العدد 143 - الأحد 26 يناير 2003م الموافق 23 ذي القعدة 1423هـ

العلّة والمعلول

خدعونا بالغرب، قالوا: علومٌ

وفنونٌ عجيبةٌ ووعودُ

ليس فيهم إلاّ عويلُ شقاءٍ

وصهيلٌ من الضياع يميدُ

وعُراة في سطوة الحرِّ والبردِ،

ويُحمى بالشالِ رأسٌ وجيدُ

وازدحامٌ على ذنوبٍ ولهوٍ

وانفلاتٌ تموجُ فيه الحشودُ

وخدودٌ زيفُ الورودِ عليها

ماتَ أطفالنا لتحلو خدودُ

وانتحارٌ من وطأةِ الذنب والهمّ،

وموجٌ من الجنون يسودُ

ووجوديةٌ من الوهم والطيش،

فروحُ الوجود منها فقيدُ

ورسومٌ، كالفأرِ يغطس في الوحلِ،

يُسمَّى في فنّهم تجريدُ

رُدَّني للقديم أحلى وأشهى

من جديدٍ، فيه الذكيُّ بليدُ

لا جديدٌ ولا قديمٌ يحابى

فالأصيل الاصيل هذا الجديدُ

حسدونا على البساطةِ في العيش

ليُغرَى بعيشنا التعقيد

حسدونا على أشعةِ شمسٍ

في فلاةٍ عن الفضاء تزيدُ

يتبارَونَ في الوثوبِ على الشرقِ،

فذئبٌ يمضي وذئبٌ يعودُ

همّهم كأسُهم وحفنةُ تخديرٍ

ووجهٌ مزخرفٌ ونقودُ

خدعونا بالغرب وهو سقوطٌ

وانحرافٌ وشقوةٌ وجحودُ

قلقٌ في الوجوه يغتصبُ الصمتَ،

وعند البيان فيهم برودُ

قلق هبّ من أنانية الفرد،

ويكفي الإنسان شيءٌ زهيدٌ

قلقٌ من غدٍ، وتجهلُ نفسٌ

ما الذي في غدٍ، فذاك وصيُد

لم نقل إنهم بقايا قرودٍ

فهم القائلون: نحن قرودُ

تَعِب الغربُ من مسافحةِ العيبِ،

وألقى العنانَ فهو جهيدُ

لا يبالي بمن يقول: حرامٌ

فالحرامُ الشهيّ دينٌ حميدُ

ما درى الابنُ مَنْ أبوه فتشقى

بالتصابي حفيدةٌ وحفيدُ

نحنُ خلقٌ فيهم طبيعةُ وجدان،

وفيهم مواثق وعهودُ

وهوى النفس وحده القيد والأسرُ،

وأنتم أسرى النفوس عبيد

جُفّلٌ هُزّلٌ سُكارى حيارى

أيها الغافلون، هذا وعيدُ

خدعونا بالغرب وهو حِكا

ياتُ عجوٍز وطوطمٌ مردودُ

وكلابٌ في الحضنِ تحمَل دَلاّ

وكلابٌ على الفراش تصيدُ

صبغوها بألف لونٍ ولونٍ

فهي روضٌ، وليس فيه ورودُ

آثروها بالزبْد والعسل الصافي،

وعند الشعوب جوعٌ شديدُ

والحليبُ الطريُّ يأتي من الضّرع،

وماء الثمار عذبٌ برودُ

أيُّ شكوى؟ وفي البيت مربّونَ

قيامٌ، ومشرفون قعودُ

كلُّ ما تشتهي الكلابُ تراه

إنَّ عيش الكلاب عيشٌ رغيدُ

فهنيئا لها صفاوة عيشٍ

وهنيئا، وما فؤادي حسودُ

لن ترى غدرَة الزمانِ ولا النحسَ،

وفي الطيلسانِ يزهو «سَعود»

تحتمي عنده فيحنو عليها

هو أمٌ ثَرُّ الحنان ولودُ

ينثر الدُرَّ واللآلئ في الغربِ

وفوقَ الرمال شعبٌ قعيد

عضّه الغيظُ والحماقةُ والحقدُ،

ويبقى للذلّ قلبٌ حقودُ

رَسَمَ الغربُ فيه أمانيه وغطّاها،

وكلُّ الرسوم حُمرٌ وسودُ

من رأى النِفط كيف يرحل للغرب،

فبرجٌ عالٍ وقصرٌ مشيدُ

والليالي من الرغائب جَنّت

والبغايا أساورٌ وعقود

وإذا تحته يئنُّ غلامٌ

حاطه بالحنان منه رصيدُ

تلكَ أموالُنا تُرَدُّ علينا

وهي قصفٌ وغارةٌ وحديدُ

يتهادى الكبير بين أروقةِ العهر

ويمشي على خطاه الوليدُ

ويُغنّي للقدسِ والمسجدِ الأقصى،

ويبكي من الأسى ويُعيد

هكذا تُزهقُ الشعوبُ وتُمحَى

فهي للقصرِ موقدٌ ووقيدُ

بئس شعبٌ تعيش فيه الأساطيرُ،

ويُغَرى بجانبيه الركودُ

لا تقل مشرق البلادِ وغربا

كلُّهم في هوى النفوس يهودُ

أين قرآننا يفورُ ضياء؟

أين أهلوه؟: نابغٌ ورشيد

أيها الحائدون، هذا كتابٌ

إن مشيتم بنوره لن تحيدوا

كلُّ حرفٍ أعطاه دفقة نورٍ

تتشظى، وكلُّ سطرٍ وجودُ

أيها السائحون في كل أفق

يمّموا شطرَه الكبير وعودوا

فجّروه تلقوه لا يتناهى

فقريبُ المكانِ فيه بعيدُ

كنجوم تخالُها فوقَ بعضٍ

والفضاءات بينهن سدودُ

هو روحُ الوجودِ في كل شيءٍ

وهو في الأرض والسماء نشيدُ

وبه تنجلي حياةٌ وموتٌ

والتقى الغيبُ عنده والشهودُ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً