لن أقول: ان الولايات المتحدة الاميركية تريد دمقرطة العراق، فالعراق لم يعرف لون الديمقراطية منذ ان عقدت فيه ما تسمى بالدولة الحديثة انما هي تبحث عن امركته بقرضاي جديد، قد تكون جنسيته تحمل لون النخيل العراقي ولكن القلب مطبوع بختم من واشنطن.
لسنا معنيين بذلك التراشق الثقافي ما بين المفكرين الكويتيين وبقية مفكري العرب فكل يبكي على ليلاه وله اجندته واحكامه المؤدلجة بنكهة التسعينات التي جاءت الكثير من طقوسها موافقة مع تداعيات حرب الخليج الثانية، تلك التي بدلنا فيها الكثير من الامور والأنفس من دون ان يكون لشعوب المنطقة اي دور في الرفض أو القبول.
لسنا معنيين بذلك بقدر ما نحن معنيون بما تبحث عنه الولايات المتحدة من هذه الحرب. فالكل يعلم ان للحروب خططا معلنة وخططا غير معلنة، ونحن هنا نبحث عن ما هو غير معلن وما يدار تحت الطاولات السياسية فالكثير ممن تجدهم من المسئولين العرب يعلنون قيام هذه الحرب تجدهم يباركونها في الخفاء، وهم على استعداد لئن يكونوا القلب الحنون والدافئ للجندي الاميركي الذي ما جاء ليرحل أو ليحرر العراق أو يشرعن الديمقراطية للشعب العراقي، انما جاء ليبقى، ليرسم صورة اخرى للمنطقة بخلفية وعقلية ما بعد كارثة 11 سبتمبر/ كانون الاول. فمنذ متى كانت الولايات المتحدة تقود حروب تحرير؟ وهي التي عرف تاريخها بالعدائية للدول المستقلة أو تفكر في الاستقلال فتاريخ الساسة الاميركان اصطبغ بلون الدم وخصوصا الدم العربي وتحديدا العراقي ايضا. فالولايات المتحدة لا تريد جيشا عربيا قويا وهذا سر حرب الخليج الثانية، هي تبحث عن سيطرة فعلية على المنطقة لتحكم سيطرتها على النفط لتحكم قبضتها تماما وانها تتحرك وعيونها على إسرائيل وكيف تخلق لها وجودا فاعلا فكلما ان حرب تحرير الكويت انجبت السلام المنفرد ما بين عرفات واسرائيل فهذه الحرب ستدفع باتجاه تطبيع العلاقة الاسرائيلية العربية وخصوصا انها ستفرز مزيدا من الضعف العربي سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي.
ويبقى سؤال ملح هو: كيف سيكون العالم العربي مابعد الحرب؟ فمرحلة ما بعد الحرب هي المرحلة الاهم من الحرب ذاتها. فالخليج سيدخل في العمق الاميركي وستترسخ مقولة ذلك المفكر الاميركي عندما قال: كما كان القرن العشرون قرنا اميركيا سيكون القرن الواحد والعشرون قرنا اميركيا!!؟.
اذن سنكون تحت رحمة العولمة الاميركية بكل فروعها «الثقافي والاقتصادي، والامني والسياسي». وسنلحظ مزيدا من التسابق العربي لتقبيل رجل العم سام بوش وسنحلظ ان العرب سيجتهدون في حرق البخور استرضاء للاب الجديد القديم، كما وسيكون للاسرائيليين حضورهم ونصيبهم من الكعكة المطيفة بالون السياسي والاقتصادي والامني والثقافي، وستكون هناك عبرنة فاقعة اللون ستتلاقى مع الجروح التي تختلقها اتفاقات كامب ديفيد.
اذن ستكون هناك هيمنة اميركية على المنطقة
وسترى الولايات المتحدة في الخليج مكانا خصبا لبيع بقية تلك الاسلحة المتكدسة في مخازنها. فما بين العامين 1991 - 1992م باعت الولايات المتحدة ما قيمته 19,2 مليار دولار من الاسلحة التقلدية للمملكة العربية السعودية فقط.
اذن ستصبح منطقة الخليج تحت الحماية الاميركية المباشرة. فإن ذلك كما لا يخفى سيكون له انعكاساته السلبية في مجالات كثيرة وسيكون عامل ضغط على ضمير المواطن العربي وخصوصا ان الحرب سيكون لها الكثير من الضحايا وانها ستكون تحديا واضحا لمثل وقيم المجتمع العربي المسلم.
نحن في الخليج نعاني من ضعف لا يستطيع تحمل مثل هذه الخضات السياسية العنيفة، فالندرة السكانية كما هو موجود في الكويت، وعدم ترسيخ ثقافة المجتمع المدني إذ ان السياسة الفردية هي الغالبة، فمازالت المؤسسات المدنية تقاد بطريقة مسيّسة وباسلوب غير استقلالي ولسنين طويلة من ادعاء الديمرقاطية مما افقدت استقلاليتها. كما وان المنطق القبائلي و المناطقي والجذري هو الروح التي تسود وتحكم عقلية الفرد سواء في تعاطيه مع ذاته أو تعاطيه مع السلطة، كلها امور متشابكة توحي بعدم الاسقرار.
اذن نحن نفتقد ما هو موجود في الغرب، الاستقرار السياسي المبتني على المنهج المؤسسي أو الديمقراطي. فالديمقراطية في الوطن العربي مازال ينظر اليها كضرة حاقدة تريد ان تستولي على تلك الميزات التي حباها الله للانظمة العربية من دون رعاياهم.
ولعل الخطر الاكبر هو الخوف من ان تقسم العراق إلى تقسيم طائفي فسيفسائي بذلك يفقد العرب دولة قوية تمتاز بجميع مفردات الدولة القوية من ثورة نفطية وسكانية وحتى حضارية فهي الدولة التي تستطيع ان تعطي توازنا - ولونسبيا - مع وجود الكيان الصهيوني، وخصوصا بعد تحييد مصر.
ولكن على رغم ذلك يبقى ان النظام السياسي في العراق لم يكن مهيئا لقيام دولة حديثة فلعل من اكبر الثغرات التي تستطيع الدخول منها الولايات المتحدة هي ثغرة عدم ديمقراطية النظام أو سجله الحافل بانتهاكات حقوق الانسان. وتلك هي مشكلتنا الكبرى مع الدول العربية فهي ترى ان المناهج الفردية والتسلطية هي التي تستطيع حفظ التماسك الداخلي وهذه العقلية ان باركتها الولايات المتحدة - باعتبارها القطب الاقوى اليوم فإن غدا تراها - اذا ما اقتضت مصلحتها وادار الخط لمثل هذه الدول ظهره - مبررا لضرب مثل هذه الدول.
وها نحن نرى كيف تعمد الولايات المتحدة - بطريقة خلط الاوراق - على ضرب اكثر من كانوا حلفاء لها بالامس غير عابئة بتلك الصداقة القديمة فهي تشوه سمعة بعضهم وتهدد البعض الآخر وها هي تحاول تدمير العراق حليف الثمانينات. لذلك ينبغي للانظمة ان تعتمد الخيار الديمقراطي سلوكا في التعاطي مع شعوبها حتى تشعر بالطمأنينة تجاه اي خطر قادم قد يعمل على هز المنطقة. فإن ترسيخ العلاقة المتوازنة ما بين الانظمة وشعوبها بعيدا عن الشمولية وحكم الفرد وتسلط الكرباج هي الضمانة الرئيسية لتماسك موقف مثل هذه الدول داخليا وخارجيا بالطمأنينة بحاجة ماسة إلى تقوية علاقتها مع مواطنيها ورعاياها ليس في مواسم الحروب فقط فالعلاقة الموسمية تنتهي بانتهاء الموسم وانما علاقة دائمة تحكمها تلك العقود الاجتماعية الديمقراطية وتلك القوانين التي تعمد على ترسيخ الشفافية والديمقراطية الحقيقية لا الشكلية أو الفلوكلورية.
العالم العربي اليوم امام مأزق كبير وامام تحول سياسي ومفصل جديد سيكون له تداعيات كثيرة وقد يؤثر اقتصاديا حتى على بعض هذه الدول الغنية فالحرب ستبتلع مزيدا من موازنات هذه الدول لانها في نهاية المطاف ستدفع فاتورة الحرب.
هذا اضافة إلى تلك الازمات البيئية التي ستورثها الحرب والخلقية وتلك الامراض فهناك خوف من ازدياد نسبة انتشار مرض السرطان وغيره من الامراض.
لذلك ينبغي للدول العربية ان تقرأ الحدث بطريقة علمية معرفية استراتيجية، وان تكون على استعداد كامل لاي طارئ. فالمنطقة اذا ما وقعت الحرب ستكون على كف عفريت. فاسرائيل بدأت من الآن في تعليم رعايها طرق استخدام الاجهزة الواقعية لأي طارئ جرثومي بيولوجي. فالحروب عادة تكون مليئة بالمفاجآت، لهذه ينبغي على الانظمة العربية ان تجعل شعوبها على بينة بما سيحدث وان تعطيها حقائق ما وصل اليه واقع الحرب لانه وللاسف الشديد مازال جمع كبير من الناس في امية مما سيحدث ويتعاطون بلامبالاة وخصوصا في الخليج على رغم انهم معنيون - اكثر من غيرهم - بمعرفة ما وصل إليه الجو السياسي العام ما بين جنرالات الولايات المتحدة وما يخططون له وما بين النظام العراقي الذي لن يكون الاخير ممن يقدم وقودا لاجل حروب لصالح اميركا والغرب فليس هو آخر كبش فداء
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 140 - الخميس 23 يناير 2003م الموافق 20 ذي القعدة 1423هـ