تمثل زيارة وزير الخارجية السوري فاروق الشرع الأخيرة إلى أنقرة، نقلة أخرى باتجاه تعزيز العلاقات السورية - التركية، وهو هدف تتشارك في التوجه إليه سورية وتركيا طبقا للمؤشرات الظاهرة في علاقات البلدين.
وطبقا لتصريحات الوزير الشرع التي أطلقها خلال زيارته إلى أنقرة، فإن توجيهات الرئيس بشار الأسد للدبلوماسية السورية ركزت على «ضرورة فتح الباب واسعا أمام علاقات مثمرة ومتطورة وبناءة في المجالات جميعها بين البلدين الجارين» وهو توجه يتناسب مع ميول السياسة السورية في تحسين العلاقات وخصوصا مع دول الجوار، وفتح بوابات الحوار عن مختلف الشئون السياسية والاقتصادية.
ويتقاطع التوجه السوري مع مخطط السياسة التركية التي يتبناها حزب «العدالة والتنمية»، وحكومته برئاسة عبدالله غل، وكان بدء رئيس الوزراء التركي غُل جولته الشرق أوسطية الأولى من دمشق، مؤشرا على اهتمام أنقرة بالعلاقات مع دمشق، وفيها أكد الجانبان التركي والسوري تقاربهما في الموقف من الأزمة العراقية وخصوصا في معارضة الحرب، وضرورة إيجاد حل سلمي للأزمة، كما أكدا ضرورة تطوير العلاقات، وفي إطار ذلك جاءت دعوة وزير الخارجية التركي يشار ياكيش للوزير الشرع لزيارة أنقرة، والتي قدر مراقبون، أنها سوف تمهد لزيارة مرتقبة للرئيس بشار الأسد إلى تركيا بناء على دعوة الرئيس التركي أحمد نجدت سيزار.
وتطوير العلاقات السورية - التركية، يمكن أن يشمل جوانب مختلفة، الأهم فيها والأكثر الحاحية، يظهر في نقطتين أساسيتين، الأولى تعميق التقارب السياسي على قاعدة انتمائهما إلى منطقة جغرافية وحضارية واحدة، تواجه تهديدات مشتركة في مقدمتها الحرب المحتملة على العراق، وما يمكن أن ينجم عنها من ترديات، تصيب سورية وتركيا وكل دول المنطقة.
والنقطة الثانية تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، وهي علاقات يصفها الجانبان بأنها «جيدة»، وقد بلغ حجم المبادلات بينهما أكثر من مليار دولار، وهناك فرص حقيقية لتوسيع حجم ومستوى هذا الجانب من العلاقات من خلال وجود فرص استثمارية ولاسيما في سورية، يمكن أن يتشارك فيها رجال الأعمال من البلدين، كما أن واقع تشارك البلدين - وخصوصا مياه الفرات - يوفر قاعدة، ليس فقط لحل الخلافات حول المياه، وإنما لتطوير علاقات المشاركة على قاعدة المصالح المشتركة.
لقد خطا البلدان منذ أزمة العام 1998 - التي وضعتهما على حافة التصادم العسكري - مجموعة خطوات، اتخذت طابع التهدئة من جهة، والتوجه إلى وضع أسس لعلاقات أفضل، جاء في إطارها فتح أبواب الحوار بشأن قضايا الخلاف، وأعقبها الاتفاق الأمني، وتنمية العلاقات العسكرية بين البلدين، ثم تسهيل حركة المرور بين البلدين للبضائع والأشخاص، وخصوصا رجال الأعمال، وكذلك إتاحة الفرصة للعائلات على جانبي الحدود للقاء كما حدث مرات بمناسبة الأعياد، كان آخرها فتح الحدود في عيد الفطر الأخير.
لقد بحث الوزير الشرع في أنقرة مع وزير الخارجية ياكيش ورئيس الوزراء غُل، ومع زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان، والرئيس التركي أحمد نجدت سيزر «الأوضاع الراهنة في المنطقة والتعاون بين سورية وتركيا في مختلف المجالات «والمستجدات الإقليمية والدولية والأوضاع المأسوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الأراضي العربية المختلة كما جرى بحث المسألة العراقية وضرورة إيجاد حل سلمي لها من أجل تجنب المخاطر التي يمكن أن تنتج عن حرب أميركية ضد العراق»، وهي نقاط أكد الطرفان مستوى عال من التوافق عليها، ما يمهد إلى تعميق الفهم المشترك بشأن هذه النقاط في الزيارة المرتقبة للرئيس السوري في أنقرة، والتي قد لا تتأخر كثيرا
العدد 136 - الأحد 19 يناير 2003م الموافق 16 ذي القعدة 1423هـ