كافيا للايضاح والتثقيف. وإذا أخذنا في الاعتبار المزاج السائد الآن في واشنطن، فإن أي دعوة مباشرة لمشاركة أميركية في إعادة بناء اقتصاد المنطقة تحتاج إلى انفتاح حقيقي واصلاحات فعلية ومقنعة.

إن الاستراتيجية البناءة في هذه الحال تتمثل في خلق وتقديم أفكار ايجابية عن اعادة البناء الاقتصادي والشراكة الاقليمية بتغيير (ومن المفضل تعرية ) وجهات النظر السلبية التي يدافع عنها صقور المحافظين الجدد. إن التحذير والشكوى الصادرة عن كثير من العرب ليسا سببا كافيا لإحداث تغيير في سياسة الولايات المتحدة. فقط عبر بناء وصوغ رؤية بديلة للشرق الأوسط عما هو قائم الآن وتقديمها إلى العالم والولايات المتحدة تستطيع المنطقة قلب الموجة الحالية لصالحها. هذه العملية ستساعد حتما في تجديد التحالفات الاستراتيجية مع واشنطن والتي قد تكون مفيدة للولايات المتحدة في النهاية.

إن إعادة الارتباط بالعالم تتطلب أيضا اتخاذ بعض القرارات الصعبة. ومعظم الاصلاحات الداخلية التي تم ذكرها سابقا هي شروط أساسية لمشاركة أساسية وذات مغزى على الصعيد العالمي. فضلا عن ذلك، على المنطقة الانفتاح فعليا، إذ على رغم كل المظاهر الايجابية وبعض الاستثناءات، فإن منطقة الخليج ليست منفتحة فعليا أمام الاستثمارات الخارجية المباشرة، فبعض من هذه الاقتصادات مقيدة بقوانين وأنظمة مباشرة والبعض الآخر مقيد بعوائق مثل البيروقراطية، وقيود الاجراءات. والانفتاح لا يعني بالضرورة الخصخصة، ولا يعني بالضرورة إعطاء حصص ملكية موارد النفط والغاز للشركات الأجنبية. انها تعني الترويج لمناخ تجاري تنافسي نشط ترغب الشركات الأجنبية في العمل فيه، ويصبح المناخ هدفا واضحا تعترف به كل القواعد والأنظمة التي تحكم الاستثمار الخارجي.

إن عدم الانفتاح يعني أن تعزل المنطقة نفسها وهذا يصب في طاحونة من يعملون على عزلها وخنقها. في الوقت الذي أصبح العالم كله منفتحا عمليا، فإن ابقاء دولة أو مجموعة دول غير منفتحة واستثناءها من النشاط التجاري العالمي، والرأسمال، والتكنولوجيا، ومهارات الادارة، والابداع في العمل، والمزايا التنافسية، وأفضل الممارسات... وإلى ما هنالك من فوائد، هو نوع من أنواع الخنق والتدمير البطيء. ونجد مثلا دولة قطر فهي منفتحة في القطاعات الهيدروكربونية الصغيرة (الغاز الطبيعي)، ولكنها منغلقة نسبيا في القطاعات الأخرى. على عكس البحرين ودبي، اللتين نشأ لديهما حافز للانفتاح في القطاعات الأخرى بسبب صغر حجم القطاعات الهيدروكربونية. أما مشروع الغاز السعودي والذي ابتدئ العمل فيه قبل 11 سبتمبر/أيلول تعرض للكثير من النكسات أخيرا، فيجب أن يعاد العمل به بأسلوب عملي أكثر وأن يتم تحريره من مجموعة كبيرة من العوائق البيروقراطية والإجرائية التي ابتلي بها سابقا. فضلا عن ذلك، يجب أن يتم العمل على تخطيط وتنفيذ انفتاح أكبر وذي مغزى في كل دول الخليج بحيث يتخطى القطاع الهيدروكربوني إلى قطاعات أخرى مثل القطاعات المالية والسياحية.

إن إعادة الارتباط بالعالم تتطلب فهمه بشكل أفضل. وتستطيع كل دولة في المنطقة، الاستفادة من النكسة الحالية كفرصة لتطوير مهارات التحليل وجمع المعلومات عن التغيرات الهائلة في الأوضاع الاقليمية والدولية. ويتطلب ذلك رصد وفهم التحولات الضمنية العميقة للمصالح الجيوبوليتيكية والتجارية التي تتسبب بهزات على السطح. وعلى أقل تقدير، يجب أن تتمتع كل حكومة في المنطقة بقدرة على التحليل المتواصل في عدة مناطق رئيسية، ومنها:

(أ) التركيز على الأوجه الاستراتيجية والهيكلية لمشروعات الطاقة العالمية واتجاهاتها، بالاضافة إلى الأوجه التجارية وسياسة السوق. إذ أن الدول غير النفطية تمتلك خبرة في المجال التجاري. بينما لم يتم التركيز على الأبعاد الاستراتيجية والهيكلية لسوق النفط.

(ب) المحركون الجيوبوليتيكون للعلاقات الثنائية الرئيسية في المنطقة، بما في ذلك (اسرائيل) - تركيا، وروسيا - «إسرائيل»، وروسيا - تركيا، وايران - روسيا، وباكتسان - أفغانستان.

(ج) دلائل ومنافع الروابط الاقتصادية والسياسية المتقاربة بين دول المنطقة الدول الأوروبية والصين وروسيا.

(د) الولايات المتحدة، نظامها السياسي وقيمها وطريقة عملها والتعامل معها.

إن الحاجة إلى فهم العالم ليست مطلبا للحكومات فقط بل هي مطلب للشعوب أيضا. وضمن سياق النقاش السياسي الناتج عن المشاركة الواسعة الذي يدعو إليه هذا البحث، من المهم أن يتم اطلاع الشعوب بشكل عام على الشئون العالمية. وذلك يعيدنا إلى قضيتين مثيرتين للجدل هما: التعليم والاعلام. هناك القليل مما يتم تدريسه في جامعات الخليج عن الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص. وإذا أخذنا التأثير الذي تمارسه الولايات المتحدة على المنطقة، نرى أنه يجب أن يكون في كل جامعة على الأقل وحدة «دراسات أميركية» بحيث تشمل تاريخ وثقافة والتاريخ السياسي الراهن للولايات المتحدة. وهذه هي الخطوة الاساسية التي يجب القيام بها للتخلص من بعض الاساطير التي تتميز بالجهل، والتي يواجهها زائرو المنطقة بشكل مستمر. هناك ضرورة لفهم الولايات المتحدة، بغض النظر عما إذا كان ينظر اليها باعتبارها عدوا لدودا أو حليفا استراتيجيا محتملا، أو دولة يجب إعادة ارتباطها بالمنطقة من جديد. إن جهل العالم العربي بحقيقة أميركا وكيف تعمل يشابه إلى حد كبير جهل المواطن الأميركي العادي بالشرق الأوسط. إلا أن منطقة الشرق الأوسط تدفع ثمن هذا الجهل أكثر مما يدفعه الأميركي العادي.

وأخيرا تتطلب اعادة الارتباط بالعالم مهارات اتصال أفضل واستراتيجية معينة تمكن من الوصول إلى جمهور عالمي أوسع بكثير مما هو عليه الوضع الحالي. إن الغالبية الواسعة للمعلقين وصناع الرأي العام الذين يستمع اليهم الشعب الأميركي هم غير عرب وغير مسلمين، وهم يعطون وجهات نظرهم إلى الشعب الأميركي عن الاسلام والعداء لأميركا في العالم العربي، وعن خطر الارهاب الاسلامي المتطرف. ولا يمكن القول إن الحضور العربي في وسائل الاعلام خارج الولايات المتحدة يعتبر مثيرا للاعجاب. إذ على رغم عدم تأثر الرأي العام الأوروبي باللوبي الصهيوني وبالمعلقين الذين ينتمون إلى تيار المحافظين الجدد، فإنهم مثل الجمهور الأميركي لا يحصلون على معلومات من الجانب العربي الذي قلما يقوم بواجبه ويطرح قضاياه.

الكويت - فاهان زاتويان

العدد 146 - الأربعاء 29 يناير 2003م الموافق 26 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً