العدد 141 - الجمعة 24 يناير 2003م الموافق 21 ذي القعدة 1423هـ

قمّتان... سداسية وثنائية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قمّتان وموضوع واحد. الأولى سداسية في اسطنبول ضمت مصر وسورية والسعودية والأردن وإيران إضافة إلى تركيا، والثانية ثنائية فرنسية ـ ألمانية في برلين.

والموضوع بحث مسألة العراق واحتمال نشوب حرب تقودها الولايات المتحدة. وأهمية القمتين تأتي في سياق الاستعدادات الدولية ـ الإقليمية لاستقبال التقرير النهائي لكبير فريق المفتشين الدوليين هانز بليكس. وبغض النظر عن فحوى التقرير الذي سيرفع في 27 يناير/ كانون الثاني الجاري يتطلب الأمر بعض القراءة في مختلف الاحتمالات وضرورة التنسيق بين القوى صاحبة المصلحة في درء مخاطر تداعيات الحرب وتأثيراتها السلبية على خريطة المنطقة ومستقبلها.

لا شك أن قمة واحدة ليست كافية لاستدراك المواقف واحتواء عناصر الانفجار الكبير إلا أنها خطوة ضرورية على المستوى الاقليمي (العربي ـ الإسلامي). والأمر نفسه ينطبق على القمة الثنائية إذ أن التنسيق الألماني ـ الفرنسي يؤسس قواعد انطلاق لمحور أوروبي (دولي)، يتوقع له أن يتحول إلى قطب مغناطيسي يجذب مختلف دول الاتحاد نظرا لمكانة ألمانيا الاقتصادية (ثالث أكبر قوة في العالم) ومكانة فرنسا (رابع أكبر قوة اقتصادية في العالم). القوتان المشتركتان تشكلان القوة الثانية عالميا إلى جوار اليابان وتتمتعان بتأثير سياسي (حق النقض/ الفيتو الفرنسي) في مجلس الأمن ودوله الكبرى.

إلى القوة الاقتصادية ـ السياسية الظاهرة للثنائي الألماني ـ الفرنسي هناك قوة باطنة وأكثر فعالية وهي أن ألمانيا تعتبر نصف بروتستانتية نصف كاثوليكية وهي الدولة الأكثر كثافة سكانيا ولغتها تشكل نقطة جذب ثقافية لمجموعات تتكلم اللسان الجرماني ويمتد إلى وسط أوروبا وشرقها. أما فرنسا فهي كاثوليكية نصف أطلسية ونصف متوسطية وهي الدولة الأكبر مساحة جغرافيا وبحكم موقعها الجغرافي ـ السياسي تستطيع التأثير مباشرة أو مداورة على مجموعة الدول المتوسطية الكاثوليكية التي تقابل مجموعة دول عربية وتتقاسم معها النفوذ على الطرف الغربي من البحر المتوسط.

نهوض المحور الثنائي الألماني ـ الفرنسي يعني جيوسياسيا إمكان نشوء قطب مغناطيسي جاذب يشد سلسلة من الدول الأوروبية الشرقية والمتوسطية للوقوف معا ضد قرارات أميركية فوقية (استعلائية) تميل إلى إملاء الشروط والمواقف بدلا من صيغ الحوار والتفاوض. وبهذا المعنى فإن معركة ألمانيا ـ فرنسا معركة أوربية سيادية داخلية تطمح إلى رفع السقف الأوروبي في النظرة إلى الولايات المتحدة وسياساتها الهجومية الدولية. وهذه الوقفة المترددة مع العراق هي في معنى من معانيها قوة دفع داخلية تريد اعادة ربط السياسة الدولية بتوازن المصالح بين القوة الأميركية الضاغطة والقوة الأوروبية الصاعدة بصعوبة إلى الأعلى. وبعيدا عن مدى جدية نجاح التجربة الثنائية الفرنسية ـ الألمانية فإن المحاولة تستحق الملاحظة لأنها خطوة تجريبية بدائية ربما تشجع دولة كبرى تدعى روسيا على النهوض من كبوتها والتصرف كقوة تملك الجيش الثاني في العالم بدلا من حالات الاستضعاف السياسي والتسكع الاقتصادي الذي جعلها تبدو دولة من العالم الثالث لا حول لها ولا قوة.

الثنائية الفرنسية ـ الألمانية يمكن قراءة بعض تأثيراتها المعنوية على المقلب الآخر من العالم سواء في فنزويلا (أميركا الجنوبية) أو في الصين وحتى في دول «الشرق الأوسط» التي انكشفت دوليا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وتاهت إقليميا بعد ضرب العراق في العام 1991 ومحاصرة إيران منذ العام 1980.

هل الدول العربية الآن أمام «عودة الروح» للبعد الإسلامي لمشروعها الوحدوي الذي سار من خيبة إلى خيبة على رغم النداءات وكثرة المؤتمرات والقمم العربية؟

مجرد إطلالة سريعة على المعنى العميق للقاء اسطنبول يكشف عن مجموعة روابط كانت إلى الوقت القريب عناصر تفرقة بدلا من أن تكون عوامل تجميع وتقريب للقوى. فاللقاء الإيراني ـ التركي المتجدد الذي انقطع بعد انقلاب المجلس العسكري الأتاتوركي على رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان أعاد إحياء بعض عناصر الواقعية بعودة حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي إلى الحكم بغالبية برلمانية كاسحة. وعودة اللقاء التركي ـ الإيراني لا معنى له إذا لم يتم بغطاء عربي وهو ما تم من خلال المشاركة السعودية، المصرية، السورية، والأردنية. صحيح أن لقاء اسطنبول مجرد حركة سريعة مقطوعة الصلة بماضي الأيام إلا أنه خطوة مرتبطة بحادث كبير يتوقع له أن يضرب العراق ويطول المنطقة في مستقبل الأيام.

قمّتان إذن في وقت واحد وعنوانهما المشترك: العراق. إلا أن التفاصيل تضرب في عمق مستقبل العلاقات الدولية بين أوروبا وأميركا ومستقبل العلاقات الإقليمية بين الدول العربية وعمقها الاسلامي والدول الإسلامية وعمقها العربي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 141 - الجمعة 24 يناير 2003م الموافق 21 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً