العدد 140 - الخميس 23 يناير 2003م الموافق 20 ذي القعدة 1423هـ

هدف الحرب من دون حرب

ماذا وراء طلب تنحي صدّام عن الحكم؟

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

أثارت الصحف العربية موضوع تزايد الحديث عن خطط لإقناع الرئيس العراقي صدام حسين، بالتنحي عن الحكم، وتواصل حركة اللقاءات والمشاورات المكثفة بشأن الاقتراح التركي عقد مؤتمر إقليمي يبحث سبل تجنب حرب أميركية على العراق. وإعلان العاصمة السورية، ان الرئيس السوري بشار الأسد، تلقى اتصالا من رئيس الوزراء التركي عبدالله غول، شكره فيه على الجهود التي تبذلها سورية لتوفير إجماع إقليمي على تجنب الحرب الأميركية على العراق والمنطقة، وتم الاتفاق على أن يُعقد الاجتماع الأول لوزراء خارجية الدول الست المجاورة للعراق وهي سورية والسعودية والأردن وتركيا وإيران بالإضافة إلى مصر، في اسطنبول هذا الأسبوع، على أن يُعقد اجتماع ثان للوزراء الستة في دمشق في وقت لاحق. والزيارة المفاجئة التي بدأها مساعد وزير الخارجية الاميركي وليام بيرنز إلى دمشق، إذ من المقرر ان يستقبله اليوم الرئيس السوري بشار الأسد، نقلت «السفير اللبنانية»، عن مصادر أميركية مطلعة في واشنطن، ان جولة بيرنز في المنطقة، التي بدأت في دمشق، لا علاقة لها بالمساعي التي تبذلها دول المنطقة لعقد لقاءات في تركيا أو سورية لتفادي الحرب، بل تهدف الى تكملة الجولة الاخيرة التي قام بها بيرنز في المنطقة، إذ سيتوقف أيضا في الأردن وفي الكويت والسعودية وغيرها من دول الخليج. واضافت المصادر ان واشنطن ستراقب باهتمام الاجتماعات الإقليمية، وانه ليس لديها موقف مسبق منها، وإن كان يهمها في الدرجة الأولى ألاّ تؤدي هذه التحركات إلى تخفيف الضغوط عن الرئيس صدام حسين، بحيث تصبح هذه النشاطات محور اهتمام قادة المنطقة. وكشفت «المحرر العربي»، ان رئيس الوزراء التركي عبدالله غول، أعرب في حديث مع رئيس عربي، عن صدمته إثر صدور القائمة الأميركية بالشخصيات العراقية التي وصفت بـ «مجرمي الحرب» معتبرا ان هذا يعني ان أي مسعى لحمل الرئيس صدام، الذي ورد اسمه على اللائحة لم يعد ذا جدوى. ونقلت «الوطن» السعودية حديث مصدر عسكري أوروبي، عن سيناريو أميركي جديد يبحثه خبراء البنتاغون مع تصاعد الضغوط على صدام حسين لإقناعه بالتنازل عن الحكم والرحيل عن بغداد بصورة طوعية. ويعتمد السيناريو على دخول جزء من القوات الأميركية المرابطة في الخليج في حملة عسكرية بيضاء «من دون إراقة دماء» إلى العراق عقب رحيل صدام حسين، والاستيلاء على مراكز الحكم والسلطة ومصادر الثروة، ووضعها تحت حكم عسكري أميركي أو ما يشبه الانتداب العسكري، وذلك لفترة انتقالية إلى أن تقوم واشنطن باختيار عناصر تشكل الحكومة العراقية الجديدة، التي لم يستبعد المصدر الأوروبي انها ستكون أيضا عسكرية لفترة انتقالية، وستمهد أميركا للحملة البيضاء بعد رحيل صدام بحملة دعائية مكثفة تستهدف العسكريين والمدنيين العراقيين بالتسليم وبإقناعهم بأن القوات الأميركية جاءت لتحريرهم لا لمحاربتهم. كما أكد المصدر الأوروبي، بحسب الصحيفة السعودية، ان احتمالات الانقلاب العسكري ضد صدام حسين باتت كبيرة، وكذلك حدوث انتفاضة شعبية، وان النظام يعتمد في قمع هذه الانتفاضة على عناصر منظمة «مجاهدي خلق» المعارضة للحكومة الإيرانية، إذ تقوم عناصر المنظمة حاليا بمساعده قيادات عسكرية موالية لصدام بإجراء تدريبات عسكرية لمواجهة أي انقلاب أو انتفاضة والعمل على القضاء عليها.

لكن الصحف العربية ومعظم المحللين العرب حذّروا من الحديث عن خطط لإقناع صدام حسين بالتنحي عن الحكم... ولاحظت سحر بعاصيري في «النهار» اللبنانية، اننا وصلنا إلى «المرحلة الأخيرة» من المواجهة مع العراق، والتي تبدأ حسب التقويم الأميركي في 27 يناير/كانون الثاني. عندما يقدم هانز بليكس، تقريره عن شهرين من عمليات التفتيش. ورأت انه رغم استمرار هذه العمليات وبيانات «التعاون» المشتركة بين المفتشين وبغداد، اتضح سريعا ان عنوان هذه المرحلة لا علاقة له بنزع السلاح بل بمعادلة أخرى: رحيل صدام حسين أو الحرب. موضحة ان هذه الفكرة صدرت عن تركيا، وراجت. وبدا لبعاصيري، ان التفسير المنطقي الوحيد لهذه الفكرة هو التفسير العراقي الذي اعتبرها جزءا من الحرب النفسية. وتساءلت هل يصدق عاقل ان صدام سيقبل بالتنحي طوعا؟ وشددت على انها حرب نفسية ذات أهداف كثيرة. فهي تسهم أولا في عزل صدام عربيا وهذا يتحقق. وتهدف أيضا إلى تفكيك تماسك نظامه وتشجيع حركة ما من داخل النظام لإطاحته بإعطائها شرعية مسبقة أو على الأقل تشجيع حركة تكون جاهزة للتحرك ضده لحظة تتحرك الأسلحة الأميركية لمزيد من الضغوط. واعتبرت بعاصيري، ان هذا بالنسبة إلى أميركا تطور كبير في المواجهة. ورأت انه قبل أن تتخذ قرارها ببدء التدخل العسكري في العراق طبيعي أن تحاول استنفاد كل الوسائل لتحقيق نتائج الحرب من دون حرب. وقد حققت خطوتين في هذا الاتجاه: الأولى انها نجحت في شخصنة مواجهتها مع العراق وفي تعميم هذا الأمر. والثانية ان واشنطن أدخلت دولا كثيرة وخصوصا تلك المعارضة للحرب في جهد تنحية صدام وكأنها بذلك لم تحدد «المرحلة الأخيرة» مهلة له وحده بل لها جميعا.

وفي السياق عينه، رأى جوزف سماحة في «السفير»، انه من الغباء أن ينسب أحد إلى الإدارة الأميركية انها لا ترى سوى الحرب وسيلة إلى هذه الغاية. فهي لن تمانع أبدا في حصول انقلاب وهي لن تعترض عمليات اغتيال. وهي قد تشجع عمليات تمرد. وهي، أخيرا، تلجأ إلى التدخل العسكري المباشر إذا لم تعد تملك خيارا... وبدا لسماحة، ان أميركا، تسعى إلى الاستفادة من الأيام والأسابيع المقبلة من أجل إدخال التعديلات الممكنة على ميزان القوى السياسي. ورأى سماحة، ان الإدارة الأميركية، تنبهت متأخرة بعض الشيء، إلى ان قاعدة التأييد لها تضيق جدا بمجرد أن تنتقل من دعم المفتشين لإزالة أسلحة الدمار إلى التهديد بحرب لتغيير النظام، ولكنها تنبهت، أيضا، إلى ان قاعدة خصومها تضيق أيضا بمجرد الانتقال من العداء للنظام بذاته إلى تهديد العراق وشعبه. واكتشفت ان في وسعها الاستفادة من احتياطي سياسي وشعبي وتحييده، إن لم يكن كسبه، بمجرد اقتراح تغيير للنظام في بغداد بغير الوسائل الحربية. ومن هنا بادرت إلى وضع يدها على أطروحة «تنحي الرئيس صدام حسين والمقربين منه» تجنيبا للعراق أهوال الحرب. وقدّر سماحة، أن تتطور حملة العلاقات العامة هذه وأن تحقق، في أسابيع الوقت الضائع المقبلة، اختراقات يمكنها أن تسهم في إعادة رسم الصورة لتحقيق هدف الحرب من دون حرب. وختم بالقول ان التصريحات الأميركية عن ضرورة تجنب الحرب هي، في الواقع، استخدام للزمن لجعل الحرب أكثر احتمالا ولتأمين احتضان أكبر لها. معتبرا ان ما كان سهلا بالأمس، إقناع مواطن بمخاطر الجموح الأميركي، سيكون صعبا غدا.

ونبهت «الوطن» القطرية أيضا إلى ان الدعوة الأميركية إلى تنحي صدام حسين ليست سوى حيلة لاستباق النتائج النهائية التي قد تتوصل إليها عملية التفتيش بخلو العراق من أسلحة الدمار الشامل وبالتالي رفع العقوبات الدولية عنه... لكن «القدس العربي» الفلسطينية رأت ان عرض رامسفيلد على صدام حسين التنحي يعني ان الإدارة الأميركية بدأت تشعر بالقلق من جراء المغامرة بشن عدوان على العراق... وأوضحت ان الإدارة الأميركية تعيش مأزقا حقيقيا هذه الأيام، وتشعر ان حجم العداء لها يتزايد في كل بقاع العالم. واستبعدت الصحيفة قبول صدام بالتنحي عن الحكم، كما استبعدت حصول انقلاب عسكري في العراق، ولهذا رأت ان الرئيس بوش نفسه أمام خيارين، فإما المضي قدما في العدوان من دون الحصول على أدلة بامتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، رإما تأجيل العدوان لبضعة أشهر، لإعطاء المفتشين المزيد من الوقت لإتمام عملهم. وخلصت إلى القول ان الرئيس بوش، وأيا كان خياره، سيكون هو الخاسر الأكبر، لأن مغامرة الحرب غير مأمونة العواقب، بينما قد يؤدي التأجيل إلى تراجع احتمالات الحرب بشكل نهائي، لأن الظروف المناخية والسياسية قد لا تكون ملائمة.

من جهته، تحدث سركيس نعوم في «النهار»، عن حصة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الملف العراقي، وأشار إلى ان السؤال الذي يطرحه الكثيرون اليوم في المنطقة والعالم هو ما هي تأثيرات الموضوع العراقي على إيران، وهل تكون إيجابية أم سلبية؟ ونقل إجابة متابعين أميركيين، ان النظام الإسلامي في إيران لا يستطيع إلا أن يكون رابحا من الموضوع العراقي المطروح ولكن على المدى القصير. ويتوقف ذلك على قدرة أركان هذا النظام على الإفادة من المعطيات الداخلية والأخرى المقبلة. وهذا يعني ان على الإيرانيين أن يقفوا على مسافة من الموضوع العراقي ألا يتورطوا فيه. وعندها فإنهم سيحققون مكاسب عدة أولها التخلص من الرئيس العراقي صدام حسين ونظامه. وثانيها إعطاء الشيعة العراقيين دورا رئيسيا في مستقبل العراق. وثالثها طلب أميركا من أكراد العراق «حسن التصرف» أي عدم السعي إلى إقامة دولة كردية أثناء «معالجة» عراق صدام مع ضمان دور رئيسي لهم في تركيبته الجديدة

العدد 140 - الخميس 23 يناير 2003م الموافق 20 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً