بعد كل دورة انتخابية أميركية يطرح هذا السؤال: أين الجاليات العربية ولماذا لا تلعب دورها في التأثير على السياسات المحلية كما تفعل غيرها من الجاليات؟
لاشك في ان السؤال يحتاج إلى دراسة دقيقة للجاليات العربية وتاريخ هجرتها وتكوينها الاجتماعي وظروفها الثقافية والأهم تجانس تلك الجاليات وتوحدها في بيئة مشتركة تجمعها على وحدة الهدف والمصير.
حتى الآن لا توجد دراسات دقيقة عن الموضوع وإذا وجدت فهي تحتاج إلى «غربلة» لتحديد تعريف لـ «العربي» ثم الانتقال من التعريف للاتفاق على مواصفات مشتركة تجعل من جمع أو تكتيل «العرب» مهمة سهلة. جرت محاولات كثيرة لتنظم الجاليات العربية إلا انها لم تصل إلى المستوى المطلوب بسبب صعوبة التعريف الذي عطل امكانات التعارف على رغم الحاجة المشتركة وتحديدا في فترات الضغط السياسي والحملات الإعلامية وتنميط الشخصية العربية وتشويهها.
بعد ضربة سبتمبر/ أيلول 2001 صدرت دراسات موضوعية عن الجاليات العربية وتاريخ هجرتها وتكوينها الديني والثقافي وتوصلت إلى مجموعة مفارقات لابد من قراءة تفصيلاتها حتى تكون صورة الموقف واضحة لكل هيئة تريد العمل على توحيد كلمة «العرب» في أميركا.
تقول الدراسات: إن تاريخ الهجرة العربية إلى الولايات المتحدة بدأ في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وكانت الموجات الأولى مؤلفة من السوريين واللبنانيين. وتوقفت الهجرة العربية قليلا في الفترة ما بين 1925 و1948 بسبب الأزمة الاقتصادية الكبرى التي ضربت أميركا وأعقبتها الحرب العالمية الثانية. وساهمت الحرب في تحريك عجلة الاقتصاد الأميركي الذي احتاج إلى أموال للاستثمار وأيدٍ كاملة لتشغيل المصانع. بعد الحرب العالمية الثانية توزعت الهجرة على فئتين: التجار والأغنياء من اللبنانيين والسوريين والعمال من اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبة 1948. وفي الخمسينات انضمت إلى قوافل الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين موجات من الهجرة المصرية والعراقية هربا من الانقلابات العسكرية والتأميمات الاشتراكية. ومنذ العام 1960 ازدادت الهجرة من بلدان «الشرق الأوسط» وتصاعدت في الثمانينات ووصلت إلى أوجها في 1990 حين أصبحت نسبة الهجرة العربية هي الأعلى قياسا بالهجرات من دول العالم. وبلغ معدل المهاجرين العرب بعد 1964 نسبة 75 في المئة مقابل 52 في المئة من ذلك التاريخ. وأوسع شريحة (44 في المئة) وصلت إلى أميركا كانت بين 1975 و1980 مقابل 24 في المئة من مجموع المهاجرين.
وسبب اتساع الهجرة العربية في تلك الفترة (من الستينات إلى التسعينات) يعود إلى الاضطرابات السياسية في بلدان «الشرق الأوسط»: حرب 1967 العربية - الإسرائيلية، حرب لبنان الأهلية 1975 - 1990، حرب شمال العراق (الأكراد) 1968 - 1988، حرب الخليج الأولى (العراق - إيران) بين 1980 و1989. تراجعت هذه الزيادة بعد صدور قانون الهجرة الجديد في العام 1995 الذي اعتمد نظام الحصص (الكوتا) وأعطى الأولوية للمهاجرين من أوروبا الشرقية (شعوب دول المعسكر الاشتراكي) خوفا على التوازن السكاني الداخلي وطغيان موجات الملونين على الأعراق والجنسيات الأوروبية (البيض). هذا من جانب. ومن جانب آخر اختلف المهاجرون العرب في الستينات عن الفترة السابقة. فسابقا، وقبل 1960، كان 90 في المئة من المهاجرين من المسيحيين العرب بينما اليوم فإن معظم المهاجرين من المسلمين العرب. إلى ذلك تختلف نوعية المهاجرين وأهدافهم من الهجرة. الرعيل الأول كان ينتمي في معظمه إلى فئات ريفية وفقيرة تبحث عن فرص عمل في المزارع والمصانع. بينما ينتمي معظم الرعيل الثاني إلى فئات متعلمة وتتميز بثقافة عالية وتطمح إلى الدخل المرتفع. فأصحاب الاختصاص هم من طبقات تتوق إلى مناخات «الحرية» و«التعايش» وتبحث عن فضاء الكلمة لا عن لقمة العيش فقط.
لذلك اتجه معظم الرعيل الثاني إلى السكن في مناطق مختلفة وتوزع على المدن والجامعات والشركات الكبرى وابتعد موضوعيا عن الرعيل الأول الذي تمركز في معظمه في مناطق الزراعة والصناعة في ولاية ميتشيغان (ديترويت وديربان) واشتغل في معظمه في قطاعات التصنيع ومشاغل السيارات.
إذن هناك مشكلة تكوينية (زمنية) أسست الصعوبات الذاتية لتقريب وجهات النظر وتوحيد «كلمة العرب» في أميركا. فالهجرة الأولى انتمت دينيا إلى ثلاثة مذاهب مسيحية عربية: موارنة لبنان، اقباط مصر، كلدان العراق. والهجرة الثانية انتمت دينيا إلى المذاهب المسلمة العربية وغير العربية واختلفت حاجاتها وأهدافها عن الأولى.
لذلك نرى ان الجاليات العربية كبيرة كما لكنها غير قادرة على توحيد نفسها في هيئة لها تأثيرها النوعي على المعارك الانتخابية. فإذا كانت الدول العربية في العالم العربي غير قادرة على توحيد «كلمة العرب» فكيف يكون الأمر مع جاليات عربية متفرقة على الولايات الأميركية؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 135 - السبت 18 يناير 2003م الموافق 15 ذي القعدة 1423هـ