اعترف مسئولون أميركيون ودوليون بأن مفتشي الأسلحة قد أخفقوا في العثور على دليل يشير إلى امتلاك العراق أسلحة نووية. وكان مفتشو الأسلحة أخذوا عينات من تربة وهواء العراق وقاموا بفحص 16 مادة ماصة من مجموع 20. وقال مدير المختبر جبرائيل فويجت إنه حتى الآن لم يكن هناك وخصوصا أي شيء يمكن العثور عليه مشتملا على برنامج نووي للتسلح. وأضاف «إنك دائما تعثر على شيء ما، مشيرا إلى خلفية إشعاع ولكن لم يكن هناك شيء من شأنه أن يسمح حقا للتوصل إلى استنتاجات بأن شيئا ما غير قانوني جار هناك».
لكن رئيس اللجنة الدولية للطاقة محمد البرادعي قال في تصريح في بلغاريا: إن هناك حاجة إلى مزيد من الوقت لاستكمال عمل المفتشين. وأضاف: إنني لا أستطيع أن استبعد وجود مثل هذه الأسلحة لمجرد أنه ليس هناك دليل.
ويرى دبلوماسيون ومحللون أن تصريح البرادعي ينسجم مع موقف البيت الأبيض إزاء العراق الذي يتلخص بجملة واحدة هي أن العراق لم يقد المفتشين إلى الأسلحة التي تصر واشنطن على أن بغداد تخفيها.
ويقول دبلوماسيون أميركيون إن واشنطن أبلغت رئيس لجنة التفتيش هانز بليكس أن مهمته ليست البحث عن دليل على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وإنما التأكد من تعاون العراق مع مجلس الأمن ورضوخه لمطالبه.
وفي أوضح وأشمل بيان للسياسة الأميركية بشأن العراق حتى الآن هو ما أعلنه نائب وزير الدفاع الأميركي بول وولفويتز في خطابه الذي ألقاه يوم الخميس أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك من أن مفتشي الأسلحة ليسوا محققين يحاولون بلا كلل كشف أحابيل الخداع من أجل الحصول على الحقائق. وقال وولفويتز إن السؤال الذي يواجه مجلس الأمن هو ما إذا كان العراق يتعاون بشكل كامل وفوري وهل تخلص من أسلحته أم لا مشيرا إلى أن السماح بدخول المواقع العراقية ليس دليلا على التعاون. زاعما أن لدى الولايات المتحدة الأدلة الكافية التي تدين العراق بامتلاك وتطوير أسلحة دمار شامل مشيرا إلى أن تلك الأدلة حاليا لم تجمع بمعرفتها فقط بل قامت دول حليفة لها بجمع بعضها.
وكان الرئيس الأميركي جورج بوش قد أخذ معه إلى الأمم المتحدة في شهر سبتمبر/ايلول الماضي لدى طرحه قضيته ضد العراق دليلا لما وصفه بـ «شهية العراق» للأسلحة النووية، وأن هذا الدليل هو أن العراق حاول شراء آلاف الأنابيب عالية القوة من الألمونيوم التي قال بوش إنها تستخدم لتخصيب اليورانيوم من أجل أسلحة نووية. كما أن نائبه ديك تشيني ومستشارته للأمن القومي كررا الادعاء في وثائق قدمت إلى زعماء الأمم المتحدة ووصفت رايس الأنابيب بأنها تناسب فقط برامج تسلح نووي.
وكان ذلك أبرز تأكيد مفصل قدمه البيت الأبيض عن الجهود العراقية لامتلاك أسلحة نووية، ولكن طبقا لما قاله مسئولون أميركيون وخبراء أسلحة فإن هذا الإدعاء يبدو الآن موضع شك جدي.
فبعد أسابيع من التحقيق فإن مفتشي الأسلحة واثقون بصورة متزايدة بأن أنابيب الألمنيوم لم يقصد بها قط تخصيب اليورانيوم. وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في بيان لها يوم 8 يناير/كانون الثاني الجاري أن الأنابيب «ليست مناسبة بصورة مباشرة». لتخصيب اليورانيوم ولكنها مناسبة لصنع صواريخ مدفعية عادية. وهذا دليل يتفق مع التفسير الرسمي الذي قدمه العراق عن هذه الأنابيب.
والآن فإن دليلا يؤيد هذا الاستنتاج قد تم جمعه في الأسابيع الأخيرة وقدم أمس إلى مجلس الأمن في تقرير وضعة البرادعي.
وعلاوة على ذلك فقد كانت هناك إشارات منذ البداية تثير الشكوك بشأن صحة المزاعم الأميركية، إذ يقول خبراء إن كمية ومواصفات الأنابيب ضيقة وباسطوانات فضية بمقاس قطر كل منها 81 مليمترا، وبطول نحو متر جعلها غير مناسبة لتخصيب اليورانيوم من دون تعديلات مكثفة عليها.
وفي الوقت الذي تعترف فيه حكومة بوش بأدلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أنابيب الألمونيوم إلا أنها لم تتراجع عن مزاعمها السابقة وقد رد الناطق باسم البيت الأبيض آري فلايشر على التقرير الأولي للجنة التفتيش بالتأكيد على أن القضية لاتزال قائمة. وقال فلايشر: «ينبغي أن يلاحظ أن محاولة امتلاك مثل هذه الأنابيب محظور بموجب قرارات الأمم المتحدة في اي حال من الأحوال». وأنه طبقا لنظام العقوبات فإنه يمنع على العراق استيراد مواد «ذات استخدام مزدوج».
وجادل مسئولون في المخابرات الأميركية بأن الدليل القائم لايزال يشير إلى برنامج سري لتخصيب اليورانيوم على الرغم من أن هناك اختلافا مهما بين أجهزة الاستخبارات الأميركية. وقال مؤيدو امتلاك العراق برامج تسلح نووي إنهم «متأثرون» بـ «معلومات استخبارية أخرى» خلاف مواصفات الأنابيب نفسها.
وقال مسئولون في اللجنة الدولية للطاقة الذرية إن التحقيق في الأنابيب لايزال مفتوحا من الناحية الرسمية، وكان العراق وافق في وقت سابق من الأسبوع الجاري على تزويد المفتشين بمعلومات إضافية عن الاستخدام المقصود لهذه الأنابيب
العدد 144 - الإثنين 27 يناير 2003م الموافق 24 ذي القعدة 1423هـ