تحدث خطيب جامع الإمام المنتظر بداركليب الشيخ حميد المبارك في خطبته أمس (الجمعة) عن أن التعايش مقياس مهم لمدى وعي الأمة وقدرتها على تدبير شئونها، وأوضح أن «مقياس وعي الأمة والإنسان هو النقد وأعني بذلك انه بحسب التطور الحضاري للإنسان ما عاد مقياس حسن السمعة ان لا ينتقد المرء وإنما مقياس حسن السمعة كيف يتعامل المرء مع النقد الذي يوجه إليه، ولذا فإنه عندما يخرج تقرير ما عن وضع البلد السياسي كتقرير الكونغرس بشأن التمييز فالتحدي هو كيف يتعامل مع هذا النقد، لقد ولى زمن التلميع وأصبح شيئا من الماضي، بل على العكس أصبح خطاب التلميع يزيد الأمر سوءا وأصبح من أدلة التلوث لدى أي فرد أو فئة أو جماعة تمارسه، انا لا أتمثل هنا دور المعارضة ولكنني أتكلم على المستوى الحضاري للإنسان».
وأشار إلى أن «إنسان اليوم يختلف عن إنسان الأمس فقد تطورت المفاهيم الاجتماعية والسياسية ويجب ان نعيها جيدا، لا يجب ان يغضب أحد عندما يخرج تقرير بأن بلادنا فيها مشكلات سياسية واجتماعية، والتحدي هو كيف نستوعب هذا النقد وكيف تكون لدينا القدرة على والشجاعة على الاعتراف به والتعامل معه بشفافية ونضج، الأمم والأنظمة التي تتطور هي التي تكون قادرة على استيعاب النقد والاستفادة منه وهذا تفسير واسع وعميق لقوله تعالى: (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)».
وقد بدأ المبارك خطبته أمس بقوله ان التزكية هي التنمية فزكاة النفس هي تنميتها وتطويرها وليس تحقيرها، فلذلك كان المرحوم الشيخ المطهري يقول في كتابه فلسفة الأخلاق بان من الأخطاء التي وقع فيها الخطاب الإسلامي متأثرا ببعض المدارس الصوفية هو الدعوة إلى تحقير النفس في حال ان النفس كما في القرآن الكريم هي «قبس من روح الله»، والمقصود بتزكية النفس هو النظر لمصالحها العليا، وجعلها في المحل الأرقى ولذا فالتحلي بالأخلاق والآداب والنظافة والنظام هي عناصر لتزكية النفس، لأنها تعود على النفس بمصالح عليا راقية.
ثم تحدث المبارك عن حسن التدبير والذي به يعرف تقدم الإنسان فردا أو جماعة أو أمة، ولحسن التدبير مؤشرات وعلامات هي مقاييس له ومن ذلك النظم، والمقصود بالنظم هو وضع كل شيء موضعه، وقد عرف أن العظماء الذين أثروا تاريخ الإنسان كانوا منظمين في حياتهم وخصوصا ما يرتبط بعمله، والتنظم يدخل في كل شيء في الدنيا والدين، ولذا فمن اللازم التقيد بالنظم الدينية حتى على مستوى الآداب والسنن، وصولا إلى حالات قد يتساهل فيها الناس كالتقيد بألفاظ الدعاء وقراءةة الأدعية في مواقعها المأثورة، فمن الضروري التعرف على مقاصد الشرع فيما يتربط بالنظم في كل شيء، فمثلا عندما يأتي كراهية الصوم في عرفة لمن يضعفه صومه عن الدعاء فالصوم وإن كان مستحبا إلا انه يعرف من ذلك النص أن المقصود الأول في يوم عرفة هو الدعاء، وبناء عليه لا يحكم الإكثار من الصلوات المستحبة في يوم عرفة، لأن من شأنها ان تقلل من إندفاع الإنسان للدعاء، فنظم عرفة الديني هو الدعاء وهكذا نجد أن التشريعات الدينية قائمة على نظم دقيق، والنظام في الدين والدنيا والتقيد به مقياس لرقي الأمة، والمقياس الآخر هو التجربة فالفرد أو الأمة التي تكثر مفردة التجربة في استعمالاتها اليومية ويكثر الاستشهاد بها فهو دليل على حسن تدبيرها والعكس صحيح، والأمة التي تعيش منفعلة بماضيها إلى حد الاستغراق فيه والاضمحلال داخله، من دون أن تنطلق منه إلى شيء في تحسين الحاضر ومقابلها الأمة التي تنقطع عن ماضيها وتنفصل عنه فهذان نمطان لا يستفيدان من التجربة والنمط النموذجي والذي يتصل بماضيه بمعنى وينفصل عنه بمعنى آخر فهو متصل به اتصال تدبر وفهم، ولكنه منفصل عنه في بناء الحاضر وتجاوز أخطاء الماضي ومآسيه، والمقياس الثالث لحسن التدبير والتعايش فأعرف قدر تدبير الأسرة بمستوى قدرتها على أن يكون لها مجلس يضمها ويناقش شئونها وتنتظم فيه مع تباين أفرادها واختلافهم في الأفكار وفي أساليب الحياة، وهكذا يقال على مستوى الأمة لذا فإن أي دعوة لتعميق الوعي بالتعايش والتفاهم يجب أن تؤكد، فما يقوم به بعض علماء الطائفتين الكريميتين في البحرين من محاولات كبيرة لتأكيد حس التعايش أمر يبارك للقائمين عليه، ونسأل الله أن يجعل لذلك أثر مستديما، كما ونتمنى ان يتسع ليشمل جميع المدارس المذهبية
العدد 2234 - الجمعة 17 أكتوبر 2008م الموافق 16 شوال 1429هـ