العدد 139 - الأربعاء 22 يناير 2003م الموافق 19 ذي القعدة 1423هـ

النحيل... عاشق أفلام الأكشن

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

ذلك النحيل الذي كاد أن (يعض) كلبا في ليلة ممطرة... هاجمنا معا ونحن في طريقنا الى البيت، إذ غاصت قدمي في الوحل ولم أتمكن من انتشالها لشدة الخوف... كنت أتوقع أن تعضه الحياة (وقد فعلت) بحيث لا تترك له متنفسا ينطلق من خلاله لترميم وجوده ووجود العائلة التي كانت على شفا حفرة من الجوع والفاقة شأنها شأن معظم العائلات البحرينية منتصف السبعينات.

ها هو الآن على مشارف تخرجه من كلية الطب بإحدى الجامعات التركية المرموقة، وإذا كان مدينا لأحد بعد الله، فسيظل مدينا لأمه التي ادخرت نفقات زينتها وحنائها وأعيادها لتحتفل بعيدها الأكبر... يوم أن يتخرج ابنها طبيبا، لتشير اليه أمام عجائز القرية (ذلك صنيعة سنوات من الفقر والرعب والقلق... لم يأت من فراغ بل من تهتك الأعصاب... وليال كانت مكتظة بالكوابيس ووجع الانتظار)... ذلك النحيل الذي عرج على الفقه والعمل الحركي في مداه المتزن والوسطي، وعاشق أفلام الأكشن، وأحيانا التسكع في المقاهي، وتدبير المقالب للأصدقاء، والساخط على كل شيء حتى على نفسه، سيرتدي (الروب الطبي) وستتدلى من عنقه (السماعة الطبية) ليتحسس آلاما طالما عاناها.

كل ما يحلم به ذلك النحيل، هو أن يكون ثريا لا لشيء... سوى أنه يريدها ثروة تفتح له افقا، وترسم أملا لآلاف من أبناء وطنه أوصدت الأبواب في وجوههم من أجل أن ينعموا بوضع صحي معقول، شأنهم شأن بقية خلق الله.

لم يرعه ويربه ويتعهده أحد كما فعلت، ولكنه ظل طوال تلك السنوات صديقا وأخا، تجرعنا مرارة الإفلاس والغربة وقبلها اليتم وتقاسم الحسرة وحتى الزنازين، وظللنا أوفياء لحركيتنا ضمن حركية الحياة في جانبها الإنساني المنفتح على الناس والثقافات والمواقف... أوفياء للمعاني الكبيرة التي سنتمايز بها عن حيوان في برية أو محمية أو في قفص عملاق في إحدى حدائق الحيوان.

ذلك النحيل سينعم يوما بفرصة تمددي أمامه ليتحسس بسماعته قلبا طالما ظل مفطورا بالحب والألم والقلق المعرفي.

سأهمس لك بكلمة: لا تراهن كثيرا على استسلامي لك... فلن تتمكن كل أجهزة العالم الطبية من تشخيص وجع استعصت عليّ طبيعته، أنا الذي يزعم أنه قادر على اكتشاف وتحسس وجع الأشياء قبل وجع البشر

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 139 - الأربعاء 22 يناير 2003م الموافق 19 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً