العدد 136 - الأحد 19 يناير 2003م الموافق 16 ذي القعدة 1423هـ

أخطار الحرب على العراق وكلفتها العالية وانعدام مبرراتها لا تمنع وقوعها

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

يمكن وصف الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة الأميركية مع التقرير الذي قدمه العراق للامم المتحدة بناء على ما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 1441 بدعوة العراق إلى تقديم اقرار بما يملكه من ما يسمى اسلحة خطيرة او اسلحة دمار شاملة، وقدم العراق ملفا كاملا من آلاف الصفحات قبل الموعد المحدد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ولا ندري اذا كانت الولايات المتحدة او بريطانيا قد استخلصت نتائج مفيدة لجهة اثبات او نفي امتلاك العراق لاسلحة خطيرة مع ان تصريحات سلبية كثيرة صدرت من قبل مسئولين في الادارة الاميركية ومن قبل بعض المسئولين في الحكومة البريطانية، وكلها تشكك في صحة التقرير أو تقلل من اهميته الا ان درجة الانفعال التي تلت هذا الكلام كانت خافتة إلى حد كبير وبشكل عام فان الاقرار العراقي لم يشكل قضية خلافية حادة، وغالبية الدول العظمى بما فيها بريطانيا اكدت ان التهمة الموجهة للعراق بأنه اخفى بعض المعلومات لا يشكل مبررا او ذريعة لتوجيه ضربة عسكرية إلى العراق.

اما الامم المتحدة على لسان أمينها العام كوفي عنان فلم تتوقف عند الاتهامات الاميركية بشأن ما اسمته الولايات المتحدة الاميركية - محاولات تضليل واخفاء معلومات - ولم يجارِ الأمين العام للامم المتحدة الاتهامات بشأن تفسيرات قرار مجلس الأمن الدولي هذه التفسيرات الاميركية التي تقول ان التقرير العراقي يمثل خروجا على القرار 1441 لمجلس الأمن الدولي لانه لم يتضمن تأكيد التهم التي توجهها الولايات المتحدة الاميركية للعراق بشأن امتلاك ما يسمى اسلحة خطيرة، وكما هو معروف فان عمل فرق التفتيش يسير بشكل سلبي، والعراق من جانبه لا يمانع في زيادة عدد فرق التفتيش لتصل إلى 200 مفتش وطواقم مساعدة وهو يتعاون مع فرق التفتيش إلى ابعد حد ولا يمانع ان تعود فرق التفتيش لزيارة الموقع الواحد اكثر من مرة أو اكثر، فقد وافق العراق على ان ترسل الولايات المتحدة الاعداد التي تريدها من جهاز وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية ليتولوا ارشاد فرق التفتيش الى الاماكن التي تدعي بعض التقارير الاميركية ان العراق يخبئ فيها بعض انواع الاسلحة كما ان العراق قدم قائمة باسم 500 عالم عراقي ولا يمانع ان يتم التحقيق معهم في اي وقت وفي اي مكان في العالم كما لا يمانع العراق بأن تسمي الولايات المتحدة الاميركية او الامم المتحدة اسم اي عالم عراقي تريد التحقيق معه، وقامت بغداد بتوجيه الدعوة إلى رئيس التفتيش هانس بليكس والى رئيس هيئة الطاقة الدولية محمد البرادعي لزيارة بغداد للتباحث معهم والاستماع إلى أية استفسارات او اسئلة سواء بشأن الاقرار العراقي او بشأن خلاصة عمل فرق التفيش.

واصبح واضحا ان قرار مجلس الأمن الدولي يشكل قيدا للولايات المتحدة الاميركية إذ تتشبث الادارة الاميركية بخرق العراق لهذا القرار لتتخذ من ذلك حجة لتوجيه ضربة عسكرية مباشرة للعراق او العودة إلى الامم المتحدة وتثبيت واقعة خرق العراق للقرار 1441 ليعطيها ذلك المبرر والسند للقيام بالحرب التي تخطط لها بمعزل عن كل الجهود السياسية الدولية بما في ذلك الدور الذي تقوم به الامم المتحدة وبما في ذلك القرار الذي يلتزم به الجميع وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الاميركية اذ لا يكفي ان يلتزم العراق بهذا القرار لأن صدور هذا القرار في الجانب الاساسي والمهم منه تضمن منع قيام حرب من دون مبررات جدية، ولا يستطيع احد ان يمنع الولايات المتحدة الاميركية من ان تستمر في توجيه التهديدات للعراق، ولا يستطيع احد ان يعترض على حشد الولايات المتحدة الاميركية لقواتها العسكرية في الخليج العربي وحوله وخصوصا انها تبرر الاستعدادات للحرب استنادا إلى فرضية ان العراق لا يتعاون بشكل كاف وان الولايات المتحدة الاميركية - كما تعلن - انها متأكدة من أن العراق يمتلك اسلحة دمار شاملة وخطيرة وهو قادر على اخفائها ولم يقدم اعترافات بها وفي هذا الحال فأن الولايات المتحدة الاميركية مطالبة بأن تثبت من جانبها التهم التي توجهها للعراق وفي حين تقول انها تمتلك معلومات وبيانات بشأن الاتهامات الا انها لم تقدم اي شيء او اية معلومة بشأن امتلاك العراق لاسلحة خطيرة.

ولا يمكن رصد ذلك للمحلل السياسي العربي الا بعد قراءة في ما تحمله تطورات الازمة بين الولايات المتحدة الاميركية والعراق فان الاخيرة باتت معنية بشكل جدي وملح وسريع بالانتهاء من عمليات التفتيش ومن مصلحتها ان لا تعيق عمل فرق التفتيش وان تقدم كل التسهيلات الممكنة، لانها في النهاية تريد ان تضع حدا لكل الاتهامات الباطلة حيث يؤدي استمرار عمل فرق التفتيش إلى استمرار الحصار وفرض العقوبات وتأجيج الازمة عبر تجليات كثيرة ومختلفة، واذا كانت الولايات المتحدة ليست على عجل من أمرها ولا يهمها اذا استمرت عمليات فرق التفتيش عشر سنوات او عقودا اخرى فان الوضع الحالي والتطورات الراهنة تشكل عامل ضغط على الجميع وعلى الولايات المتحدة الاميركية إذ لا بديل عن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1441 بكل ابعاده وفي مقدمة ذلك قيام فرق التفتيش بمهمات محدودة ولا بد طبقا لقرار مجلس الأمن الدولي 1441 من التوصل إلى نتائج سريعة وخصوصا ان عدد فرق التفتيش كبير وهنالك امكان لمضاعفة عدد الفرق كما ان صلاحياتها واسعة ومهماتها يفترض ان تكون جدية والكفاءة لدى الخبراء يفترض أن تكون عالية بما يؤكد على ضرورة التوصل إلى نتائج سريعة ومن ذلك تقييم التجربة بعد شهرين من بدئها ومتابعة التقييم في فترات متقاربة، لكن الجانب السياسي وهو آليات تطبيق القرار 1441 لمجلس الأمن الدولي وعمل فرق التفتيش والتوسع في عمليات البحث عن اسلحة خطيرة في العراق يواكبه جانب عسكري وهو ما اشرنا اليه من تزايد عدد الحشود الاميركية وارسال قوات اميركية اضافية إلى المنطقة وكذلك ارسال قوات بريطانية جديدة تزيد على 40 ألف جندي من سلاح البحرية والقوات الخاصة ولا شك في ان المناورات الاميركية التركية الاسرائيلية هي ايضا في اطار الاستعداد للحرب التي تؤكد الولايات المتحدة الاميركية انها واقعة لا محال وكأن الولايات المتحدة الأميركية لديها معطيات تخفيها او اتهامات تفبركها بشكل مقنع لشن هذه الحرب التي تؤكد الادارة الاميركية الحالية ان كلفتها ستكون عالية وانها ستكلف أكثر من 200 مليار دولار. وظاهر الامر ان دول المنطقة غير معنية بهذه الحرب ولن يكون بمقدورها المساهمة في هذا المبلغ الضخم بعد ان استنزفتها حرب الخليج الثانية إذ كانت دول الخليج العربي شريكة في تلك الحرب لان الولايات المتحدة حشدت تحالفها تحت عنوان الدفاع عن الخليج ولا شك في ان دول المنطقة بالاضافة إلى ما تتحمله من ضرر ستكبد بعض مصاريف هذه الحرب التي لن تقتصر على 200 مليار دولار كما يقول السناتور الديمقراطي جوزيف بيرنى وزميله الجمهوري تشاك هاغل اللذان اكدا في تقرير نشرته الـ (واشنطن بوست) ان هنالك كلفة اضافية تزيد على 200 مليار دولار لتثبيت الوضع في العراق وفي المنطقة من خلال وجود عسكري اميركي مكثف لمدة طويلة وعمليات ترميم للعراق وغير ذلك، وهذا يعني ان كل موارد العراق لعقود طويلة مقبلة وجزءا كبيرا من موارد المنطقة سيستنزف في الحرب القادمة وما يليها من سنوات طويلة وربما إلى ما لا نهاية لترتيب المنطقة وفقا للمنظور الاميركي، ويضاف إلى هذا، الاضرار والدمار الذي سيصيب المنطقة نتيجة الحرب والخسائر والمآسي التي لا يعلم الا الله مقدار كلفتها ومدى أذاها بحيث تكون هذه الحرب من اسوأ الحروب التي عرفتها البشرية.

تحديدا منذ نهاية الحرب الكونية الثانية والتي حسمتها الولايات المتحدة الاميركية بإلقاء السلاح غير التقليدي، فبات النووي هو الحسم فمن يحسم الحروب القادمة هل هو العربي الحامل للسلاح الابيض؟ ام البارجات وحاملات الطائرات والقنابل الذرية!

العدد 136 - الأحد 19 يناير 2003م الموافق 16 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً