العدد 144 - الإثنين 27 يناير 2003م الموافق 24 ذي القعدة 1423هـ

«عولمة السيادة» تضرّ بعولمة الاقتصاد

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عقد التسعينات من القرن الماضي كان عقد العولمة، اذ ازداد الحديث عن حركة رأس المال والاستثمار عبر الحدود، وتحدثت استراتيجيات الدول الاقتصادية الكبرى عن اهمية فتح الباب على مصراعيه لدمج او ربط اسواق المال وتوحيد الاجراءات التجارية عبر منظمة التجارة الدولية ووضع الضوابط البيئية والاخلاقية بالاضافة إلى اشتراط وجود الاسس المطلوبة للحكم الصالح.

كل هذا الحديث الجميل وجد له مجالات واسعة لتطبيقه، ولكن المستفيد الاكبر كان الدول الاقتصادية الكبرى ذاتها. فأكثرية الشركات المستفيدة كانت اميركية (30 شركة من 100 اهم شركة عالمية هي في الاساس اميركية). والبقية تتقاسمه بعض الدول بدرجة اقل (اوروبا واليابان). وحتى كوريا الجنوبية، وعندما ازدادت ثرواتها رحلت بأموالها إلى اوروبا واميركا واستثمرتها في البلدان الغنية.

الدول الاميركية والاوروبية تبنت سياسة نقل النشاطات الاقتصادية التي تتطلب ايدي عاملة رخيصة إلى الدول الاخرى، واحتفظت لنفسها بكل ما يتعلق بالتطوير العلمي والتخطيط الاستراتيجي، معتبرة ان تلك الامكانات هي الاساس في صنع الثروة، ولذلك لا مجال لنقلها إلى دول اخرى.

الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا كانتا اكثر الدول المستفيدة من الاستثمارات الاجنبية في بلدانها، وعلى هذا الاساس تزداد امكاناتها المادية والفعلية بينما يتم استيراد المنتجات الرخيصة التي تتطلب ايدي عاملة رخيصة.

على ان هذا الترتيب العولمي للاقتصاد كان مفيدا لدول كثيرة، ولذلك فإن مدنا ساحلية صينية أصبحت الآن في عداد المدن الغنية، بل ان هناك أمراضا جديدة في الصين لأولاد وشباب الأغنياء اذ يمرضون بسبب كثرة الاكل (وليس قلّته كما في بلدان اخرى).

غير أن مفهوم العولمة الاقتصادية كان سليما ومناسبا لاميركا واوربا ما لم يرتبط ذلك بالعولمة السياسية. فأميركا هي «السيدة الاولى» ولذلك فلها السيادة على الامكانات الكبرى، واهم تلك الامكانات هي الطاقة (بترول وغاز). ونظرة إلى المستقبل توضح ان اميركا ربما تفقد موقعها فيما لو استمرت العولمة الاقتصادية من دون عولمة سياسية تكون هي السيدة دائما.

فروسيا لديها النفط والغاز وهي في مأمن استراتيجي في المستقبل. اما اليابان فإنها تعتمد على الشرق الاوسط وليس لديها اية مصادر بديلة بالحجم نفسه، ولذلك فإن السيطرة على مصادر الطاقة في الشرق الاوسط هو السبيل للسيطرة على اليابان مستقبلا ايضا. فعلى رغم ان اليابان تمر بكساد اقتصادي منذ مطلع التسعينات فإن امكاناتها الهائلة هي السبب في احتفاظ اليابان بموقع القوة الاقتصادية العالمية الثانية بعد الولايات المتحدة الاميركية.

واليابان تحاول الخروج من أزمتها الاقتصادية وعندما تستعيد كامل قواها ستكون الولايات المتحدة قد أحكمت سيطرتها على العالم من خلال «عولمة السيادة»، والسيدة الاولى في كل ذلك ستكون مدينة واشنطن الاميركية.

والمشكلة فيما تقوم به الولايات المتحدة هو انتفاء الحاجة إلى مفهوم العولمة الاقتصادي الذي يفترض ان يتعامل مع الشركات والمؤسسات «كمواطنين دوليين»، بمعنى ان الشركة تتعامل مع العالم وكأنها «مواطن» لها حقوق وعليها واجبات وان صوتها مسموع في الشأن الاقتصادي ما دامت ملتزمة بأخلاقيات المهنة والمحافظة على البيئة ودعم المثل والقيم الديمقراطية. فالعولمة الاميركية لسيادتها هي قلب المفاهيم الجميلة رأسا على عقب، وبدلا من المشاركة في الثروات التي تبشر بها العولمة الاقتصادية تتحول الثروات ومصادر الطاقة كلها بيد قوة عالمية واحدة تمسك بقرارات سيادية على جميع المستوى. والقرار السياسي ليس كالقرار الاقتصادي، لأن الاول لا يهتم بالربح والخسارة وانما بالانتصار والغلبة لإرادة الطرف الاقوى مهما كان الثمن.

ان ما ينبغي السعي اليه على المستوى العالمي هو تفعيل بعض المفاهيم الانسانية التي تتحدث عنها الامم المتحدة والنظم الاقتصادية الدولية، وحسنا يفعل جلالة الملك بسفره إلى الولايات المتحدة الاميركية لينقل لهم وجهة نظر شعبه ووجهة نظر العرب والمسلمين، فصغر بلادنا لا يمنع من إمكان استخدام ما نملك من امكانات حتى لو كانت محدودة «لعقلنة» الموقف الاميركي غير الحكيم. واذا لم نستطيع التأثير نكون قد أبرأنا ذمتنا على الأقل

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 144 - الإثنين 27 يناير 2003م الموافق 24 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً