هل تنتظر الولايات المتحدة. فعلا، تقرير كبير فريق المفتشين الدوليين هانز بليكس ام ان توقيت الانتظار وموعده في 27 الشهر الجاري مسألة شكلية؟ يرجح ان واشنطن لا تنتظر التقرير لاسباب عدة... اولا، انها تعرف اكثر من بليكس ماذا يملك العراق واين يخالف واين يتجاوب. ثانيا، ان الادارة الاميركية لا ترهن استراتيجيتها ومستقبل الصراع على منطقة «الشرق الاوسط» بتقرير يصدر عن جهة دولية. ثالثا بات العراق بعد سلسلة التطورات حاجة اقتصادية اميركية داخلية اضافة إلى كونه يشكل قاعدة امنية ضرورية وربما محطة انطلاق لسياسة كبرى تطول دول المحيط الجغرافي - السياسي لدولة الرافدين.
هذا لا يعني ان تقرير بليكس ليس مهما لإدارة البيت الابيض لتبرير سياستها في المرحلة المقبلة الا ان اهميته ليست في مضمونه بقدر ما يظهر للرأي العام الدولي مدى استعداد واشنطن للتجاوب مع طلبات دولية ألحت عليها للقبول بالشكليات لإعطاء قيمة معنوية لمؤسسة لاتزال تعتبر حتى الآن المرجع الاعلى لمختلف الصراعات التي تنشب في اكثر من مكان في العالم. وحتى تبقي الدول الكبرى بعض الهيبة لهذه المؤسسة اتفقت على ان تكون المرجع لتنفيذ سياسات حتى لو كانت مقررة سلفا. ففي حال العراق مثلا لم تكن هناك ازمة ناشبة تدخلت الدول الكبرى لايجاد مخرج سياسي لها بل ان الازمة تم اختراعها او اعيد احياء عناصرها الكامنة لتكون جاهزة للقطاف حين يأتي ميعادها.
الامم المتحدة تتدخل عادة حين تنشب ازمة فتتحرك الدول الكبرى لاحتواء عناصرها منعا لانتشارها. وفي حال العراق، وقبله افغانستان، كانت الازمة معكوسة. اي انها اخترعت لاختزال ازمة دولية اندلعت في 11 سبتمبر/ ايلول 2001 وكان لابد من التحرك او التجاوب مع الغضب الاميركي حتى لا تكون الولايات المتحدة منعزلة وتقوم بحركات طائشة للرد او الانتقام من اطراف قيل انها وراء تلك الحوادث.
تحركت الولايات المتحدة ضد افغانستان والعالم كان يعيش لحظة الغضب ولم يكن من خيار للامم المتحدة سوى التجاوب وقبول الامر الواقع. فمفعول ضربة 11 سبتمبر كان في اوج زخمه. الآن اختلفت الامر. مفعول ضربة سبتمبر تراجع بل وصل الى حدود التلاشي وهناك ما يشبه الصحوة العالمية (في الشوارع والرأي العام والجمعيات الحقوقية على الاقل) المضادة للهجمة الاميركية على العراق وغيره.
يرجح ان ادارة بوش لا تنتظر ما يقوله بليكس في تقريره او ما لا يقوله. فالقرار هو القرار حتى لو باتت واشنطن مقتنعة بأن مفعول 11 سبتمبر انتهى ولم يعد ذريعة كافية للرد او للهجوم. فالبيت الأبيض عقد العزم على اخذ العراق عنوة او سلما والميل العام هو اخذه بالقوة الا اذا قرر نظام بغداد الاستسلام وتقديم ما تريده ادارة بوش من دون حرب معروفة نتائجها منذ الآن. فالعراق بات حاجة أمنية - اقتصادية داخلية، وخطة الاستيلاء عليه وضعت منذ الاسبوع الاول لضربة سبتمبر. والتأخير في اخذ القرار النهائي هو مجرد اعطاء وقت للتفاصيل وليس اعطاء فرصة اخيرة للنظام العراقي لمراجعة حساباته. المراجعة الوحيدة المقبولة اميركيا هي الموافقة كليا على المشروع الدولي الذي يعني تقديم كل العراق سلما حتى لا يؤخذ عنوة. وغير هذا الحل يبدو من المنظار السياسي غير مقبول اميركيا.
العراق مهم استراتيجيا واكثر اهمية في موقعه من افغانستان وهو في هذا المعنى يعطي قيمة سياسية كبرى لذاك الربح العسكري السريع الذي تحقق في افغانستان. فهو الوجه الآخر لتلك المعركة الدولية التي اعلنتها واشنطن ولذلك فإن ادارة بوش عاقدة العزم على الاستمرار في خطتها المقررة سلفا حتى تستكمل السيطرة على «قوس الأزمات» الممتد من غرب الصين إلى شرق المتوسط وفلسطين. والعراق في هذا المعنى مهم واكثر أهمية من افغانستان ليس لقيمته الخاصة بل لموقعه الخاص الذي يتوسط كدولة سلسلة دول ذات اهمية للاستراتيجية الاميركية الكبرى.
الاهمية اذن للموقع الاقليمي وعقدة المواصلات التي تربط دولة بسلسلة دول ومن يسيطر عليها يستطيع ممارسة تأثيره السياسي على تلك الحكومات الموجودة في مناطق الجوار.
لاشك في ان الولايات المتحدة تنتظر تقرير بليكس وهي من الآن تعرف فحواه. والانتظار مهم الا انه مجرد مسألة شكلية لاتخاذ خطوات فعلية لقرار اتخذ منذ فترة بعيدة تبدأ من الاسبوع الثاني لضربة 11 سبتمبر
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 140 - الخميس 23 يناير 2003م الموافق 20 ذي القعدة 1423هـ