العدد 146 - الأربعاء 29 يناير 2003م الموافق 26 ذي القعدة 1423هـ

مرثية غاضبة لعالم قبر الديمقراطية وحقوق الإنسان

مقالات في زمن الردة...

كانت الجرأة النفسية، ومحاسبة الذات أولا، وملاحقة الأخطاء أينما كانت، والتنظير الثقافي لمقولات المشهد السياسي القائم حاليا المكون الأساسي لكتابات الموسوي. وكانت إسهاماته الأولى في الكتابة الصحافية مدشنا لانخراط المثقف الديني في معالجة الحدث العام برؤية صحافية لا تخلو من التزام جلي بالسياسة ومحركاتها التكتيكية. وكان واضحا منذ البداية أن هذا الاتجاه بالنسبة إلى رجل دين منخرط في الدراسة الحوزوية التقليدية سيكون مدعاة لتهم جديدة وربما حملات مناوئة تشكك في القدرات وفي صحة الخيار والتوجه. وبحسب الجاهزية النفسية والذهنية التي يتوافر عليها الموسوي أثبت إلى حد ما قدرته على تجاوز تلك التهم وتحويط الحملات المشوشة الملقاة عليه، وأسعفه على إنجاح ذلك تأكيده الدائم لخيار الانحياز للطبقات الفقيرة والمحرومين، وتوجهه نحو موالاة الخير والحق أينما كان وبأية طائفة تلبس، وهو ما جعله كاتبا شعبيا يحوز إقبال القراء الذين توقعوا منه كل جديد ومفاجأة صبيحة كل يوم.

وأحسب أن الكتاب الأول للموسوي الذي يجمع فيه مجموعة من مقالاته الصحافية السابقة، يشكل مادة أولية مناسبة للشروع في استنطاق جاد لطبيعته الثقافية واستكشاف الملامح العامة لتوجهاته في التعبير السياسي والثقافي، لاسيما أن مقالات الكتاب تتضمن الكتابات النموذجية التي بوسعها أن تمنحنا فرصة جاهزة لمعرفة المخفي واللامكشوف من هذه الكتابات، وربما بالتالي يصبح ممكنا معرفة الكثير من الشواغل والموضوعات التي تزخر بها أوساط العامة التي هي مبتغى الموسوي في كتابته الصحافية. على أن إخفاقا لابد من احتماله مادمنا ـ في النهاية ـ بصدد كاتب جديد، ومحاولة غير مسبوقة محليا في تعاطي رجل الدين المباشر السياسة اليومية وفقا لأدوات الصحافة واشتراطاتها الحرفية. فمثل هذه الملاحظات تجعلنا مأسورين بمرغوبية تبحث في زلات البدايات العادية والتدشين المبكر المهجوس بالترقي وتحقيق المزيد.

«مقالات في زمن الردة» حصيلة من المقالات المنشورة في الصحافة المحلية منذ أكثر من عام ونيف، وهي تتوزع على جملة من الهموم المحلية والإقليمية والعالمية، وتتنقل موضوعاتها بين السياسة والثقافة والإسلاميات. ومن خلال عنوان الكتاب يقدم الموسوي مرثيته الغاضبة للواقع العالمي الذي أقبر الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد قطيعة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول التحولية، وبدء استشراء الخطاب المعادي للشعوب المستضعفة وتجهيز الولايات المتحدة الأميركية القوة الهجومية الغاشمة لمحاصرة الجيوب المقاومة الحية في فلسطين ولبنان وأفغانستان وغيرها.

يتوزع الكتاب على ثلاثة محاور، الأول يحمل عنوان (بحرينيات) ويتناول القضايا المحلية المختلفة، إذ يعرض الموسوي ركائز الإصلاح السياسي ومقومات النهوض بالواقع الشعبي والرسمي، مؤكدا رهان الجماهير الواعية والنخبة المثقفة الحكيمة التي تقدم مصالح الشعب ووحدته الوطنية على خياراتها الأيديولوجية والسياسية الخاصة، ويشدد الموسوي على ضرورة الحوار ونبذ الطائفية بأشكالها المختلفة وعدم الانغلاق على الذات راميا سهامه باتجاه ما يسميه بالكباريه السياسي. والمحور الثاني من الكتاب جاء بعنوان (فلسطينيات) ويتطرق إلى الملف الفلسطيني وتداعياته المختلفة، والثالث عنون بـ (قضايا عامة) وشمل موضوعات دينية وثقافية وسياسية واقتصادية عامة، تطرقت إلى المرأة والعمل السياسي وتجاذبات الخطاب بين أزمة التنظير وحقيقة الواقع وغير ذلك.

وفي حين يبقى لمعالجة أسلوب الكتابة والأنا العارفة والواثقة ـ الشائعة في المقالات ـ أرجحيتها المؤجلة من المقاربة؛ فإن المفصح العام لكتابة الموسوي هو القول بالأصالة، وبالتالي الانتساب إلى تيار التأصيلية الإسلامية. ويعبر عن ذلك بلونه الخاص وبأسوبه المشحون بعلامات الاستفهام، إذ يسجل نقده الحاسم لما يسميه بالفكر التغريبي في البحرين، ويعلن أكثر من مرة خطورة التوجهات الفكرية التي تحمل لافتة الحداثة ومصائبها المتوقعة على الأجيال الطالعة، وفي الوقت ذاته لا يكف الموسوي عن التنديد بكل حالات التخلف الديني وما يسميه بالفكر الكهفي، ولا يتوانى في معارضة المفاهيم والانتماءات والتوجهات التي يراها متنافية مع مفهوماته في الوطنية والأصالة الدينية، ويطرح في هذا الوارد مفهوم (المجتمع الإسلامي الأصيل) القائم على مواكبة العصر مع الاحتفاظ بثوابت الدين والعقيدة.

سيد ضياء الموسوي. مقالات في زمن الردة.

بيروت، دار الكنوز الأدبية، 2003، 235 صفحة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً