إن الحديث عن دور المرأة في التنمية لا يقتصر على مفهوم هذا الدور في قطاع العمل بل يتعداه نحو بناء المجتمع وصقل حضارته وبناء مؤسساته والعمل على بناء مجتمع متحضر قوامه العدل والمساواة وتكافؤ الفرص. ومن هذا المنطلق يتطلب البحث في إشكالية دور المؤسسات الاهلية ذات النفع العام والنقابات العمالية المشاركة والمساهمة في عملية التنمية ولا يقتصر ذلك على الاوضاع الاقتصادية أو المساهمة في الاوضاع السياسية ومشاركة المرأة بشكل متكافئ مع الرجل في الحقوق السياسية أو غيرها، ومن هنا يأتي الحديث عن دور المرأة في التنمية ويمكن التطرق إلى ذلك من خلال الكثير من المحاور المهمة.
تعاني المرأة في الوطن العربي مشكلات لا حصر لها، مشكلات مضاعفة، وتواجه قوانين وتشريعات تمييزية، وعليها ان تتحمل المشكلات المجتمعية إلى جانب الرجل مثل البطالة، السكن، تدني الاجور، البيئة، الاوضاع غير المستقرة التي تعاني منها غالبية البلدان العربية.
وعلى رغم بعض التقدم الذي تحقق خلال العقود الثلاثة الماضية فإن واقع المرأة والمجتمع لايزال متخلفا مقارنة ببقية دول العالم الثالث، وفي الواقع الصعب الذي يعيش فيه المواطن العربي بما فيه المرأة من حيث الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أو حقوق الإنسان في العيش بكرامة، أو حقه في الرأي والحريات العامة.
ففي الوطن العربي هناك اكثر من 14 مليون عاطل عن العمل، والامية تصل في بعض مجتمعاته الكبرى إلى قرابة النصف، والتعليم يواجه تحديا.
لقد كشف تقرير التنمية في الدول العربية الصادر هذا العام عن برنامج الامم المتحدة الانمائي، بأن 20 في المئة من سكان الوطن العربي يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، وان نسبة البطالة تصل إلى 15 في المئة، وهي اعلى النسب في العالم، وان نصف النساء العربيات يعانين من الامية، والنمو الاقتصادي هو الاقل في العالم باستثناء دول جنوب الصحراء في إفريقيا، وتراجعت انتاجية الفرد في البدان العربية إلى اقل من نصف انتاجية الفرد في كوريا الجنوبية، إذ كانت تتجاوزها قبل 30 عاما!، وتتضاءل فرص توزيع الدخل بصورة عادلة في ظل استشراء الفساد الادراي والمالي وغياب الشفافية والمحاسبة، وتعاني غالبية الدول العربية من تضاؤل فرص مساهمة مؤسسات المجتمع المدني في السياسة العامة، وعندما يجري التخصيص لبعض القطاعات تتم بطريقة بدائية إذ تدفع العمالة الثمن الاكبر حين تحول إلى طوابير البطالة، والنماذج العربية في الخصخصة ليست غير ايجابية فحسب بل تشوه العملية برمتها.
اننا في الوطن العربي أمام استحقاقات كبيرة وخصوصا بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، فالبطالة في تصاعد، والمنطقة بحاجة إلى خلق فرص عمل لحوالي 50 مليون ملتحق جديد بقوة العمل، وهذا لا يمكن له ان يحصل في ضوء المعطيات التي تواجه فيها الدول العربية تحديات جديدة بعد تفجير مركزي التجارة العالمية بنيويورك، إذ العولمة الامنية والتحول من الاهتمام بالاقتصاد والتنمية المستدامة، إلى الاهتمام بالامن ومحاربة بما يسمى بالارهاب.
وفي ظل هذه المعطيات، تعاني غالبية الدول العربية من سطوة المركزية المتضخمة وغياب الديمقراطية وتردي الاداء الاقتصادي، إذ تزيد التجارة لديها على 10 في المئة من اجمالي تجارتها وبالكاد تستقبل 1 في المئة من الاستثمارات الاجنبية، في وقت تصل فيه الاستثمارات العربية في الدول الاجنبية إلى قرابة 1,2 تريليون دولار.
المرأة والتنمية
خلال السنوات الثلاثين الماضية لم تتمكن المرأة من الخروج من الحال السلبية التي مرت بها في بعض الدول بالاخص في الدول النامية، والمعايير الاجتماعية تشدد على الدور الايجابي للمرأة، واوصلنا حال الفقر والحرمان وانعدام الديمقراطية والتخبط، وهاجس الامن المسيطر على غالبية الدول العربية... اوصلت هذه العناصر إلى عشعشة الامية عن نصف النساء العربيات.
وفي ظل ذلك، ما الآفاق التي تعيش المرأة العربية عليها، أو تسعى من أجل انجازها؟ إن اهم المعضلات التي تعاني منها المرأة التشريعات والقوانين، اضافة إلى الازمات الاقتصادية والسياسية.
فكلما واجه المجتمع صعوبات في العمل، تقلصت نسبة المرأة العاملة فيه، إذ يجري العمل على تقديم الرجال على النساء في هذه المسألة بغض النظر عن الكفاءة والقدرة على انجاز العمل. لذلك، فليس من الغريب ألا تتجاوز نسبة مشاركة المرأة في العمل 25 في المئة في غالبية المجتمعات العربية، وتزايد اعداد البطالة في اوساط النساء نتيجة تلقائية.
لكن المشكلة في المجتمعات الخليجية التي تصل فيها نسبة العمالة الاجنبية إلى اكثر من 72 في المئة من اجمالي العمالة وغالبيتها من الذكور، ما يشكل استنزافا خطيرا في العملة المحلية ويضعف تحريك السوق الداخلي. في ظل ذلك، تواجه سوق العمل الخليجي مشكلة جوهرية هي عدم امكان استثمار فرص العمل للمواطن، اذ تذهب غالبية الفرص الجديدة إلى العمالة الاجنبية الرخيصة التي ترضى بالاجور المتدنية في المنطقة، لكنها مرضية في دولها التي لا تتردد في تخفيض سعر صرف عملاتها امام العملات الاجنبية من أجل زيادة الاعداد المهاجرة منها إلى المنطقة والاعتماد عليها في العملة الصعبة.
إن التنمية الحقيقية التي ينبغي ان تسود في الوطن العربي، تقوم على اسس واضحة واستراتيجيات محددة المعالم والأهداف، إلا ان هذه الاستراتيجية غائبة، ولا تخصص الدول العربية للتنمية الفعلية سوى الفتات، فكيف الحال بوضع المرأة التي تعاني بشكل مضاعف؟.
والمرأة في بلادنا تعاني كل الاشكالات التي تعاني منها المرأة العربية، فنسبة مشاركتها في العمل لا تتجاوز 24 في المئة في ظل وجود عمالة اجنبية تزيد على 62 في المئة من اجمالي العمالة، وفي ظل وجود بطالة تزيد على 14 في المئة، وحال عامة من تدني الاجور وقلة فرص العمل الجديد نتيجة لضعف الاستثمارات في البلاد.
من هنا نجد ضرورة احترام مؤسسات المجتمع المدني وقواه الفاعلة في وضع مرئياتها من اجل الانتقال بواقع المرأة من الحال التي تعاني منها في الوقت الراهن، إلى مواقع اكثر تقدما، وهذا لا يمكن ترجمته إلا بتجاوب واضح من السلطة السياسية التي تمسك بزمام الامور وتمارس دورها المقرر في مختلف المجالات المجتمعية.
أسباب تراجع دور المرأة
في ضوء المتغيرات العالمية في ظل وجود العولمة الاقتصادية والثقافية وغيرها واقتراب تطبيق اتفاق التجارة العالمية ودخول شركات متعددة الجنسيات أصبحت الهواجس الاقتصادية للتنمية أحد المرتكزات الاساسية للتنمية المستدامة في المجتمع، وغياب الوسائل الحديثة والاهتمام باستخدام التكنولوجيا الحديثة بديلا عن الايدي العاملة فرضت وجود وضع اقتصادي ومالي يكون سببا في كثير من الاحيان لتقلص اليد العاملة والاهتمام بها.
وهناك الكثير من الاسباب التي تسبب تراجعا في دور المرأة ومساهمتها في التنمية ومنها:
أ - النواحي الاجتماعية: نظرا لوجود بعض العوائق الاجتماعية والظروف الحياتية القاسية وغياب الكثير من التشريعات التي تساعد المرأة على المشاركة بفعالية والمساهمة في بناء المجتمع.
ب- المسئوليات العائلية بسبب التغيير في الانماط السكانية والاقتصادية في العالم إذ استجدت مواقف في سوق العمل وفي الحياة العائلية.
ويتزايد عمل المرأة في الوظائف مدفوعة الأجر ما قد يؤدي إلى تعارض بين المتطلبات العائلية ومتطلبات العمل وفي كثير من الحالات لا تعفى المرأة التي تلتحق بعمل رسمي من دورها التقليدي في القيام بكامل أو بمعظم المسئوليات في رعاية الابناء وافراد الاسرة الآخرين واعمال البيت كما تعمل احيانا في المشروعات الاسرية فما بالك وهي تقوم بمسئوليات الوظيفة بالاضافة إلى المسئوليات المنزلية ويظهر هذا العبء المزدوج بشكل حاد في الكثير من البلدان، إذ ينظر إلى المسئوليات المنزلية على انها تقع بالكامل على عاتق المرأة ومع ذلك يؤدي الاحتياج للمال إلى دفع المزيد من النساء إلى البحث عن عمل مدفوع الاجر.
وكثيرا ماتكون المرأة هي التي تعول الاسرة بسبب هجرة العمالة وبسبب عوامل اقتصادية واجتماعية اخرى، وفي هذه الحال تتحمل المرأة وحدها مسئولية إدارة البيت والحصول على الدخل.
ج - الاوضاع الاقتصادية والمتغيرات العالمية.
د - الثقافة وأساليب الحياة في المجتمع.
هـ - التشريعات والقوانين.
منظمة العمل الدولية
في العام 1985م اتخذ مؤتمر العمل الدولي الدورة (71) قرارا بشأن تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة للعمال من الجنسين دعا فيه إلى اتخاذ تدابير مكثفة من جانب اطراف الانتاج الثلاثة (الحكومات ومنظمات العمال واصحاب الاعمال) لصالح النساء العاملات وحثت المنظمة على التوسع في مشروعات التعاون الفني لصالح المرأة العاملة في ميادين العمالة والتدريب والعلاقات الصناعية وتشريعات وإدارة العمل والثقافة العمالية والضمان الاجتماعي، واقترح في هذا الصدد ثلاثة مجالات رئيسية ومترابطة:
أ - التأكيد على شئون المرأة ومعيشتها وحمايتها من الاستغلال.
ب - تحسين نوعية عمل المرأة ومعيشتها وحمايتها من الاستغلال.
ج - تشجيع تنظيم النساء العاملات للدفاع عن حقوقهن وزيادة مشاركتهن في اتخاذ القرارات.
وفي مجال التشريع العمالي أصدرت المنظمة 18 اتفاقا دوليا، 21 توصية دولية تناولت المجالات الرئيسية الآتية: حماية الامومة - عمل النساء ليلا - عمل النساء في المناجم - المساواة في الاجور - الضمان الاجتماعي - عدم التمييز في الاستخدام والمهنة - سياسة الاستخدام- تفتيش العمل - ظروف عمل هيئات التمريض - الحماية من التسمم بالنفط - عمل المرأة والمسئوليات العائلية - تخفيض ساعات العمل - إنهاء الاستخدام - ضمان الدخل - خدمات الصحة المهنية - الاجازة الدراسية بأجر - تنمية الموارد البشرية.
منظمة العمل العربية
تعتبر منظمة العمل العربية وكالة عربية متخصصة في شئون العمل والعمال في نطاق جامعة الدول العربية والمنظمة المعنية برفع مستوى الطبقة العاملة وتحسين ظروف وشروط العمل إذ اورد دستورها ان من بين اهداف المنظمة، تحديث عمل النساء، وعلى رغم انخفاض نسبة النساء العاملات من جملة قوى العمل في معظم الدول العربية إذ يتركزون في الاعمال الريفية فإنه يلاحظ ان المرأة العاملة العربية كغيرها من نساء الدول النامية تفتقر إلى التنظيم النقابي وتضطر إلى العمل ساعات اكثر وتواجه البطالة وعدم التمتع بمزايا الضمان الاجتماعي، ما يدعو إلى حمايتها وتيسير قيامها بواجبات العمل ومسئوليات الاسرة، وقد الزمت التشريعات بعض الدول العربية المنشآت التي تعلم بها عدد من النساء إلى انشاء دور حضانة لأبناء العاملات.
واقناع بأهمية مشاركة المرأة العاملة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية وانشأت منظمة العمل العربية لجنة المرأة العاملة العربية وذلك لمناقشة اوضاع وظروف ومشكلات المرأة العاملة العربية.
وقد أصدرت المنظمة عدة اتفاقات تتعلق بالمرأة العاملة ومنها:
1) الاتفاق العربي رقم 5 للعام 1976م بشأن المرأة العاملة: وينص هذه الاتفاق على احكام تحفظ حقوق المرأة العاملة وتيسير اداء دورها في العمل ومسئولياتها في الاسرة.
2) الاتفاق رقم 3 للعام 1971م بشأن المستوى الادنى للتأمينات الاجتماعية: نصت المادة السابعة من الاتفاق على ان من بين فروع التأمينات الاجتماعية، تأمين الامومة (الحمل والوضع).
3) الاتفاق 6 للعام 1976م بشأن مستويات العمل: نص هذا الاتفاق على احكام خاصة تتعلق بالمرأة العاملة كالآتي:
أ- ان ينص قانون العمل المحلي على نصوص خاصة لتشغيل النساء.
ب - تمنح المرأة العاملة الاجر المماثل لأجر الرجل وذلك عند تماثل العمل.
ج - يعتبر فصل العاملة خلال قيامها بإجازة الامومة فصلا تعسفيا.
د - تمنح الامهات ساعات رضاعة كاملة يومية.
4) الاتفاق 15 للعام 1983م بشأن تحديد وحماية الاجور.
5) الاتفاق رقم 16 للعام 1938 بشأن الخدمات الاجتماعية العمالية: وتنص على خدمات اجتماعية للعمال تخص بالذكر منها ما يتعلق بالمرأة العاملة مثل انشاء دار للحضانة تتوافر فيها الشروط الصحية والفنية والتربوية كافة لأطفال العاملات الذين تتراوح اعمارهم بين 3 شهور و6 سنوات لرعاية هؤلاء الاطفال اثناء اوقات عمل امهاتهم.
النقابات العمالية وعلاقتها بالتنمية:
أصبحت النقابات العمالية أحد الركائز الاساسية لبناء المجتمع وتحضره واستقراره ووجود نقابات عمالية حرة وديمقراطية ومستقلة تساعد في تثبيت الحريات العامة والحريات الفردية وفي تأكيد مبدأ تكافؤ الفرص وتثبيت العدالة الاجتماعية والفضاء على البطالة وغيرها، وهذه دعوة صادقة للعاملات جميعهن للاهتمام بالعمل النقابي والانخراط فيه من اجل تجسيد الحقوق والمكتسبات العمالية الخاصة بالمرأة في مجالات العمل
العدد 145 - الثلثاء 28 يناير 2003م الموافق 25 ذي القعدة 1423هـ