ليلى العامرية أصبحت أشهر من نار على علم، منذ أن تولع بها وعشقها ذلك الشاعر العربي قيس بن الملوّح حتى أصبح يسمى باسمها (مجنون ليلى)، ثم جاءنا الفنان العراقي الكبير ناظم الغزالي ليخبرنا عن مكان ليلى... هاتفا في آذاننا «يقولون ليلى في العراق مريضة... فياليتني كنت الطبيب المداويا» وهكذا شاع خبر ليلى وانتشر حتى أصبحت مضربا للأمثال، إذ أن كل عاشق في هذا العالم، أصبح يقوم بدور قيس وكل معشوقة أصبحت تقوم بدور ليلى حتى ولو لم تكن مريضة... وأصبح... كل يغني على ليلاه!!
لكن الأمر تجاوز حدود العشق والهوى والهيام بالحبيب والمحبوب، فصار كل الرجال وكل النساء يلعبون دور ليلى وقيس، ولم يعد مهما من هو العاشق ومن هو المعشوق، ويبدو أن أهل البحرين عموما مرتبطين بكل أمرٍ له نكهة عراقية، وخصوصا إذا كان هذا الأمر يتعلق بالحزن والفكر والتاريخ، مشدودين إلى كربلاء والنجف، معتبرين من تاريخ القرامطة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي مرورا بالملكية وصولا إلى الجمهورية التي كانت طرفا أصيلا في كل حروب الخليج التي بدأت منذ أكثر من 20 عاما ولا يعرف أحد على وجه اليقين متى تنتهي وتخمد نارها.
ومن غير المستبعد أن تكون ليلى العامرية قد حصلت أخيرا على الجنسية البحرينية، مع أن الأمر ليس مؤكدا بالنسبة للسيد قيس الذي اتضح عدم الترحيب به عندنا، لأن جنونه من النوع النادر الذي لا يمكن السيطرة عليه، ونظرا لأن هناك عددا لا بأس به من رجال البحرين يستطيع القيام بدور قيس مع التفنن في البكاء والجنون وربما توظيف التكنولوجيا والانترنت لخدمة الموضوع.
وليت الأمر يقتصر على المواطنين فقط، لكان من الممكن أن ندخل أي مريض أو مدّعٍ للجنون إلى مستشفى الأمراض النفسية حتى يشفى من حب ليلى التي وصلت إلى البحرين بعد أن اكتسبت خبرة طويلة في تلويع قلوب العاشقين، فصار سهلا عليها تعليق العشاق ولفهم بحبالها بمجرد رمشة عين أو تحريك حاجب، لكن الأمر تجاوز حدود الأفراد ليصل إلى المؤسسات الرسمية والجمعيات السياسية والمهنية ومختلف أجهزة الدولة حتى غدا الأمر خطيرا على الأمن القومي، ويستدعي تشكيل مزيد من فرق الدفاع المدني والأمن الوطني وعشرات من سيارات مكافحة الحريق وسيارات المرور والشرطة والأمن العام والاسعاف طبعا.
سامحكِ الله يا ليلى وسامح من سهل لك الحصول على الجنسية البحرينية، فلقد جعلت الجميع يصاب بداء العشق والحرية فصار همنا في هذه البلاد الحبيبة متحلقا حول مفهوم الحرية والجنون والحراك والسكون وصارت كل مؤسسات المجتمع المدني لدينا في شغل شاغل ليس له من نهاية أو طائل، وصرنا جميعا في انشغال واشتغال لا فرق في ذلك بين النساء والرجال والشباب والأطفال.
ومن الواضح أن من منحك الصفة البحرينية، كان يعرف بأنك فاتنة جنية، تأتمرين بأمر مولاك، وتسوقين كل متيم بك إلى الجنون والهلاك، وهكذا أسبغ عليك أحلى الثياب وفتح أمامك كل الأبواب حتى تستطيعين إغواء وإغراء الأعداء والأحباب، وتصلين إلى حدود مجلسي الشورى والنواب ثم تعّرجين بعد ذلك على الهيئات والمؤسسات الرسمية والجمعيات السياسية والمهنية ولا يسلم من فتنتك إلا من تاب واستتاب وآمن بالميثاق بلا عتاب وصدق بالدستور وأناب، ثم وكّل أمره المستور والمشهور لتفسير الخبير الذي لا ينطق إلا بالصواب.
وبعد أن أصبحنا جميعا عاشقين وبأذيال ليلى متعلّقين، قالت لنا ليلى يا مساكين، لماذا لا تنظرون إلى أنفسكم وتتفكرون، فأنت شرذمة قليلون، لا تدرون ماذا تفعلون، ولا على ماذا تختلفون، ولا إلى أين وفي أي اتجاه تسيرون.
لقد حفرت لكم الحفر ثم فرقتكم شذر مذر، وجعلتكم طرائق قددا، لا يؤمن منكم أحد لأحد، ولا تعرفون متى يكون الهزل أو الجد، فرحتم مع كل ناعية تصيحون، وتهرفون بما لا تعرفون، تنقادون بكل سهولة ويسر، ولا تفرقون بين ما ينفع أو يضر، في كل يوم لكم اجتماع وفي كل ساعة عندكم استقبال ووداع، تدعون الناس من مختلف الأصقاع، وتحتفلون بهم، ولهم تصفقون، وتدعونهم إلى الفرح فيصدقون ويستبشرون، وتأخذونهم في جولات بين الندوات والمحاضرات، ثم تطلعونهم على المسيرات والاعتصامات والاحتجاجات والبيانات والاستنكارات.
فيقولون لكم بأنكم في جنة النعيم، وأن ما تم إنجازه لديكم شيء عظيم، وانكم مطالبون بالتقديس والتسبيح وزيادة جرعات التبويس والمديح، فتتفرج لكم السرائر، وتخرجون ما تكتمون في الخواطر، وتروحون تتفاخرون وعن إنجازاتكم تتكلمون، فتوزعون الشرائط والصور، حتى يخال لمن يسمعكم بأنكم قد وصلتم القمر، وتفوقتم على جميع الجن والبشر.
والحقيقة أنكم لا تزالون في أول الطريق، وأمامكم دروب من الفسحة والضيق، وعليكم أن تميزوا ما بين العدو والصديق، وأن تحسنوا اختيار الرفيق، فلا يخلي بكم عند النزال ولا يفر عنكم في ميادين السجال مدعيا بأنه قد أصيب بالهزال أو أنه قد وصل إلى سن الراحة والاعتزال، وهو في واقع الأمور، قد طلق الجمهور، وراح يفكر في المكافئات والأجور، مدغدغا خياله بالمال والسلام، وجنة الأحلام، وكلما قابلكم قال لكم إلى الأمام، سيروا ونحن من ورائكم، ندعمكم بقوة الحجة والبرهان، نقدم الدليل والبيان، من داخل القصور وداخل البرلمان.
ثم تستيقظون من منامكم ومن سباتكم تفيقون، تكتشفون أنكم في مكانكم تراوحون، وأن ما عليه تحصلون من حرية تعبير وكلام موزون، وإغلاق كل أبواب السجون، وعودة المبعدين، وحل مشكلة البدون، ما كان إلا عودة لحال السكون، وإنها قضية وسرها مدفون، عنوانها المكنون، نكون أو لا نكون، وهكذا ترون طريقكم، مشحون بالنفاق والدجل، وانكم وحدكم في حيرة من أمركم، وانكم على وجل، ودائما تستعجلون، لا تقرأون الذي بين السطور، ولا تمعنون النظر في المستور.
ويبدو أن الذي يراقبكم قد وجدكم في حال مقززة، تكيلون لبعضكم التهم وتنساقون في المواقف كالبهم، تحاربون بعضكم، وأنتم المستهدفون، وعلى أتفه الأسباب تختلفون، لا تعرفون كيف توزعون الأدوار بينكم، ولا تدرون كم من العيون مدسوسة في جمعكم، أوراقكم مكشوفة حتى لدى الاعلام والصحافة، وخططكم معروفة، وبرامجكم بالمخاطر محفوفة، وبردات الفعل والانفعال موصوفة.
وهكذا يا سادتي الكرام، تقول لكم ليلى العامرية سابقا، البحرينية حاليا، إنكم لا تزالون حديثي عهد بالانفتاح والحرية، وإن أقدامكم في هذا الدرب طرية، فثبتوا أقدامكم، ورتبوا أوراقكم، ونظموا صفوفكم، ووحدوا طلباتكم، وخطاباتكم، ثم اطردوا عنكم كل الميول الطائفية، وعززوا ما بينكم الوحدة الوطنية، وابتعدوا كلما أمكن عن المصالح الفئوية والأنانية، وانتبهوا للتصرفات الانتهازية، والمواقف النرجسية والفردية، وحاربوها دائما في السر والعلن.
وفي الختام تبدي لكم ليلى التعاطف، فلقد أصبحت أختا لكم تخشى أن يصيبها ما أصابكم، لذلك فإنها تنصحكم بأن تمعنوا النظر وأن تقلّبوا الأمر على كل اتجاه، قبل أن تتخذوا قراراتكم في المرة المقبلة!
إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"العدد 138 - الثلثاء 21 يناير 2003م الموافق 18 ذي القعدة 1423هـ