العدد 142 - السبت 25 يناير 2003م الموافق 22 ذي القعدة 1423هـ

كيف نعمل لتنظيم سوق العمل البحرينية؟

عزت عبدالنبي comments [at] alwasatnews.com

أصاب صاحب السمو ولي العهد كبد الحقيقة، حين طالب بتنظيم سوق العمل كوسيلة أساسية لحل مشكلة البطالة، بتوافر فرص العمل المناسبة لجميع من هم في سن العمل، وضمان حصولهم على الأجور العادلة التي تحقق لهم مستوى المعيشة اللائق.

ولقد برزت أهمية تنظيم سوق العمل في الدول جميعها التي تأخذ بنظام الاقتصاد الحر، وذلك لمواجهة تزايد ظواهر الركود والكساد الاقتصادي وتفاقم مشكلة البطالة في هذه الدول، ومن هنا جاء اهتمامها بتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد البشرية، بمعنى ان تعمل هذه الموارد بأقصى كفاية وتحقق أعلى انتاجية ومن ثم تسهم بأوفر نصيب في تنمية الدخل الوطني ورفع مستوى المعيشة.

ويمثل تنظيم سوق العمل الجانب الأهم في عملية التخطيط الاقتصادي، إذ هو يضع الموارد البشرية في الاعتبار الأول بالنسبة إلى الموارد الطبيعية والمادية والتقنية، كما يقيم وزنا كبيرا للدوافع الشخصية وللقيم الإنسانية بصفة عامة، ويستبعد أية نزعة لتكييف المواطنين بالنسبة إلى الخطط بدلا من تكييف الخطط بالنسبة إلى المواطنين وأملهم ورفاهيتهم، كما حدث في بعض التجارب الأولى للتخطيط المركزي الشامل، ومن هنا كان السعي إلى تنظيم سوق العمل مقترنا بهدف اجتماعي لا يقل أهمية عن هدفه الاقتصادي، وذلك بتوجيه السياسات التخطيطية لزيادة فرص العمل وتحقيق شروطه وظروفه العادلة.

متطلبات تنظيم سوق العمل

يتعذر تنظيم سوق العمل في غياب مفهوم التخطيط عن أجهزة الدولة، وعدم توافر الإيمان بحاجتنا الى جهاز أو وزارة للتخطيط، ويرجع ذلك الى أن عملية تنظيم سوق العمل هي أسلوب علمي يقوم على أساس التنبؤ بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية لفترة زمنية محددة بغية تحديد العرض والطلب من مختلف فئات القوى العاملة ومحاولة الموازنة بينها مع دراسة مختلف السياسات المكملة كالأجور والتدريب والتعليم بهدف استخدام القوى العاملة بطريقة منتجة تكفل تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، بمعنى أن تنظيم سوق العمل هو أسلوب مبني على ملاحظة الوضع الراهن واستقراء الماضي واستقصاء المتغيرات في المستقبل وهو يعتمد - كأي عملية تخطيط - على التنبؤ مع ضرورة تحديد المدى الزمني الذي يغطيه، وأن موضوع هذا التنبؤ ينصب أساسا على المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تنعكس آثارها على القوى العاملة كوسيلة لتحديد الاحتياجات إليها والغرض منها، وأن هذا التحديد يجب ان يراعى فيه الجانبان الكمي والكيفي من مختلف الفئات مع تحديد مقدار الفائض أو العجز في كل منها وهو أمر يوضح مقدار العبء الذي يقع على أجهزة التعليم والتدريب.

ويتمثل العامل الثاني من متطلبات تنظيم سوق العمل في الوعي بأن وزارة العمل والشئون الاجتماعية لن تستطيع بمفردها أداء هذه المسئولية، ذلك لأنها تعتبر مسئولية وطنية تشارك فيها الكثير من الوزارات والأجهزة المعنية بالتنمية الاقتصادية والتعليم والتدريب وغيرها من الأجهزة، الأمر الذي يتطلب إشراك هذه الجهات في رسم سياسات تنظيم سوق العمل وبحيث تتحمل وزارة العمل مسئولية رئيسية تتمثل في وضع الخطط اللازمة لتنفيذ هذه السياسات وتنسيق الجهود ومتابعة التنفيذ.

ويتمثل الأساس الثالث من متطلبات تنظيم سوق العمل في ألا تصدر وزارة العمل أية قرارات تتعلق بسياسات الاستخدام أو التدريب أو الأجور قبل إعداد مجموعة من الدراسات والابحاث التي تحدد ما يلي:

1- قوة العمل الحالية بحسب الجنسية والنوع في كل فئة عمرية وتوزيعاتها بحسب الحال التعليمية وأقسام المهن والأنشطة الاقتصادية وتخصصاتها ومهاراتها الفنية والمهنية والعمالة العادية للتعرف على هيكل العمالة زيادة ونقصا خلال فترات زمنية دورية محددة.

2- إجمالي الاحتياجات من القوى العاملة على مستوى المهن والتخصصات والمهارات الفنية والمهنية في مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي في فترات زمنية دورية محددة، ومن الطبيعي أنه يتعذر تحديد هذه الاحتياجات في ظل عدم وجود جهاز أو وزارة للتخطيط تضع خطة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

3- إجمالي العرض من القوى العاملة على المستوى المهني والتعليمي كما تحدده الاتجاهات السائدة والمنتظرة من نمو أجهزة التعليم والتدريب، والنمو الطبيعي المنتظر نتيجة تزايد السكان واحتياجات التقدم التكنولوجي، ومن الطبيعي انه يتعذر تحديد العرض من القوى العاملة كما تحدده الاتجاهات المنتظرة من نمو أجهزة التعليم والتدريب من دون وضع خطة للتنمية تحدد مجالات التوسع التعليمي في مراحله جميعها بما فيها مرحلة التعليم الجامعي ونوعية هذا التوسع من حيث التخصصات المختلفة.

4- إعداد الموازنة بين جملة العرض والطلب من القوى العاملة وتقدير العجز وكيفية توفيره من العمالة الأجنبية وتحديد الفائض وكيفية امتصاصه عن طريق أجهزة التدريب.

5- هيكلة الأجور السائدة حاليا لمختلف المهن ووسائل الربط بين مستويات الأجور ومستويات الإنتاجية لتجنب التضخم وبين مستويات الأجور والإنتاج لتكون الأجور وسيلة لزيادة الإنتاج وتحسين نوعيته، بالإضافة الى سبل الاحتفاظ بالتوازن الواجب بين اتجاهات حركة الأجور النقدية واتجاهات حركة الأسعار.

6- وضع الحد الأدنى الملائم لأجر العامل العادي على المستوى العام أو على مستوى مجموعات الأعمال المتماثلة والمشابهة لبعضها بعضا.

7- سياسات الاستخدام ووسائل تنظيم أساليبه على أساس من الملاءمة المهنية والرغبات الشخصية ومبدأ التكافؤ في فرص العمل المتاحة.

8- الخطة الوطنية للتدريب اللازمة لتطوير هيكل القوى العاملة وإعداد الفائض من العمال للحصول على فرص العمل الملائمة.

يبرز هنا تساؤل عما إذا كان الكادر الوظيفي المتوافر حاليا بوزارة العمل سيكون قادرا على إعداد هذه الدراسات أم ان الأمر يتطلب الاستعانة بالكفاءات والخبرات الوطنية وتوظيفها بالوزارة؟ من ناحية أخرى فإن تصريح وزير العمل بأنه آن أوان الانتقال بهذه الوزارة من مرحلة القيام بأعباء وكالات التوظيف الى مسئوليات تنظيم سوق العمل يجعلنا نتفاءل بأن اتجاها علميا جديدا يحدد في المرحلة الحالية مسارات وزارة العمل واتجاهاتها.

المجلس الاستشاري للعمل

ويتبين مما تقدم ان إلغاء المادة (145) من قانون العمل التي كانت تنظم إنشاء واختصاصات المجلس الاستشاري الأعلى للعمل كان أمرا يتناقض مع متطلبات تنظيم سوق العمل، ونأمل ان يعاد النظر مرة أخرى في هذا الاتجاه السلبي وأن يعاد تنظيم أعمال هذا المجلس عند إعداد مشروع قانون العمل الجديد بحيث يضم أعضاء من الوزارات المعنية بتنظيم سوق العمل وممثلين عن غرفة تجارة وصناعة البحرين والاتحاد العام لنقابات العمال على أن يختص هذا المجلس بإبداء الرأي فيما يلي:

1- مشروعات القوانين والقرارات الوزارية الخاصة بالعمل والعمال وتعديلاتها.

2- سياسات التعليم والاستخدام والتدريب والأجور وسبل تحقيق التكامل والتنسيق بينها.

3- سياسات السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل.

4- اتفاقات العمل الدولية والعربية قبل الانضمام إليها.

5- النظم والقواعد والإجراءات اللازمة لتنفيذ سياسات الاستخدام.

ويلاحظ أن هذا المجلس لم يشكل من وقت صدور قانون العمل في العام 1976 حتى إلغائه في العام 2002. ويبدوا أن السبب في ذلك يرجع الى عدم الإيمان بأهمية مشاركة أطراف الإنتاج في تنظيم سوق العمل والاعتماد على القرارات والاجتهادات الفردية التي لا تستند الى دراسات علمية وتٌفرض بقوة القانون أو القرارات الوزارية على طرفي الإنتاج من دون مراعاة لقناعاتهم الأمر الذي ترتب عليه انتشار ظاهرة الاتجار في البطاقات السكانية وتبرّم أصحاب الأعمال من القرارات التي تصدرها وزارة العمل وعدم رضا العمال عن الإنجازات التي تعلن الوزارة عن تحقيقها.

التنسق بين السياسيات جميعها

رأينا في طرحنا السابق أن تنظيم سوق العمل يرتبط ارتباطا وثيقا بسياسات التخطيط بوجه عام التي يمكن في إطارها التنسيق بين السياسات المؤثرة جميعها في حجم ونوعية العمالة الوطنية والأجنبية، فمن دون التنسيق بين تنظيم سوق العمل وسياسات التعليم والتدريب ينشأ عجز أو فائض في بعض المهن وتتم معالجة هذه المشكلة برسم السياسة التعليمية والتدريبية في ضوء الموازنة السنوية للقوة العاملة التي تحدد إجمالي العرض والطلب على العمالة وكيفية الموازنة بينهما، وبالإضافة الى ما تقدم فإن نمو فرص العمل وزيادة حجم الإنتاج واتساع قطاع الخدمات يعتمد على الوسائل التي تتخذ لتيسير الائتمان وتشجيع الاستثمار، وللسياسات النقدية أثرها الواضح في تنظيم سوق العمل فالحفاظ على قيمة النقد يحمي المجتمع من حالات التضخم أو الانكماش التي ستنعكس آثارها على قطاعات النشاط الاقتصادي المختلفة وفرص العمل ومستويات المعيشة، ولسياسة الصادرات والواردات أثرها الواضح في حجم الاستخدام، فكلما زادت الصادرات زادت فرص العمل وتركز الدول جميعها حاليا على إنتاج السلع التي تتوافر إمكانات تصديرها او فرص مبادلتها في الأسواق العالمية وهي تعمل على أن تصدر ما تنتجه من الخامات كمواد مصنعة أو نصف مصنعة وعلى أن تستورد المنتجات المصنعة بقدر الامكان كمواد نصف مصنعة يستكمل تصنيعها محليا فيزيد هذا الاستكمال من فرص العمل وعلاوة على ما تقدم كلما خفضنا من الرسوم، تصاريح العمل والسجلات التجارية وغيرها كلما شجعنا المشروعات الجديدة للتنمية وكلما وفرنا التسهيلات والاعفاءات للصناعات الجديدة كلما زادت فرص العمل

وأخيرا نود أن نشير في ختام هذا المقال إلى أن المناداة بزيادة رسوم تصاريح العمل للعمال الأجانب للحد من استقدامهم، ثبت من خلال التجربة العملية فشلها في تحقيق هذا الهدف، فقد زادت هذه الرسوم أكثر من عشرة أضعاف خلال عشر سنوات ومع ذلك تزايدت أعداد العمال الاجانب، ذلك أن صاحب العمل أضاف هذا العبء المالي إلى تكلفة انتاج السلعة أو اداء الخدمة فتحمل المستهلك وحده عبء هذه الزيادة، فضلا عن أن الذين يتاجرون في العمالة الأجنبية فرضوا عليها مقابلا شهريا متزايدا لمواجهة تكلفة زيادة رسوم تصاريح العمل واحتفضوا بأرباحهم الناتجة عن التجارة من البشر، ومن ناحية أخرى فإنه حين زادت هذه الرسوم العام 1996 وتقرر توجيه حصيلة هذه الزيادة إلى برامج تدريب العمالة المحلية أفرجت عن هذه الزيادة لصالح عملية التدريب في البحرين.

من ناحية أخرى فإن الذين أثاروا التخوف من انشاء جهاز للتخطيط وربطوا بين هذا الاتجاه والنظم الشمولية فإنه يكفي أن نقول لهم ان معظم دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية لديها وزارات للتخطيط. وهناك لجنة منبثقة عن المجلس الأعلى لمجلس التعاون تضم وزارة التخطيط، وتمثل البحرين في هذه اللجنة وزير المالية والاقتصاد الوطني وأحيانا وزير العمل أو وزير شئون مجلس الوزراء لعدم وجود مثل هذه الوزارة أو الجهاز لدينا، والسؤال الملح الآن هو: هل يعني وجود وزارات للتخطيط في معظم دول مجلس التعاون أنها دول تأخذ بالنظام الشمولي؟

وأخيرا فإنه سبق لوزارة العمل أن أوضحت هذه القضايا جميعها من سياستها العمالية التي وضعتها العام 1977 أي منذ حوالي (25) سنة ولمن يريد الرجوع إلى تفاصيل هذه السياسة عليه قراءة الكتاب الذي أصدرته الوزارة العام 1977 بعنوان أضواء على السياسات العمالية والاجتماعية والادارية في الصحافة من (7) إلى (32) وإلى الكتاب الذي أصدرته الوزارة العام 1979 بعنوان «كيف نعمل» الصفحات من (75) إلي (70) ويبقى سؤال أخير هو: هل تنتظر (25) سنة أخرى لانشاء جهاز أو وزارة للتخطيط يتم من اطار سياساتها تنظيم سوق العمل في البحرين؟

إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"

العدد 142 - السبت 25 يناير 2003م الموافق 22 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً