العدد 143 - الأحد 26 يناير 2003م الموافق 23 ذي القعدة 1423هـ

27 يناير

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اليوم 27 يناير/ كانون الثاني. إنه موعد تقديم كبير فريق المفتشين الدوليين هانز بليكس تقريره النهائي عن «أسلحة الدمار الشامل» في العراق. أهم فقرة في التقرير هي تلك التي يفترض أن تقول: العراق يتجاوب مع مهمات التفتيش ورئيس الفريق يطلب المزيد من الوقت وتوسيع الصلاحيات وزيادة عدد المفتشين. أو أن تقول الفقرة عكس ذلك: العراق لا يتجاوب مع فرق المتفشين وهو يخالف القرارات الدولية ويكذب ويناور ولا أمل يرتجى من التمديد والتوسيع والزيادة.

في حال وردت الفقرة الأولى يصبح من الصعب على الولايات المتحدة شن حرب فورية على العراق. فالمنطق يقول إن واشنطن ستعمد إلى تعديل الفقرة أو على الأقل تقليل الفترة الزمنية واختصارها إلى أسبوع أو اسبوعين، وربما ثلاثة أسابيع على الأكثر، أي إلى 15 فبراير/ شباط المقبل... وبعد ذلك تبدأ بالعمل باستقلال عن الإرادة الدولية مستخدمة أساليب الترهيب لا الترغيب كما تفعل الآن مع أزمة كوريا الشمالية.

أما في حال وردت الفقرة الثانية، وهذا احتمال مستبعد، فعلينا أن نتخيل السيناريو الرهيب الذي سربت واشنطن من خلال صحافتها بعض محطاته. تقول التقارير العسكرية إن الولايات المتحدة مدعومة من بريطانيا ستفتح النيران من كل الجبهات والجهات مستخدمة كل طاقاتها التدميرية (التقليدية) التي كانت أصلا مجهزة في «الحرب الباردة» لقتال دولة عظمى كانت تدعى الاتحاد السوفياتي.

ماذا يعني فتح النيران من كل الجبهات والجهات؟ التقارير المسربة تقول إن الخطة الموضوعة لاحتلال العراق تمتد إلى ثلاثة أسابيع وأربعة أو خمسة على الأكثر. في الأسابيع الثلاثة الأولى ستعتمد الخطة على الضرب (القصف) من بعيد بحدود عشرة آلاف طلعة جوية يوميا تستخدم فيها أنواع الصواريخ كافة من البحر إلى البر، من البر إلى البر، من الجو إلى البر لمدة 21 يوما. ويتوقع ان يكون مجموع القنابل والصواريخ التي سترمى أو تسقط أو ترسل على محطات الطاقة والكهرباء ومراكز الاتصالات والمطارات والقواعد والثكنات والمواقع والمساكن والجسور ومناطق القيادات المدنية والعسكرية وغيرها ما يزيد على 210 آلاف قذيفة، وهي كفيلة بتدمير قدرات العراق الحربية وشل امكاناته على الحركة أو الدفاع.

بعد ذلك يبدأ التحرك الميداني. ويقول السيناريو المفترض ان الولايات المتحدة ستقوم بعمليات إنزال جوية محددة في ثلاث مناطق في الجنوب والشمال والغرب لتدمير ما تبقى من دفاعات عراقية، والسيطرة على المراكز الحساسة التي يمكن ان تنطلق منها مقاومة شعبية. بعد ذلك يبدأ الضغط العسكري البري من الجهات الثلاث على المحافظة الوسطى (بغداد) بهدف تطويق المركز وقطع اتصالاته وإمكانات قيامه بمناورات دفاعية. وفي نهاية الأسبوع الثالث يبدأ الهجوم البري لعزل القيادة العراقية أو عزلها من طريقين: إما انتظار انتفاضة شعبية مسلحة داخلية، أو محاصرة القيادة لفترة أسبوع مع ضغط عسكري ينتهي بشل حركة ما تبقى من قوات خاصة، فتبدأ بعد ذلك في نهاية الأسبوع الرابع الهجوم النهائي والأخير الذي يفترض ان ينتهي باحتلال بغداد وإلقاء القبض على القيادة العراقية أو من تبقى منها.

ماذا يعني الملخص العام للسيناريو؟

هناك ثلاث نقاط واضحة منه حتى الآن. الأولى، ان العراق لن يعطى فرصة القتال عن قرب، وحين تأتي تلك الفرصة تكون قواته وقدراته وما يملكه من سلاح وإمكانات ودفاعات قد تلاشت وباتت غير قادرة على الحركة أو المناورة أو القتال. الثانية، ان ضحايا الحرب هم من المدنيين ويتوقع ان يسقط في استراتيجية الرمي عن بُعد عشرات الآلاف من سكان العراق في مختلف مدنه وبقاعه... ويرجح أن ينزح أو يشرد إلى أطراف العراق وحدوده السورية والأردنية والسعودية والإيرانية والتركية، وربما الكويتية، قرابة أربعة ملايين لاجئ.

ويتوقع ان تقوم الأمم المتحدة بتأمين حاجاتهم حتى لا تتفاقم الأزمة وتصبح أمام مشكلة إنسانية جديدة. والنقطة الثالثة، ستقوم الإدارة الأميركية الجديدة في العراق بملاحقة واعتقال القيادات العسكرية والحزبية ومطاردة العلماء وأسرهم، وربما نقلهم إلى الولايات المتحدة للاستفادة منهم في تطوير معدات وأسلحة الدمار الشامل الخاصة بأميركا. وبعد تفريغ العراق من عقوله تبدأ المعارضة المقيمة في واشنطن ولندن وبروكسيل بالعودة لتشكيل حكومة ظل للاحتلال لفترة يقال انها قد تمتد لمدة ستة أشهر وربما سنة يتم خلالها اعادة النازحين إلى بيوتهم وترتيب النظام الجديد بشكل يتناسب مع طبيعة التوجهات الأميركية في المنطقة وأولها الاعتراف بـ «إسرائيل» واقامة علاقات طبيعية معها، وثانيها السيطرة على النفط والثروات من بشر وحجر، وثالثها رسم سيناريو جديد لمواجهات محتملة مع دول المنطقة وتحديدا تلك المجاورة للعراق أو الواقعة ضمن دائرة محيطه الجغرافي - السياسي.

هذه أجزاء من الصورة التي سربتها وسائل الإعلام الأميركية. وهي حتى الآن مجرد نظريات وفرضيات، إلا أنها تعتبر الشكل (الإطار) العام لسيناريو سياسي - عسكري، تتصور قيادة البنتاغون انه الشكل المناسب لحماية «حقوق الإنسان» في العراق وتحريره من نظامه. عموما، هذا السيناريو المطروح بسيط أو مبسط أما السيناريو الأخطر فهو المعقد أو المركب من نوع استغلال «إسرائيل» فرصة انشغال الولايات المتحدة بحربها المجنونة وقيام شارون بشن هجوم على لبنان وسورية، وربما المفاعل النووي في إيران، وإقدامه على طرد الأقليات الفلسطينية من أراضي 1948 أو الضغط على سكان الأراضي المحتلة في العام 1967 وإجبارهم على النزوح إلى الأردن ولبنان.

هذا جانب من السيناريو المعقد والمركب. أما الجانب الآخر فهو حصول تطورات مدهشة وغير منتظرة من العراق (وهو أمر مستبعد) فهل ترد الولايات المتحدة بالسلاح النووي... وعلى المنطقة نقرأ السلام؟

قبل الإجابة لننتظر ماذا سيقول بليكس في تقريره؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 143 - الأحد 26 يناير 2003م الموافق 23 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً