العدد 146 - الأربعاء 29 يناير 2003م الموافق 26 ذي القعدة 1423هـ

مهرجان الجنادرية... مراجعة نقدية

القطيف - حسن المصطفى 

تحديث: 12 مايو 2017

جاء مهرجان الجنادرية هذا العام مؤسلما كما يحلو للبعض أن يعده، كونه ركز في محوره الأساسي على قضايا تتعلق بالإسلام وإشكالاته، متبنيا شعارا كبيرا وفضفاضا «هذا هو الإسلام». هذا الشعار الذي رفعه المهرجان - وعلى رغم أهميته - إلا أنه أربك الفعاليات، بدءا بالأوبريت وانتهاء بالأمسيات الشعرية، وخصوصا الأمسية الشعرية الثانية للشعر الفصيح، والتي ثار بشأنها جدل بين أوساط المثقفين وفي الصحف المحلية.

خلل كهذا كان بالإمكان تجاوزه، فيما لو استفيد من الخبرات المتراكمة للسنوات الفائتة، وبقراءة بصيرة لحاجات الداخل الثقافية، وما من الممكن تقديمه للخارج من خطاب ثقافي يمزج بين المحلية والعربية، من دون أن يظل أسير الأولى، ومن دون أن يكون فضفاضا يحوم في مفاهيم نظرية عامة لا تتقاطع مع المعاش والواقع في كثير منها. من هنا يلاحظ أن مهرجان هذا العام أتى خافتا، لا يلبي طموح المثقف المحلي، ولا يواكب ما وصل إليه الفكر العربي من نتاج ومعرفة، بل نراه ناقش جزءا من قضاياه بمدرسية وكلاسيكية مفرطة، لا يمكنها أن تخلق لها مريديها الحقيقيين والناضجين، فضلا من أن تصنع وعيا متجاوزا.

قضايا كثيرة طرحها محور «هذا هو الإسلام»، وهو الشعار الكبير الذي لا يمكن لأحد أن يدعي امتلاكه، أو الإجابة عليه، أو الجزم بتفاصيله ومطلقاته، وسبب ذلك بسيط، كون القراءات متعددة، والفهم متنوعا، والاجتهادات كثيرة، حد التباين والتضارب. فأي إسلام يراد أن يشار إليه ويحكى عنه ويؤخذ منه؟، فيما الساحة تضج بإسلامات متعددة، من إسلام بن لادن، وملا عمر، حتى إسلام حسن البنا وسيد قطب، مرورا بإسلام محمد إقبال، وعلي شريعتي، وصولا إلى إسلام حزب الفضيلة التركي. وبمعنى آخر، إسلام يمتد من الأصولية الجهادية التكفيرية، حتى العلمانية الاجتماعية أو الروحانية، وبينهما الكثير من الأطياف والاجتهادات.

ضمن هذا المحور، نوقشت مسائل تتعلق بالإرهاب وعلاقته بالإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمؤسسات الخيرية، والفضائيات العربية، والجهاد في الإسلام، وعلاقة الإسلام بالعالم...وسواها من قضايا تعتبر موضوعات إشكالية في الداخل الإسلامي، وفي الإعلام الغربي، كونها تبتني عليها مقولات التطرف الإسلاموي، وبنية الحركات الجهادية.

محور كهذا وعلى رغم جدته، كان بالإمكان أن تعقد له ندوة مكثفة خاصة، تقدم فيها بحوث جادة، وأوراق عمل، تأخذ صيغ مقترحات ومقررات، لأن بحثها في هذا الشكل الهلامي، لن يضيف للمتلقي شيئا، لأنها نوقشت كثيرا في الفضائيات، والصحف، والمجلات، والديوانيات، فضلا عن كونها أربكت المهرجان في جزء غير يسير منه، وجعلت فعالياته الفنية والمسرحية والشعرية وكأنها بمعزل عنه، وكأنها هامش الهامش.

فيما يتعلق بالشعر، والأمسيات المخصصة له، جاء المهرجان ليكرس الثقافة الشفهية، متماشيا مع ذائقة الجمهور العامة، محتفيا بالشعر الشعبي النبطي كونه الأبرز حضورا، والأكثر حظوة، ومن تعمل المكنة الإعلامية على تسويقه. والمهرجان وعبر أربع أمسيات كرس نصفها للشعر الشعبي، لم يستطع أن يجعل للشعر الفصيح نصيبه ومكانه. قد يقال إن الشعر الفصيح أعطي أمسيتين، مثله مثل الشعبي، لكن من يلحظ الأمسيتين يجد مدى الخلل في التنظيم، باستثناء الأمسية الأولى للشاعر غازي القصيبي، والتي على رغم عاديتها فنيا، فإنها كانت ناجحة موضوعا وتنظيما. فيما الأمسية الثانية، اكتظت بأربعة شعراء من اتجاهات مختلفة، متراوحة بين البحريني قاسم حداد بتوجهه الحداثي، والسعودي عبد الرحمن العشماوي بتوجهه الإسلامي، والمغربي علي الصقلي بكلاسيكية التقليدية، والمصري أحمد سويلم بحسه العروبي. فيما الأمسيتان الشعبيتان احتضنتا أربعة شعراء في كل أمسية، ضمن نسيج متوالف لا يبين فيه أي نفور.

هذا الخلل الشعري، امتد مسرحا، فكان المسرح ضمن الهامش أيضا، من دون أن يعنى به تنظيما وإعلاما. ومأزق المسرح في الجنادرية جزء من مأزق محلي ينظر إليه بوصفه وسيلة ترفيه لا أكثر، وهو في المهرجان نوع من الديكور لا يرقى لأن يعد منشطا ثقافيا.

المرأة أيضا، كعادتها، أتى نشاطها مبتسرا، ومقتصرا على ثلاث ندوات، وأمسية شعرية واحدة، بمعزل عن الفعاليات الرجالية، تكريسا لعملية الفصل القائمة فعلا ضمن بنية وثقافة المجتمع، وهي إن حضرت في بعض المداخلات ضمن النشاط الرجالي، فإن حضورها يقتصر على المشاركة اللفظية عبر الميكروفون من مكان تواجدهن في الصالة المخصصة لهن. في الوقت الذي كان بإمكان مهرجان معرفي كالجنادرية أن يكسر من طوق العزلة، ومن الفصل الحاد بين الرجل والمرأة، ليخرج الثقافة التقليدية من رتابتها.

كل ذلك جعل المثقف المحلي يغيب تدريجيا عن المهرجان، ليقتصر الحضور على شريحة محدودة ضيقة، تتمثل في صنفين من المثقفين: المثقف الكلاسيكي التقليدي، والمثقف الديني النمطي، وكلا الفئتين لا يمكنها أن تمثلا المثقف المحلي وما وصل إليه من معرفة، ومن نتاج فكري وأدبي. أسماء كثر لا تجدها حاضرة: عبدالله الغذامي، معجب الزهراني، عبده خال، سعد الحميدين، محمد العلي، علي الدميني، إبراهيم الحسين... وسواهم، والأسباب متعددة، بين منتقدي سياسة المهرجان ونشاطاته، وبين يائس من تغيير النمطية السائدة، وبين متبرم من إقصائه، أو معترض على تغليب طرف أو جماعة على أخرى.

ربما يكون النقد الذي وجه إلى المهرجان في الصحف المحلية، وحتى في الصحيفة الراعية له «الشرق الأوسط»، قاسيا بعض الشيء، إلا أنه لم يكن وليد عدم محبة أو موقف مسبق، وإنما نتيجة حال من الإحباط تولدت بسبب تكرار أخطاء السابق، فيما المنتقدون يأملون أن تكون المهرجانات القادمة أحسن حالا، وتلك مسئولية المنظمين، فهل يقتنعون بذلك ؟





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً