العدد 136 - الأحد 19 يناير 2003م الموافق 16 ذي القعدة 1423هـ

الصحافي ومسئولية الكلمة

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

من يستمع الى خطاب جلالة الملك وهو يقول في معرض حديثه عن حادث شارع المعارض «أحداث شارع المعارض انتهت ويجب ألا تعطى أكبر من حجمها» لابد وأن يشعر بدفء الأمن. كان كلاما دقيقا يعبر عن افق عال ورحب في التعاطي مع ما حدث. هذه المعالجة للامور يجب ان تعودنا على الاسلوب العلمي والمعرفي في التعاطي مع أي حدث، ان نتعامل معه بعيدا عن ثقافة الاصطياد او خلط الاوراق أو لغة المؤامرات.

بهذا الموقف سقطت كل الرهانات التي كانت تعمل جاهدة لإعطاء الحدث أبعادا سياسية أو تآمرية أو أمنية. والبعض بالغ بطريقة هستيرية لجعله «إرهابا»... إلخ... ما ادى إلى تخويف الحركة السياحية في البلد. الكلام زاد حتى فقد صدقيته، ولم يعد - بعد تلك الاتهامات الهستيرية - من هو مستعد ان يسمع شيئا خصوصا بعد قول جلالة الملك الذي قطع قول كل خطيب، وقطع الطريق على كل التخرصات المبالغة التي نفخت، حتى اكتشفت خطيئة النفخ فراحت تواري وجهها عن الجمهور. فقبل ان يسدل الستار عن هذا الملف ينبغي ان نأخذ دروسا منه كي لا نقع مرة اخرى فنوقع الناس في اخطائنا ذاتها ومن ثم نكتشف اننا كنا في الموقع الخطأ وفي التحليل الخطأ.

الصحافة في اي بلد جزء من الحياة السياسية فيه، فيجب ان تكون دقيقة في تقديم المعلومات والتحليلات إلى الرأي العام لان ما قُدم من تحليلات وتكهنات لحادث شارع المعارض اصاب صحافتنا المحلية في مقتل، وراح الكتاب بعد ذلك يغطون «الفضيحة» بالهروب وراء الحوادث العالمية، وخيرا فعلوا، ولكن يجب ألا يوقعوا انفسهم امام الجمهور في حرج مستقبلي وبتسرع آخر، فليس عيبا ان نخطئ ولكن العيب ان نصر على الخطأ.

الانسان في سويسرا لا يحتجز إلا بمذكرة قضائية وبتهمة مثبتة، وفي الولايات المتحدة الاميركية يقولون لهذا الانسان المتهم: لا تنطق بشيء قبل ان يحضر محاميك حتى لا يحسب كلامك عليك، والصحافة هناك تبدأ اولا بالبحث عن الحقيقة وتقوم بفضح أي ثغرة أمنية في الحادث، ولكن صحافتنا قامت - وفي اليوم الاول - بنصب أعواد المشانق للمتهم. بل ووضعت الاحكام من قبيل «قطع الارجل والايدي» من دون ان يقول القضاء كلمته، وهذا موقف يجب ألا يعاد مستقبلا، فالامانة الصحافية تقتضي مراعاة الدقة في اعطاء المعلومات للقارئ.

يقول مؤسس صحيفة «نيويورك تايمز» آرثر سالزبورجر: «احجب المعلومات الصحيحة عن أي انسان أو قدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعاية والزيف، تدمر كل جهاز تفكيره وتنزل به إلى ما دون مستوى الانسان» (من كتاب ما بين الصحافة والسياسة لهيكل)، وللاسف الشديد إن العالم الثالث عرف بالصحافة الصفراء، إذ كانت تلعب دورا كبيرا في تشكيل وعي الجمهور بما تقتضيه تجاذبات السياسة وفتنها مما يعجز القارئ عن معرفة حقيقة ما يجري خلف كواليس الصحافة.

فقد كانت الصحافة في بعض الدول التي ابتليت بالحروب الاهلية تمارس دورا هو اخطر من كل رموز الحرب المتناحرين وكانت تلعب بعقول الناس فتجعل من الضحية مجرما وتلبس المجرم لباس العفة، بيد ان الصحافة في الدول الديمقراطية اذا لم تفقد استقلالها فهي تمثل عين الدولة الديمقراطية على سراق المال العام وعين الناس لكل الفضائح التي تعقد تحت الطاولات ليلا، لهذا اذا لم تتحول الصحافة إلى صحافة سائلة تصبح هي ومن يمتهنون تجارة البغي في صف واحد. فالصحافة يجب ان تتحول إلى «مدفعية ثقيلة» تدك حصون الفساد لا ان تتستر عليه. ويجب ان تكون امينة في النقل، محترمة عقل القارئ، جالسة معه كل صباح لتخفف آلامه وأوجاعه، ناقلة له الحدث وما بعد الحدث، بذلك تكسب الصدقية، فتتربع على عرش قلوب محبيها. ويجب ان تعمل الصحافة على تمتين النسيج المجتمعي، وألا تسيء إلى الوجه الانساني والحضاري الذي يشترك فيه الناس. ثمة امور تجري عند القاع وتتفاعل تحتاج إلى من يكتشفها فمازالت هناك ملفات كثيرة عالقة تحتاج إلى تبني من قبل الصحافة من ملف البطالة إلى ملف الفقر إلى تحليل تلك القوانين التي تحد من الحريات وغيرها، وان وصول نسبة البطالة إلى 15 في المئة كما جاء على لسان سمو ولي العهد ليست بالنسبة العادية ابدا فكل ذلك يقتضي جهودا كبيرة حتى نستطيع الخروج بمجتمع مؤهل. اما اذا بقيت الصحافة تلمع هنا وتضع الطلاء هناك فإننا سنبقى نراوح في المكان ذاته هذا اذا لم نرجع إلى الخلف، خصوصا، إذا اعتمدت الصحافة سياسة الاثارة السلبية والاستعداء. ولعل المفارقة الكبرى عندما ترى الصحافة صامتة على رغم وجود شبح قانون قد يكمم فاهها.

فسكوت الصحافة له دور كبير في بقاء وتجذر السلبيات في المجتمع فمازال منطبقا قول مصطفى امين عندما كان يقول في أحد كتبه: «ان تقييد الصحافة - في رأيي - هو الذي خلق منا فراعنة» اما اذا شعر الوزير أن «غسيله» سينشر على حبل الصحافة، لو انه أقدم على فضيحة مالية أو بيئية أو إذاعية... فإن هذا الوزير لن يمتلك جرأة الإقدام على ذلك ولن تجعل منه «فرعونا» اما السكوت والصمت واحيانا الرقص والتطبيل فإن ذلك يجعل من الوزير أو المدير أو الوكيل مقداما وجريئا على ابتزاز أموال الناس، لهذا مازالت هناك مفارقة بين صحافتنا والصحافة الكويتية، ففي الصحافة الكويتية تقرأ في كل صباح فضيحة لوزير أو مدير وتتسابق الصحف في معرفة واصطياد المعلومات في منافسة شريفة لمن يسقط «ورقة التوت»، اما نحن فمازلنا نعاني من نظريات المؤامرة، فعندما تعمد إلى نقد وزارة فان الكتاب ذاتهم يضعونك في مربع تشويه البلد والتآمر على الوزارة و... عندما يصبح الكاتب أميا كيف سيكون قراؤه؟ على رغم وجود مواد في الدستور تنص على أحقية استجواب الوزير، فإلى يومنا هذا لم نر تلميحا لذلك فضلا عن اجراء عملي، بل وجدنا ما هو أدهى من ذلك، بعض النواب واعضاء مجلس الشورى راح يزايد مطالبا بسن قوانين لتقييد الحرية وهذا اضحك علينا بعض النواب العرب وتحديدا الكويتيين إذ قال: «عجيب امركم يا البحرينيين الناس يطالبون بمزيد من الحريات وبعض نوابكم - وعبر شاشات التلفزيون الفضائية يطالب بتقييد الحريات؟! ثم اضاف هازئا وهو يقول: «اخاف لوطلب نائب منكم استجواب وزير يذهب نوابكم للدفاع عنه حتى لو كان متورطا في فضيحة مالية أو ادارية».

ولا نعلم ماذا سيقول عنا النواب - الذين ابتدأنا تجربتنا الديمقراطية قبل تجربتهم - لو علموا ان الوزارة رفضت طلب ثلاثة من النواب من التقاء المتهمين بحوادث المعارض؟ اتمنى ألا يسلط عليه الضوء في قنواتنا الفضائية فتكون لنا مزيدا من الفضائح

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 136 - الأحد 19 يناير 2003م الموافق 16 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً