العدد 139 - الأربعاء 22 يناير 2003م الموافق 19 ذي القعدة 1423هـ

الكاريكاتور هم إنساني وموضوعاته الحياة

فارس قرة بيت يتفقد أحوال العالم

ربما كان رسام الكاريكاتور الصحافي، بين أكثر الفنانين التصاقا بالمتابعة اليومية لأحوال العالم وهمومه الانسانية. ففي كل يوم يكون الرسام مطالبا بلوحة، أو عدة لوحات تقدم الاهم في حوادث العالم وتطوراته، ولوحة الكاريكاتور في كل الاحوال عليها ان تحدد موقفا ازاء ما يجري من حوادث سواء بطريقة مباشرة، أو بطريقة لماحة. غير ان ما يقدمه رسام الكاريكاتور في الصحيفة اليومية، وبحكم انه ينشر في صفحات تتجدد كل يوم، يجعل من لوحات الكاريكاتور اقل قدرة على الحياة والاستمرار في الاحتفاظ بأهميتها في متابعة احوال العالم وشئونه المتبدلة بين يوم وآخر، وهذا يجعل رسام الكاريكاتور امام مأزق حقيقي، عندما يتوجه الى اقامة معرض لأعماله من رسوم الكاريكاتور يقدمها الى النظارة، وكذلك في حال قرر طباعة رسومه في كتاب يجمعها ويقدمها إلى قارئ مختلف عن قارئ الصحيفة اليومية.

غير ان قضاء سنوات طويلة في احتراف الكاريكاتور، مترافقا مع مراكمة ثقافية وفكرية وفنية عالية المستوى، قد تسهم في تجاوز رسام الكاريكاتور مأزقه اليومي في الكاريكاتور الصحافي، وتحويل انتاجه الى اعمال من طبيعة خاصة لها قدرة أكبر في الاحتفاظ بأهمية وحيوية موضوعاتها المطروحة.

وتبدو الخلاصات السابقة حاضرة بقوة في أكثرية اعمال رسام الكاريكاتور السوري فارس قرة بيت، التي ضمها معرضه الاخير المقام في صالة الشعب للفنون الجميلة بدمشق، وقد ضم أكثر من مئة لوحة كاريكاتور اشتغلها قرة بيت خصيصا لمعرضه تحت عنوان «كاريكاتور فارس قرة بيت» ثم قام في آن معا بطباعتها في كتاب رافق المعرض وحمل عنوان «كاريكاتور فارس قرة بيت 2002».

والسؤال الاساسي الذي يطرحه المعرض والكتاب، هو ما الذي قدمه في معرضه وفي كتابه الجديدين؟

والاجابة عن السؤال، لا تتطلب التجوال عبر لوحات المعرض، أو تقليب صفحات الكتاب فقط، بل العودة إلى بعض ملامح تجربته الفنية، وفي ميدان الكاريكاتور خصوصا، وهو الذي اشتغل أكثر من عشرين عاما في هذا الميدان، أنجز خلالها آلاف الرسوم ونشرها في عشرات من الصحف والمجلات العربية، كما اقام عشرات المعارض في سورية وبلدان عربية وأجنبية، وطبع ثلاثة كتب من رسومه الكاريكاتورية.

كانت بداياته في رسم الكاريكاتور أواخر السبعينات، عندما نشرت رسومه الاولى في صحيفة «الثورة» الدمشقية، ثم في صحيفة «تشرين» السورية اعتبارا من العام 1983، وهو ما شكل فاتحة لشهرته في هذا المجال، فأخذت رسوماته تتوالى في صحف ومجلات عربية كثيرة مع بداية التسعينات منها «الكفاح العربي» اللبنانية 1991، و«الناقد» اللندنية 1991، و«كاريكاتير» المصرية 1993 و«الوسط» اللندنية 1994، إضافة إلى رسومات نشرها في مجلة «أحمد» اللبنانية، وفيها رسم الكاريكاتور الضاحك الموجه إلى الأطفال، وبذلك حقق تنوعا في انتاجه، وانتشارا عربيا في رسم الكاريكاتور.

واقترن اشتغاله العملي على الكاريكاتور بتطوير قدراته وخبرته الاكاديمية، فتخرج في كلية الفنون الجميلة قسم الاتصالات البصرية بجامعة دمشق العام 1986، وتابع تاليا تعليمه العالي في أكاديمية الفنون الجميلة في روما العام 1988 قسم التصوير، ونال درجة الماجستير من كلية الفنون الجميلة بجامعة القاهرة العام 1995، ثم شهادة الدكتوراه من الجامعة ذاتها، ثم تفرغ استاذا في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق.

وخلاصات السيرة الفنية والاكاديمية، تشير بوضوح إلى أن الاهتمامات الابداعية عنده تعززت بالتوجه إلى فن الكاريكاتور من خلال أمرين تكرسا في حياته، اولهما اهتمامه ومتابعته للظواهر والحوادث في مستوياتها المحلية والاقليمية والدولية، والثاني صلاته المباشرة وغير المباشرة التي نسجها مع رسامي الكاريكاتور ومنهم: يوسف عبدلكي وعبدالهادي الشماع وعلي فرزات الى جانب كل من ناجي العلي وجورج البهجوري، وكليهما حددا اهتماماته في ميدان الكاريكاتور والموضوعات التي تتناولها لوحاته بالتركيز على معالجة حال الانسان وخصوصا العربي بطموحاته وأحلامه ومستقبله، وجعل لوحة الكاريكاتور قوة تحريض من أجل تغيير للواقع المعطى.

وفي معرضه، كما في لوحات كتابه، توقف عند أكثر الشئون الانسانية سخونة في عالم اليوم، شئون تختلط فيها السياسات بمستوياتها الخاصة والعامة في العلاقات بين الشعوب والدول وفي داخلها ايضا، واعمال بهذا المعنى، تتناول العلاقات الدولية وقضايا الحريات والديمقراطية، وظواهر الديكتاتوريات والحروب إلى ظواهر القمع والارهاب والتدخلات الفجة في شئون الشعوب والأمم الضعيفة، وحال الاسترخاء العربي، وسجل في ذلك انحيازا واضحا لصالح تغيير العالم بأنظمته وعلاقاته، بما يعيد إلى الانسانية انسانيتها.

ويتقدم موضوع الارهاب الكثير من موضوعات المعرض، إذ تثير اللوحات التباسات عن القوى المنخرطة فيه ومحتواه وأهدافه النهائية، وتصور احدى اللوحات بعضا من جوانب الالتباس في تأكيد تطابق صورة «الارهابي» الذي يقف «ضد الارهاب» غير ان هذا الالتباس، يصبح اقل حضورا في اشارات تتضمنها لوحات أخرى، وهي تبرز جبروت القوة الاميركية، وتدخلاتها في شئون العالم إلى درجة جعله ميدانا لألعابها.

وتصور لوحات أخرى بؤس السياسة العالمية وخصوصا في موضوع تراخي الامم المتحدة عن متابعة شئون العالم، بل وصيرورتها هدفا، وأداة مباشرة في احيان أخرى للسياستين الاميركية والاسرائيلية.

وليست هموم السياسة الدولية المطروحة في أعماله وحدها التي تستحق التوقف عندها في اعمال معرضه الاخير، بل هناك شئون أخرى، تحتل مكانة مهمة في اعمال المعرض، كما هي أوضاع البؤس الذي يعيشه العالم الذي تتزايد حاجاته إلى التنمية ومكافحة الجوع، والتعاون بين الشعوب والتخلص من اخطار الحرب والتسلح، والطموح إلى الحريات والديمقراطية.

وبطبيعة الحال، فإن الموضوعات العربية ذات حضور متميز في اجمالي اعماله، وهي في حضورها تبدو كثيرة الابعاد والموضوعات، لكن غالبيتها تدور حول القضية العربية الاولى، قضية فلسطين، وما يتصل بها من محاور في علاقة العرب بالولايات المتحدة وعلاقتهم باسرائيل، والعلاقات العربية - العربية.

وصراع الفلسطينيين ضد الاحتلال الاسرائيلي موضوع في الكثير من لوحات المعرض انطلاقا من اتهامات الاسرائيليين للفلسطينيين وقيادتهم بـ «الارهاب» إلى ممارسة القتل الاسرائيلي للفلسطينيين نتيجة المبارزة غير المتكافئة بين الاسرائيليين المدججين بالسلاح والاطفال من رماة الحجارة.

لقد عالجت بعض الرسوم موضوعات ساخنة من دون الخوف من برودة تصيبها مع الوقت، وهو نهج مختلف في التعامل مع رسومات أخر ابتعد فيها عن معالجة بعض الحيثيات والتفاصيل الساخنة مفضلا ابراز القضية موضوع الرسم، والتعامل معها بهدوء وعمق شديدين، وربما عاد الأمر في هذا إلى عدم اشتغاله في الصحافة اليومية، وما يشكله ذلك من ضغط شديد يومي على رسام الكاريكاتور.

وقد استحوذت تقنيات الرسم على وجدانه إلى الحد الذي باتت تطغى أحيانا على تقنية الفكرة ولمعتها. إلا أن اهتمامه برسم الوجوه أعطى لطاقاته بعدا جديدا اتضحت فيه قوة خطوطه وحساسيتها ومقدرته المزدوجة على اختصار الأشكال، والإيغال في ايضاح تفصيلاتها على حد سواء.

لقد بدا فارس قرة بيت في معرضه الاخير، كما في كتابه، وكأنه يتفقد أحوال العالم من حوله، جاعلا الكاريكاتور يلامس الهم الانساني في موضوعاته، التي هي موضوعات الحياة نفسها





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً