قبل أيام صرح وزير الخارجية الأميركي كولن باول بأن النفط العراقي بعد الحرب واحتلال الولايات المتحدة بلاد الرافدين سيكون في أمان... أي ان واشنطن ستضمن سيطرتها عليه (حاميها حراميها).
إنه النفط إذن. النفط إلى جانب قضايا استراتيجية أخرى منها إقامة علاقات طبيعية مع «إسرائيل» واتخاذ بغداد نقطة انطلاق للتغيير. فبغداد المحاصرة اليوم ستلعب دور القوة الجديدة التي يراهن عليها لمحاصرة دول الطوق في خطوة تذكر بمشروع «حلف بغداد» الذي طرح في نهاية الخمسينات لمواجهة مصر عبدالناصر وأسقط بعد كفاح سياسي مرير.
للمرة الأولى يعترف مسئول أميركي رفيع المستوى بدور النفط كعامل رئيسي في لعبة الحرب الأميركية على العراق بعد تكرار النفي من جهات رفيعة المستوى في واشنطن ولندن. طوني بلير مثلا رد على المعارضة البريطانية لسياسة حكومته بأن عامل النفط «فكرة سخيفة».
السخافة في الموضوع هي رأي بلير وتحليله (كذبه) عن دوافع الحرب وأسبابها وهي كثيرة أبرزها ثلاث نقاط: الأولى، السيطرة على العراق لتعديل الخريطة السياسية للمنطقة. الثانية، إخراج العراق من معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي. والنقطة الثالثة هي النفط.
لماذا النفط؟
في تقرير صدر حديثا عن وزارة المال الأميركية، يذكر إحصاءات تغطي الفترة المنتهية في يناير/ كانون الثاني 2001، ترد معلومات عن الاحتياطات العالمية جاءت بالأرقام كالآتي:
أولا: أميركا الشمالية (كندا، المكسيك، والولايات المتحدة) يقدر مجموع الاحتياطات النفطية فيها بـ 55 بليون برميل تملك الولايات المتحدة منها 22 بليونا.
ثانيا: أميركا الجنوبية والوسطى. يقدر مجموع احتياطاتها بـ 94,5 بليون برميل، تملك فنزويلا منها وحدها 76,9 بليون برميل (وهذا يعطي فكرة عن أسباب التوتر القائم حاليا ضد رئيسها المعارض للسياسة الأميركية).
ثالثا: أوروبا الغربية. يقدر مجموع احتياطها بـ 17,4 بليون برميل تملك النروج منها 9,4 بلايين برميل.
رابعا: أوروبا الشرقية وروسيا. يقدر مجموع احتياطها النفطي بـ 58,9 بليون برميل، تملك روسيا منها 48,6 بليون برميل.
خامسا: إفريقيا والدول العربية في شمال القارة. يقدر مجموع احتياطها النفطي بـ 74,9 بليون برميل، تملك ليبيا منها 29,5 بليون برميل (يفهم لماذا الجماهيرية محاصرة من العالم ورئيسها).
سادسا: آسيا واستراليا. يقدر مجموع احتياطها بـ 44 بليون برميل، تملك الصين منها 24 بليونا.
سابعا وأخيرا: الشرق الأوسط (دول الخليج العربية وإيران). يقدر مجموع احتياطها النفطي بـ 683,5 بليون برميل. تملك السعودية منها 261,7 بليون برميل (الأولى في العالم) وبعدها يأتي العراق ويقدر احتياطه المكتشف حتى الآن بـ 112,5 بليون برميل (الدولة الثانية في العالم).
والخلاصة أن مجموع احتياطات دول «كل العالم» لا يزيد على 344,7 بليون برميل وهي تساوي نصف احتياطات منطقة الشرق الأوسط (دول الخليج وإيران) وحدها، الأمر الذي يفسر إلى حد ما استمرار مسلسل الاضطرابات السياسية في هذه الدائرة من الكرة الأرضية على امتداد 75 سنة على الأقل.
إلى ذلك هناك مسائل مهمة أشارت إليها التقارير والاحصاءات الصادرة حديثا وهي ازدياد اعتماد الولايات المتحدة على نفط «الشرق الأوسط» بعد أن كانت تعتمد سابقا على دول جوارها الجغرافي (المكسيك، وفنزويلا)، إذ ارتفعت صادرات دول النفط العربية إلى أميركا قرابة الضعف في فترة عقد من الزمن. ففي العام 1991 (حرب الخليج الثانية) كانت الولايات المتحدة تستورد 1,845 مليون برميل يوميا من «الشرق الأوسط»، في حين وصل الرقم في العام 2001 إلى 2,761 مليون برميل يوميا... ويتوقع ان يزداد الاعتماد أكثر على نفط «الشرق الأوسط» بعد حرب الخليج الثالثة المتوقع اندلاعها في الشهر المقبل.
حتى الآن تستورد أميركا أكثر من 60 في المئة من احتياجاتها النفطية من المكسيك وفنزويلا، و40 في المئة من الشرق الأوسط. ويرجح بعد حرب الخليج الثالثة ان تنقلب النسبة فتصبح 60 في المئة من الشرق الأوسط و40 في المئة من أميركا الجنوبية مع ميل دائم الى زيادة استيرادها من دول الخليج (السعودية، والعراق تحديدا) وتراجع اعتمادها على أميركا الجنوبية بسبب نمو قوى إقليمية محلية كالبرازيل والارجنتين والمكسيك بحاجة إلى ذاك الاحتياط النفطي.
إنه النفط إذن. ونفي الفكرة هو سخافة بعينها. فالأرقام تشير إلى تركز الاحتياطات النفطية في دائرة محددة في العالم. والإحصاءات تشير إلى ازدياد ميل اعتماد الولايات المتحدة على نفط «الشرق الأوسط». والمعلومات تقول إن الاكتشافات النفطية التي لم تعلن في العراق وبحر قزوين تضعهما في المرتبة الأولى. وهذه بحد ذاتها كافية للرد على سؤال: لماذا كانت الحرب على أفغانستان، ولماذا التهديد الآن بالحرب على العراق؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 144 - الإثنين 27 يناير 2003م الموافق 24 ذي القعدة 1423هـ